الرئيسية » رموز وشخصيات » “عبدالحميد الثاني” حين يكون المستبد بطلاً لن يذكره التاريخ إلا بخير
عبدالحميد الثاني
عبدالحميد الثاني

“عبدالحميد الثاني” حين يكون المستبد بطلاً لن يذكره التاريخ إلا بخير

كتب ـ وسيم عفيفي

يعتبر السلطان عبدالحميد الثاني هو أحد النماذج الواضحة للحكام الذين ظلمهم التاريخ رغم استبدادهم ، فحين يكون المستبد سبباً في ضياع أمته ودولته فذلك أمر منطقي ، غير أن مع السلطان عبدالحميد الثاني كان استبداده عادلاً ولذا فلم يذكره المؤرخون إلا بإنصاف غير مجحف لعصره الذي بدأ منذ العام 1876 حتى العام 1909 م .
كانت ظروف الدولة العثمانية إبان تولي عبدالحميد الثاني سلطنتها ، بالغة الحرج .
فالمؤامرت تسري كالسرطان في جسد البلاط و الدولة ، فضلاً عن المنظمات السياسية الدموية التي تنتهج ضرب ما بقي من استقرار ؛ ناهيك عن قيام مشروعات استعمارية تريد أخذ أجزاءٍ من الدولة الفارغة خزينتها نتيجة الديون .
ومع كل هذا تمكن عبدالحميد من الثاني من مد سطوته وقوته بالارتكان على مبدأ الجامعة الإسلامية ، التي جعلته يحقق إنجازاتٍ واسعة .

ـ الاستبداد الحميدي .. لماذا كان و أسباب إيجابية النتائج

عبدالحميد الثاني

عبدالحميد الثاني

اتهم عبدالحميد الثاني بالعمل على ترسيخ مفهوم الحكم الاستبدادي دون الديكتاتوري
فمن جهة تبنى فكرة الجامعة الإسلامية مع تقريب رموز الفكر السياسي له ، ومن جهة أخرى
حكم الدولة العثمانية بنظام الحكم الفردي الأوتوقراطي .
وليس أدل من ذلك سوى أنه أسس جهاز مخابرات سري منظم يعلم السلطان بما يجري من أحداث داخلية في البلاد ، ويعمل على اكتشاف المؤامرات ، فضلاً عن مراقبته للمطبوعات .
كما قام بتعطل دستور 1876 م وحل مجلس النواب والإبقاء على مجلس الأعيان ، و بالتوازي مع ذلك أعمل الإصلاح في مجالات التعليم و الإدارة وتقسيم الولايات وترسيخ مفهوم الكفاءة في العمل الإداري لدى الدولة العثمانية .
كما شملت إصلاحات عبدالحميد الثاني كل من الجيش و الزراعة والصناعة والتجارة والمواصلات فضلاً عن رعايته للمؤسسات الدينية .

ـ الجامعة الإسلامية بين صوفية تركيا و مثقفي الغرب

 

