الرئيسية » رموز وشخصيات » “رأفت الهجان” بين نظامي جمال عبد الناصر و السادات
جمال عبدالناصر و رأفت الهجان و السادات
جمال عبدالناصر و رأفت الهجان و السادات

“رأفت الهجان” بين نظامي جمال عبد الناصر و السادات

كتب – وسيم عفيفي
مع شهر رمضان نتذكر حرب العاشر من رمضان وبالتالي علينا أن لا ننسى أسود ورجال المخابرات المصرية على رأسهم رأفت الهجان ، كون أنه أحد الرجال الذين قدموا كل ما هو غالي ونفيس من أجل الدولة وعلى رأسهم شخص هام جدا، أغلب الناس لا يعلمون عنه شيء إلا من مسلسل رأفت الهجان للكاتب صالح مرسى والمخرج يحيى العلمي والممثل محمود عبد العزيز.
وكان المسلسل على ثلاث أجزاء وكان أول جزء منه سنة 1987 وقد لخصت الأجزاء الثلاثة قصة سنوات الجاسوسية الـ 17 عشر عاماً، التي قضاها رفعت على سليمان الجمال الشهير برأفت الهجان، والتي كانت تلك السنوات في خدمة مصر.
عبقرية رأفت الهجان ليست في ذكائه ومكره وبراعته في التمثيل فحسب، بل كانت أيضاً في قدرته على التأقلم مع ظروف مصر وإسرائيل معاً، بين نظام عبد الناصر ونظام السادات وبالتوازي مع النظام الإسرائيلي،و كان الهجان متأقلماً بمنتهى البراعة.
ولد رفعت على سليمان الجمال في مدينة دمياط في في 1 يوليو 1927، حيث كان والده يعمل في تجارة الفحم أما والدته فكانت ربة منزل وكانت والدته تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكان له شقيقان هما لبيب ونزيهه إضافة إلى أخ غير شقيق هو سامي، وبعد ذلك بسنوات تحديدا في عام 1936 توفي والده وأصبح “سامي” الأخ غير الشقيق لـ”رأفت” هو المسئول الوحيد عن المنزل، وكانت مكانة “سامي” الرفيعة، وعمله كمدرس لغة إنجليزية لأخ الملكة “فريدة” تؤهله ليكون هو المسئول عن المنزل وعن إخوته بعد وفاة والده، وبعد ذلك انتقلت الأسرة بالكامل إلى القاهرة.
عمل ممثلاً بالسينما عقب إقناع بشارة وكيم له، ثم عمل في ليفربول بشركة سياحية ثم غادر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرة دخول أو بطاقة خضراء وبدأت إدارة الهجرة تطارده، مما اضطره لمغادرة أمريكا إلى كندا ومنها إلى ألمانيا، وفي ألمانيا اتهمه القنصل المصري ببيع جواز سفره ورفض إعطائه وثيقة سفر بدلا عن جواز سفره وألقت الشرطة الألمانية القبض عليه وحبسته ثم رحل لمصر.
وكذلك عمل في شركة قناة السويس وتعرَّف على مزوِّر بارع، منحه جواز سفر باسم “علي مصطفى”، يحوي صورته، بدلا من صورة صاحبه الأصلي، وبهذا الاسم الجديد، عمل “رفعت” في شركة قناة “السويس”، وبدا له وكأن حالة الاستقرار قد بدأت، ومع قيام ثورة يوليو 1952، أحس البريطانيون بالقلق، بشأن المرحلة القادمة، وأدركوا أن المصريين يتعاطفون مع النظام الجديد، فشرعوا في مراجعة أوراقهم، ووثائق هوياتهم، ما جعل الهجان يحصل من ذلك المزوِّر على جواز سفر جديد، لصحفي سويسري يُدعى “تشارلز دينون”.
.وهكذا أصبح الحال معه من اسم لاسم ومن شخصية مزورة لشخصية أخرى إلى أن ألقي القبض عليه من قبل ضابط بريطاني أثناء سفره إلى ليبيا بعد التطورات السياسية والتغيرات في 1953 وأعادوه لمصر واللافت في الموضوع انه عند إلقاء القبض عليه كان يحمل جواز سفر بريطاني.
غير أن الضابط البريطاني شك أنه يهودي وتم تسليمه إلى المخابرات المصرية التي بدأت في التحقيق معه على أنه شخصيه يهودية، وهناك تم إقناعه بالعمل جاسوساً لمصر داخل إسرائيل باسم جديد ودين، فيما وافق حيث حسبها إما أن يتم سجنه بتهمة باطلة ولكن لا دليل على بطلانها وإما العمل لخدمة بلد.
وانتهى رفعت الجمال رسمياً وظهرت الشخصية الجديدة له في اسم جاك بيتون المولود في 23 اغسطس 1919 من أب فرنسي وأم إيطالية وديانته يهودي اشكنازي وصار له جواز سفر إسرائيلي صادر من تل أبيب برقم 146742، وانتقل للعيش في حي بالإسكندرية يسكنه الطائفة اليهودية وحصل على وظيفة مرموقة في إحدى شركات التأمين وانخرط في هذا الوسط وتعايش معهم حتى أصبح واحدا منهم وصار أحد نجوم المجتمع الإسرائيلي يجلس مع موشيه ديان وشارون وغيرهم.
