الرئيسية » رموز وشخصيات » “الحكيم داوود” عملاق الطب في الإسلام والعالم الذي كان يوما ما مُقعدا
الحكيم داود
الحكيم داود

“الحكيم داوود” عملاق الطب في الإسلام والعالم الذي كان يوما ما مُقعدا

كتب – وسيم عفيفي
جاء في المختار المصون من أعلام القرون ، للدكتور محمد موسى الشريف ، أن الحكيم داوود بن عمر البصير الأنطاكي ، نزيل القاهرة الحكيم الطبيب المشهور رأس الأطباء في زمانه وشيخ العلوم الحِكمية وأعجوبة الدهر ، تحول من مريض مقعد إلى أن صار رأس أطباء زمانه .
ذكره أبو المعالي الطالوي في (سانحاته) وأطال في توصيفه ثم قال :
وقد سألته عن مسقط رأسه فأخبر أنه ولد بأنطاكية ، قال : ثم إني بلغت من السن عدد سيارة النجوم وأنا لا أقدر على أن أنهض ولا أقوم لعارض ريح ، تحكم في الأعصاب منع قوائمي من حركة الانتصاب . وكان والدي رئيس قرية سيدي حبيب النجار فاتخذ قرب مزار سيدي حبيب رباطاً للواردين ، وبنى فيه حجرات للفقراء والمجاورين ورتب لها في كل صباح من الطعام ما يحمله إليها بعض الخدام ، وكنت أحمل في كل يوم إلى صحن الرباط فأقيم فيه سحابة يومي ويعاد بي إلى منزل والدي عند نومي ، وكنت إذ ذاك قد حفظت القرآن ولقنت مقدمات تثقيف اللسان ، وأنا لا أفتر في تلك الحال عن مناجاة قيم العالم في سري ومبدع الكل فيما إليه تؤول عاقبة أمري، فبينما أنا كذلك إذا برجل جاء من أقصى المدينة يسعى كأنه ينشد ضالة أو أضل المسعى فنزل من الرباط بساحته فإذا هو من أفاضل العجم ذو قدر منيف ، يدعى بمحمد شريف ، فبعد أن ألقى فيه عصا التسيار وكان لا يألف منزلاً كالقمر السيار استأذنه بعض المجاورين في القراءة عليه وابتدأ في بعض العلوم الإلهية، فكنت أسابقه إليه ، فلما رأى ما رأى مني استخبر ممن هنالك عني فأجبته ولم يك غير الدمع سائلاً ومجيباً ، فعند ذلك اصطنع لي دهناً مسدني به في حر الشمس ولفني بلفافة من فرقي [ أي : من مقدمة رأسي ] إلى قدمي حتى كدت أفقد الحس، وتكرر منه ذلك مراراً ، فمشت الحرارة الغريزية في كالحميا في المفاصل ، فبعدها شد من وثاقي ، وفصدني من عضدي وساقي ، فقمت بقدرة الواحد الأحد بنفسي لا بمعونة أحد ، ودخلت المنزل على والدي فلم يتمالك سروراً وانقلب إلى أهله فرحاً مسروراً ، فضمني إلى صدره وسألني عن حالي فحدثته بحقيقة ما جرى لي ، فمشى من وقته إلى الأستاذ ودخل حجرته وشكر سعيه وأجزل عطيته ، فقبل منه شكره واستعفاه بره وقال : إنما فعلت ذلك لما رأيت فيه من الهيئة الاستعدادية لقبول ما يلقى إليه من العلوم الحقيقية ، فابتدأت عليه بقراءة المنطق ثم أتبعته بالرياضي ، فلما تم شرعت في الطبيعي فلما أكملت اشرأبت نفسي لتعلم اللغة الفارسية ، فقال : يا بني إنها سهلة لكل أحد ولكني أفيدكم اللغة اليونانية فإني لا أعلم الآن على وجه الأرض من يعرفها أحداً غيري ، فأخذتها عنه وأنا بحمد الله الآن فيها كهو إذ ذاك ، ثم ما برح أن سار كالبدر يطوي المنازل لدياره ، وانقطعت عني بعد ذلك سيارة أخباره.
ثم جرت الأقدار بما جرت وخلت الديار من أهلها وأقفرت بتنكرها علي لانتقال والدي، فكان ذلك داعية المهاجرة لديار مصر والقاهرة فخرجت عن الوطن في رفقة كرام ، نؤم بعض المدن من سواحل الشام إلى أن دخلت حمى دمشق المحمية فاجتمعت ببعض علمائها من مشايخ الإسلام ، ثم لم ألبث أن هبطت مصر هبوط آدم من الجنة لما وجدتها كما قال أبو الطيب ملاعب جنة ، وأنا المعني فيها بقوله :
ولكن الفتى العربي فيها *** غريب الوجه واليد واللسان
وكان إذ سئل عن شيء من الفنون الحكمية والطبيعية والرياضية أملى السائل في ذلك ما يبلغ الكراسة والكراستين ، كما هو مشهور مثل ذلك عن الشيخ الرئيس أبي علي بن الحسين ، فمن ذلك ما شاهدته وقد سأله رجل عن حقيقة النفس الإنسانية فأملى على السائل رسالة عظيمة في ذلك عرضها عليه ، وله من التآليف والرسائل ما هو بأيدي الناس مألوف ، وعند أربابه من الفضلاء معروف ، فمن ذلك الكتاب الذي صنفه وسماه (بتذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب) جمع فيها الطب والحكمة وهي بأيدي الناس شهيرة ثم اختصرها لقصور الهمم في مجلد ، (والدرة المنتخبة فيما صح من الأدوية المجربة)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*