تقرأ في هذا التقرير «أزمة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري وصاروخان بسبب مشيخة الأزهر، مجلة آخر ساعة تتخذ العداء، قصص وشرح رسومات صاروخان»
كتب | وسيم عفيفي
تزامن ظهور مجلة آخر ساعة مع أزمة عاصفة شهدتها مشيخة الأزهر زمن الشيخ محمد الأحمدي الظواهري ولم يكد يصدر عدد من المجلة بدايةً من يوم 17 يوليو 1934م، إلا وكان الشيخ الظواهري في مرمى نيران المجلة من خلال رسام الكاريكاتير ألكسندر صاروخان.
أزمة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري في منصبه
في أكتوبر من العام 1929م أعلن الشيخ محمد مصطفى المراغي استقالته من مشيخة الأزهر وذلك بسبب تأخر الملك فؤاد الأول عن اعتماد قانون الأزهر الذي رآه المراغي، فضلاً عن تدخل القصر الملكي في شئون الأزهر؛ وتم تعيين الشيخ محمد الأحمدي الظواهري بدلاً منه.
حكى الشيخ عبدالمتعال الصعيدي عن الشيخ الأحمدي والذي كان أستاذًا له وقال «كان الشيخ الأحمدي الظواهري يرفض البحث في عبارات المتون والشروح ولم يكن يعتمد على الحواشي والتقارير، بل كان يعتمد على عقله ورأيه ويهتم باللب دون القشور في درسه، ولما تولى الشيخ الأحمدي المنصب بدأت الآمال تتعلق عليه لأنه كان مصلحًا مثل المراغي».[1]
كان الشيخ المراغي مكروهًا من رافضي التجديد فأراد الظواهري أن يسالمهم لكنهم أيضًا كرهوه لأنه كان يريد إصلاحًا ورفضوه، فضلاً عن علاقة الشيخ الظواهري بالملك فؤاد، وتزامن كل ذلك مع وجود وزارة كانت مكروهة من المصريين وهي وزارات إسماعيل صدقي وعبدالفتاح يحيى ومحمد توفيق نسيم؛ وكثر معارضي الشيخ الأحمدي الظواهري فثارت ثائرة الأزهريين المؤيدين للشيخ محمد المراغي ففصل منهم 70 عالمًا من وظائفهم كان من بينهم غضب الحكومة عليهم.
اقرأ أيضًا
«شيخ الأزهر أعلن رفضه» حكاية طلب إلغاء تدريس العلوم الحديثة في شهر رمضان
إلى جانب ذلك كانت هناك أزمة مالية ضربت أرجاء الأزهر، فخريجيه لم يكن لهم وظائف في المعاهد الدينية وغيرها وأعلن الشيخ الظواهري رسميًا أن الأزهر أفلس إفلاسًا أبديًا وأصدر قرار بإغلاق الأزهر وتعطيل دروسه في كافة معاهد المملكة المصرية.[2]
كل هذه الظروف السياسية والاقتصادية في عام 1934م أججت غضب الأزهريين وجمهور من الشعب المصري دفعت الشيخ الأحمدي الظواهري للاستقالة سنة 1935م.
كيف دخل صاروخان على خط الأزمة ؟
طوال عام 1934م كانت مجلة آخر ساعة من خلال رسام الكاريكاتير صاروخان تشن حملة شعواء ضد الشيخ الظواهري من خلال رسومات وأبيات زجلية كانت شديدة وعنيفة[3]، ونستعرض تفاصيلها.
كانت أولى رسمة كاريكاتيرية من آخر ساعة ضد الشيخ الظواهري في العدد الثاني من أعداد المجلة وقد اتهمت الرسمة الشيخ الظواهري بأنه على علاقة مع المندوب السامي البريطاني، مايلز لامبسون؛ رغم أن العداء بين الرجلين معروف.
وتواصل التلميح حول علاقة الظواهري بالإنجليز عبر كاريكاتير ساخر في عدد4 يوم 5 أغسطس 1934م، وألمح صاروخان إلى أن الأزهر يتلقى تعليمات من الإنجليز.