كانت جهود رأفت الهجان في عصر عبد الناصر قوية وفى منتهى الأهمية نظراً لأنه شهد ثلاث حروب – 56 , 67 , الاستنزاف – بالإضافة لمراقبته للشأن السياسي الإسرائيلي والتبعية الإسرائيلية لأمريكا، غير أن النظام الناصري لم يلتفت للمعلومات التي قدمها الهجان له.
وفي سنة 1956 أبلغ الهجان النظام بالحرب عقب تأميم عبد الناصر للقناة، غير أن تلك المعلومات لم تلق اهتماماً لائقاً نظراً لقلة خبرة الجيش المصري بعد انقلاب يوليو العسكري، ولذا فلم يكن النصر العسكري حليفاً لمصر وإنما كان نصراً سياسياً بالدرجة الأولى سببه بسالة اهالى بور سعيد بالإضافة إلى إدراك قيمة رأفت الهجان ولكن كان هذا في وقت متأخر.
ويتكرر نفس الأمر في هزيمة سنة 1967 ويبلغهم الهجان بالموعد التقريبي المؤكد غير أن حاشية عبد الناصر لم تلتفت لهذا الأمر، وهنا لا يدان عبد الناصر وحده برغم أنه كان يوافق رأى الهجان، ولكن يُدان عبد الناصر لأنه سمح لنفسه أن يتعامل مع عبد الحكيم عامر كصديق وليس كمسؤلا عن الجيش.
كان الهجان كان قد تدرب نفسياً بعد النكسة وذلك في فترة قضية انحراف جهاز المخابرات والتي كان المتهم الأول فيها صلاح نصر وذلك بعد تجنيد الفنانات للتجسس على رجال عبد الناصر لصالح عبد الحكيم عامر.
كما كان له دوره بعد النكسة وساهم بمعلوماته في مساعدة القوات المسلحة بمعلومات غزيرة في الشق العسكري الخاص بإسرائيل بالإضافة للشق السياسي والذي ساعد كثيراً في مبادرة روجرز.
ولا يُنسى أنه أمد المخابرات المصرية بمعلومات عن الجاسوس الإسرائيلي أيلي كوهين والموجود داخل سوريا، عن طريق المصادفة حيث قد وُجدت صورته عند فتاه إسرائيليه فسألها من هذا فأجابته زوج أختي وفي نفس الليلة وصلت رسالة من تل أبيب إلى المخابرات المصرية، لتقوم المخابرات المصرية بإبلاغ السلطات السورية ويتم القبض وعليه وإعدامه سنة 1965، ويموت عبد الناصر سنة 1970 ويتولى السادات زمام الأمور، ولعل السادات كان زكياً حين أبعد السياسة عن الجيش، فما تسبب في النكسة سوى أن تدخلت المصالح والسياسة في الجيش.
والحقيقة أن السادات كان لا يقبل التفاوض في فكرة الزج بالسياسة في الجيش وكان السادات في هذا الأمر لا يعرف الرحمة، فقام بحركة 15 مايو سنة 1971 والمعروفة بالقضاء على مراكز القوى، والتي أدت إلى إقالة محمد فوزي وزير الدفاع وتعيين الفريق صادق، ثم أطاح به السادات بعد أن انضم صادق لجبهة إنقاذ مصر المناهضة للسادات.
وقام قبلها بأيام بإطلاق مبادرة لتثبيت دعائم مصر ناهيك عن وضعه بالتنسيق مع المخابرات وقيادات الجيش، وتكثر عمليات الجاسوسية المتبادلة بين مصر وإسرائيل، ينجح عمرو مصطفى طلبة وينتصر جمعة الشوان ومن قبلهما رأفت الهجان في إنجاح عملية الحرب وبالتوازي تنجح المخابرات في إعدام هبة سليم، ويعود الهجان إلى مصر عقب الحرب، ويؤسس شركة آجيبتكو، وأعطى أنور السادات تعليماته لوزير البترول بأن يهتم به وكان اسمه جاك بيتون.
وشدد السادات وقتها على أهمية مساعدته وتقديم كل العون له، فلم تجد وزارة النفط سوى بئر مليحة المهجور لتقدمه له بعد أن تركته شركة فيليبس، لعدم جدواه. ورفضت هيئة البترول السماح له بنقل البترول من البئر في الصحراء الغربية إلى داخل البلاد بالتنكات.
وأصرّت علي نقله بأنابيب النفط، وهو ما لم يتمكن رفعت الجمال من توفيره ماديا، فلجأ مرة أخرى إلى السادات الذي كرر تعليماته بمساعدته وتقديم كل العون له. لكن أحدًا لم يهتم به، فساءت حالة شركته، وتصرفت فيها زوجته فالتراود بيتون بعد أن مات في 30 يناير عام 1980 في ألمانيا ويدفن بها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*