عبدالحميد الثاني

عبدالحميد الثاني

كانت فكرة الجامعة الإسلامية التي هي من إرث تراث جمال الدين الأفغاني بدت في الازدهار مع انتشار الصحافة ، فتبنى السلطان عبدالحميد الثاني تلك الفكرة من باب إحياء الخلافة الإسلامية وتثبيت حكمه ضد الحركات المعارضة له والتي تأثرت بالأفكار الغربية .
وأسفرت تلك الفكرة عن إنشاء خط حديد الحجاز ، بالإضافة لرفضه للمشروع الصهيوني
ومن هنا دعت الطرق الصوفية الى إعطاء مسحة مقدسة للسلطان فهو في نظرهم شخصية دينية جليلة لا يجوز أن تطالها يد النقد والتجريح، وهو رمز لوحدة المسلمين، وعزتهم وفخرهم، وحامي الشريعة الإسلامية ، والقيم على تنفيذها.
وحاول السلطان عبد الحميد من أن يستفيد من هذه الفئات من المتنورين من جهة والصوفية من جهة ثانية لصالح تمتين حكمه، لقد كانت سياسة محنكة حاولت جمع المتناقضات داخل العالم الاسلامي ووضعها في خدمة السلطان.
وارتأى عبدالحميد في ذلك أن الأمل الوحيد في خلاص الدولة العثمانية يكمن في وحدة المسلمين، وتوثيق الصلة بينه وبين كافة المسلمين من خارج الأناضول ليقفوا صفًا واحدًا في مواجهة الاستعمار العالمي معتمدًا في ذلك على صفة الخلافة التي كان يحملها، ولذلك سميت هذه السياسة بسياسة الوحدة الإسلامية التي أعادت للخلافة، حسب الكاتب، طابع العالمية بعد أن كانت مجردة من ثقلها السياسي أعوامًا طويلة.
واستطاع السلطان عبد الحميد استطاع إنشاء علاقات مع المسلمين في البلاد الخاضعة لحكم الدول الغربية وحقق نجاحًا، ولو معنويًا، بربطهم بمركز الخلافة، وأضحى له ممثلون في جميع القبائل، بما فيهم البدو الذين كانوا أشد الناس تمردًا على النظام.
وكان أتباع السلطان عبد الحميد من طريقة “الشاذلية المدنية” هم الذين يقومون بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية في شمال افريقيا.

ـ موقف السلطان عبدالحميد الثاني من أحمد عرابي

عبدالحميد الثاني - أحمد عرابي

عبدالحميد الثاني – أحمد عرابي

تبرز على الساحة التاريخية فيما يتعلق بـ الثورة العرابية ، إحدى أهم القضايا إثارة للجدل وهو موقف السلطان عبدالحميد من الثورة العرابية نفسها ، وهو موقف متناقض مع شخصية عبدالحميد الثاني نفسه .
وضع مصر مع الدولة العثمانية كانت منتهياً منذ عهد الباشا محمد علي ، وازداد هذا الأمر بخلفاء الخليفة العثماني عبدالمجيد الأول ، وورثة عرش محمد علي نفسه ولعب الإنجليز دوراً في ذلك من عند الطرفين .
ومع وصول عبدالحميد الثاني لسدة الخلافة العثمانية ، نشأت في مصر حركات وطنية فكرية تقاوم الانجليز الذين بدأوا يتوغلوا في الشأن المصري نتيجة للديون ، ولم يكن الجيش المصري طرفاً في هذا الصراع .

الخديوي توفيق

الخديوي توفيق

ولما وصل الخديوي توفيق للحكم بدأ الجيش في التدخل رسمياً بدخول الثورة عن طريق أحمد عرابي ، وكان السلطان عبدالحميد داعماً لها عبر إرسال وفقد لاستطلاع الأحوال واللقاء مع ممثلي الثورة العرابية ” البارودي وزير الحربية في حكومة الثورة والزعامات الشعبية كشيخ الأزهر ونقيب الأشراف وشيخ المالكية وغيرهم
فبدورهما أرسلت بريطانيا وفرنسا سفينتان حربيتان في مظاهرة عسكرية أمام الإسكندرية وأعلنتا أنهما لن تنصرفا إلا بانصراف الوفد العثماني الذي يمثل تدخلا في الشؤون المصرية

