الرئيسية » رموز وشخصيات » “سليمان الحلبي” قتل “كليبر” و الفرنسيون يحتفظون بجمجمته
كليبر و سليمان الحلبي
كليبر و سليمان الحلبي

“سليمان الحلبي” قتل “كليبر” و الفرنسيون يحتفظون بجمجمته

كتب – وسيم عفيفي
لا كلام عن مصر وتاريخها بدون ذكر تاريخ الأزهر الذي من ضمن رجاله سليمان الحلبي ، فالأزهر يحتوي على 1000 عام وتزيد من تاريخ مصر
ولعل من ضمن المراحل البارزة في تاريخ مصر القومي هي فترة ثلاث سنوات قضاها الأزهر الشريف في غمار النضال ضد الحملة الفرنسية على مصر .
ولم يكن النضال متوقفاً على رجال الأزهر وشيوخه وتلاميذه المصرين ، بل كان أيضا له جزء لا يتجزأ من مشاركة الطلاب الأزهريين غير المصرين ، والذين شكلوا نقطة فاصلة في تاريخ النضال والكفاح .
ومن ضمن هؤلاء الطالب السوري الشهير سليمان محمد أمين ونس الحلبي .

قصة طالب لم يكمل الخامسة والعشرين من عمره ، سجل تاريخه في صفحات ذهبية بحروف وكلمات وجُمل بيضاء
ولد في عام 1777 ميلادية في قرية كوكان بالقرب من منطقة عفرين بمحافظة حلب بدولة سوريا لأسرية كردية ذكرها المؤرخون باسم أسرة أوس كوبار .
كان والده يعمل في مهنة بيع السمن وزيت الزيتون

عاش سليمان الحلبي في بلده إلى أن تم العشرين من عمره ، ثم أرسله والده إلى القاهرة ليدرس بالأزهر وذهب إلى هناك والتزم رواق الشوام وهو المكان الذي خُصص لطلاب الأزهر من بلاد الشام
تتلمذ سليمان الحلبي على يد الشيخ أحمد الشرقاوي وأحبه الشيخ حباً جماً وعلمه كافة العلوم الشرعية والدينية واللغوية ، ووقتها كانت القاهرة على موعد ولقاء لغازي جديد كان هذا الغازي هو نابليون بونابرت .
تمكنت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت من احتلال مصر عام 1798م وكان ذلك نتيجة طبيعية بعد قيام الثورة الفرنسية بعشر سنوات، حيث واجهت معارضة شديدة من التاج البريطاني فأرادت الثورة أن تثبت قوتها بضرب بريطانيا داخل مستعمراتها بالهند ولا مناص من ذلك إلا باحتلال مصر .

مكثت الحملة الفرنسية بمصر بضعة أشهر يدعي قادتها أنهم مناصرو الشعب ضد ظلم المماليك وأنهم ذوي مدنية لا تتعارض مطلقاً مع المقدسات الدينية المصرية ، ولكن مع موقعة أبي قير البحرية وضرب الأسطول الفرنسي ، سقط القناع وأظهرت الحملة ونابليون وجهها القبيح .

عندما اندلعت ثورة القاهرة الأولى في 21 أكتوبر عام 1798 تم ضرب الأزهر بالمدافع وعملت الحملة الفرنسية على إهانة الشعب المصري بكل طوائفه خاصة الطائفة الأزهرية ومع تفاقم الأحداث في باريس هاجر نابليون سراً إلى فرنسا
وكلف الجنرال كليبر بقيادة الحملة من بعده ، وكان كليبر لا يحبذ البقاء في مصر لأن الظروف لا تسمح بذلك
فالوضع في فرنسا في مأزق وبريطانيا تحاصر البحر والدولة العثمانية تجهز نفسها والأزهر يلملم شتات نفسه والشعب من قبل هؤلاء وهؤلاء وتحت راية الأزهر لا يرضى أن يظل الفرنسيين أكثر من هذا .