الخديوي توفيق - أحمد عرابي

الخديوي توفيق – أحمد عرابي

ولما زاد نفوذ عرابي وفق ما ذكره محمود الخفيف في العلاقة بين عبدالحميد وعرابي ، زاد عبد الحميد في دعم عرابي عن طريق منحه رتبة أمير لواء والباشوية، والوسام الحميدي من الطبقة الأولى، ومانع ما استطاع في عقد مؤتمر الدول الأجنبية للبحث في شأن المسألة المصرية، وسعى في إقناع من استطاع من الدول بأن الأمر لا يستدعي عقد مؤتمر، ثم لما تبين أن إنجلترا عازمة جعل عقد المؤتمر في الآستانة ليكون على علم به ولئلا تنفرد بريطانيا بالقرار، كذلك ماطل عبد الحميد مع القوى الأوروبية التي كانت تضغط عليه لإعلان عصيان عرابي وإرسال قوة عثمانية لدعم سلطة الخديوي، وكانت بينه وبين عرابي خطوط اتصال سرية ورسائل وموفدين تدعمه وتؤيده، وبلغ الأمر من وجوه الدعم حدَّ أن السلطان عبد الحميد حرضهم على خلع توفيق وإنهاء حكم الأسرة العلوية .
فجاء في إحدى رسائله “لا أهمية فيمن يكون خديو مصر، ويجب أن تكون أفكار والي مصر ومقاصده وسيرته خالصة من الشوائب، بحيث إن جميع حركاته تكون متجهة لصيانة مستقبل مصر ولتوطيد عرى العلاقات الوثيقة مع عرش الخلافة” ، ففعل عبد الحميد كل ما وسعه دبلوماسيا لمنع تدخل الأجانب في مصر، وإنقاذها مما كانت فيه من النفوذ الأجنبي.

أحمد عرابي

أحمد عرابي

وعلى الجهة الأخرى تمسك عرابي بمساندة عبد الحميد الثاني، وأعلن أنه يطلب الإصلاح “باسم الذات الشاهانية”، وأنه يصدر عن أوامر السلطان وتوجيهه، وأنه مقيم على طاعته ومنتمٍ إليه، ولما انحاز الخديوي توفيق صراحة إلى الإنجليز خلعه قادة الثورة فأعلنوا عزله بانحيازه للإنجليز، وصار عرابي الممثل للسلطان العثماني في مصر.
ولا يصدق عرابي أن السلطان عبد الحميد هو الذي أصدر بيان العصيان، فهو يقول في تقرير كتبه قُبيْل المحاكمة “لم يستنكر السلطان أبدًا ما فعلنا، لا في أثناء تلك المفاوضات ولا فيما بعدها حتى وقتنا هذا، بل إن السلطان أيّد أفعالنا بالقول وبالعمل”، وهو يتهم الصدر الأعظم (رئيس الوزراء في الدولة العثمانية) بأنه كاتب منشور العصيان هذا –وليس السلطان عبد الحميد- بضغط من الإنجليز الذين أرادوا تهدئة المسلمين في الهند ومنعهم من استغلال الأحداث في ثورة.
وكان أحمد عرابي أشد تفهما لموقف السلطان عبد الحميد الثاني ، فهو يقول في مذكراته بأن السلطان كان مضطرا “إلى إصدارها مراعاة لظروف الأحوال، والخوف من ظهور المسألة الشرقية في مظهر يصعب استدراكه ويعز تلافيه”
ظهر منشور العصيان يوم 6 سبتمبر 1882م  أي قبل الهزيمة الفعلية في التل الكبير بستة أيام فقط، وقبل احتلال القاهرة بأسبوع واحد، وبعد ضرب الإسكندرية بشهرين

خبر وفاة اللورد كرومر

خبر وفاة اللورد كرومر

والتحليل لذلك كما حلل اللورد كرومر في مذكراته مصر الجديدة ، أن السلطان عبد الحمي أراد د أن لا يكون في معسكر المهزومين بل في معسكر المنتصرين ليكون له مكان في مستقبل مصر والمسألة المصرية، إلا أن تقديره كان خاطئا وإن كان له وجه من النظر، خصوصا وأن الإنجليز دخلوا مصر وهم يعلنون أنهم إنما قدموا لحماية الأجانب وإعادة سلطان الخديوي مع الإقرار الكامل بشرعية السلطان العثماني.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*