ومع يناير سنة 1800 وبفشل معاهدة العريش بسبب إصرار الدولة العثمانية على رحيل الحملة بدون سلاح ورفض كليبر لهذا الشرط بسبب أنه سيكون اعلاناً للهزيمة ، صرف كليبر النظر عن فكرة عدم البقاء بمصر ومكث فيها 6 أشهر دمر فيها الشعب بالكامل

وهنا ظهر سليمان الحلبي مع زملائه الشوام والذين لاقت بلادهم في حيفا وعكا وحلب لهيب نيران الحملة
فاعتزم هو وزملائه الفتك بكليبر وقد كانوا أربعة طلاب من قرآء القرآن هم : محمد وعبد الله وسعيد عبد القادر الغزاوي، وأحمد الوالي وخامسهم سليمان الحلبي والذي أخبرهم بقراره الأخير وهو قتل كليبر

وفي صباح 14 يونيو 1800 توجه سليمان الحلبي إلى الأزبكية حيث كان الجنرال كليبر يقيم في قصر محمد بك الألفي الذي استولى عليه بونابرت وأقام فيه، ثم سكنه كليبر بعد رحيل بونابرت إلى فرنسا .
دخل سليمان الحلبي حديقة قصر محمد الألفي بك وهو يرتدى رداء شحات ووجد كليبر واقفاً وبجواره كبير المهندسين الفرنسيين قسطنطين بروتاين واقترب الحلبي من كليبر يسأله مالاً فلوح كليبر بيده رافضاً وهنا أخذ سليمان الحلبي يد كليبر وتمكن من أن يطعن كليبر بنصلة السكين التي اشتراها من غزة أربع طعنات قاتلة في كبده، وفي سرته وفي ذراعه الأيمن
كما تمكن من طعن كبير المهندسين قسطنطين بروتاين ست طعنات غير قاتلة
وقام سليمان الحلبي بالفرار هارباً إلى الخارج إلا أنه قد تم القبض عليه بعد أن تمكن اثنان من العساكر الفرنسيين هما العسكري الخيال جوزيف برين، والعسكري روبيرت، من إلقاء القبض عليه في الحديقة، ومن العثور على السكين التي نفذ بها مهمة القتل

أنكر سليمان الحلبي صلته بالشيخ الشرقاوي، وبطلاب حركة المقاومة الشعبية الإسلامية المصرية المختلطة من مصر والحجاز وتركيا والشام إلا أنه ذكر أنه كان مقيمًا معهم مدة 34 يومًا قبل إقدامه على تنفيذ مهمة القتل وأنه أخبرهم بعزمه على قتل الجنرال كليبر من منطلق جهادي ، لكنهم لم يأخذوا كلامه على محمل الجد.

وهنا قررت المحكمة الفرنسية الحكم بما يلي : إعدام سليمان الحلبي بالخازوق، و أحمد الوالي ومحمد وعبد اللّه الغزي وسعيد عبد القادر الغزي بالإعدام، وفصل رءوسهم عن أجسادهم، على أن يتم قطع رءوسهم أمام سليمان قبل إعدامه بالخازوق
وفي الساعة 11.30 من يوم 28/ 06/ 1800م، نُفذ حكم الإعدام بالفلسطينيين الثلاثة أمام عيني سليمان، ثم حرقت أجسادهم حتى التفحم، ثم غرس وتد الخازوق في مؤخرة سليمان الحلبي فوق تل حصن المجمع – تل العقارب واستمر الخازوق يدخل جسد سليمان ولم يقتله إلا بخروجه من فمه ، ثم ترك جثمانه عدة أيام، تنهشه الطيور الجوارح عقب دفن جثمان الجنرال كليبر
ليعطي هذا الحكم وهذا الأداء صورة حقيقية للوجه الخفي للمدنية الفرنسية التي تتدعي الاحترام لحقوق الإنسان ومراعاة إنسانياتهم وحرياتهم وتصرفاتهم تجاه الغازين لبلادهم
وقد حمل الجنرال مينو معه إلى باريس عظام الجنرال كليبر في صندوق، وعظام سليمان الحلبي في صندوق آخر، وعند إنشاء متحف الشهداء بالقرب من متحف اللوفر في باريس، خصص في إحدى قاعات المتحف اثنان من الرفوف: رف أعلى وضعت عليه جمجمة الجنرال كليبر، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: ” جمجمة البطل” الجنرال كليبر، ورف أدنى تحته وضعت عليه جمجمة سليمان الحلبي، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: ” جمجمة المجرم” سليمان الحلبي. والجمجمتان لا تزالان معروضتين في متحف الشهداء حتى اليوم وتحاول أطراف كثيرة إعادة الحلبي لسوريا ورد اعتباره ولم يرد أحد على هذا الأمر إلى الآن
غير أن الحقيقة الجلية هي أن التاريخ قد دخله سليمان من أوسع أبوابه بينما دخل غيره مزبلة التاريخ من أوسع صناديقها

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*