لم تغفل مجلة آخر ساعة أيضًا قرار الشيخ الأحمدي الظواهري إرسال بعثة أزهرية إلى البلاد غير المسلمة للدعوة، إذ رسم صاروخان في العدد 7 من مجلة آخر ساعة يوم 26 أغسطس 1934م السخرية من قراره ونظم صاروخان أبياتًا شعرية حوارية متخيلة بين الظواهري وعبدالفتاح باشا يحيى رئيس الوزراء.
وفي 2 سبتمبر سنة 1934م ومن خلال العدد الثامن رسم صاروخان أن سيارة شيخ الأزهر اصطدمت بشخصية دبلوماسية من رومانيا وأرادت القصة المتخيلة إظهار رضوخ شيخ الأزهر للأجانب.
ومع العدد 15 بتاريخ 21 أكتوبر 1934م كتبت مجلة آخر ساعة بين صورتين للمراغي والظواهري أن الأخير يعاني من أزمة صحية وأن المراغي سيعود لمنصبه.
وبعد أسبوع كتبت مجلة آخر على صفحة «خطابات مفتوحة إلى العظماء والصعاليك» في عدد 28 أكتوبر 1934م وخلاصة الخطاب الساخر أن الظواهري اشتكى المجلة إلى النيابة العامة وذلك بسبب حادث السيارة، وأرادت إحراجه من خلال اتهامه بأنه متقاعس في الدعاء للملك فؤاد من أزمته الصحية.
أما العدد 20 من مجلة آخر ساعة في 25 نوفمبر 1934م رسم صاروخان صورة لشيخ الأزهر وهو يقبل يد عبدالعزيز محمد كتهنئة له لتعيينة وزيرًا الأوقاف، مع خبر ساخر يدعو الظواهري للاستقالة وذلك بسبب ظروفه الصحية.
وفي العدد التالي يوم 2 ديسمبر 1934م وتزامنًا مع تعيين محمد نسيم باشا رئيسًا للحكومة، رسم صاروخان الشيخ الظواهري أمام رئيس الوزراء ويعلن تأييده له مع وصف من مثل مصري دارج يقول «اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي».
نشرت مجلة آخر ساعة قصة خيالية برسومات كاريكاتيرية للكلام عن ظلم تعرض له طالب مغربي في الأزهر، جنبًا إلى جنب مع تشنيع على نجل الشيخ الظواهري والذي كان يهوى الفن لكنه التحق بالأزهر، ورغم التحاقه به لم يمنعه ذلك من فن الرقص الذي يهواه.
أما العدد 23 والذي كان في 16 ديسمبر 1934م / 10 رمضان 1353هـ كان به رسمة أقسى، إذ رسم صاروخان شيخ الأزهر كأفعى لا يستطيع رئيس الوزراء القضاء عليها، بينما يحثه المصري أفندي وهي شخصية صاروخان الكاريكاتيرية على أن يضرب الثعابين وأصحابهم في إشارة لعلاقة تلك الشخصيات بالإبراشي باشا ناظر الخاصة الملكية، وصدقي باشا رئيس الوزراء الأسبق.
وفي العدد 24 من مجلة آخر ساعة في 23 ديسمبر 1934م / 17 رمضان 1353هـ، كان هناك رسمةً كاريكاتيرية أخرى شديدة وهي رسمة للمصري أفندي مع جون بول الجغرافي الإنجليزي وهو يقول للمصري أفندي أن المصريين لا يستطيعون إخراج واحد من الأزهر بينما يريدون إخراج الاحتلال من مصر، ليصف المصري أفندي وجود الظواهري بأنه أقوى من احتلال الانجليز.
كان العدد 24 هو الاعنف في حملة آخر ساعة على الشيخ محمد الأحمدي الظواهري ففيه أيضًا نشر صاروخان أبيات زجلية بعد 40 يومًا من سقوط وزارة عبدالفتاح باشا يحيى وكان من ضمنهم الشيخ الظواهري، ثم صورة لشيخ الأزهر وأحد الأزهريين يلقي عليه أحجارًا ليطرده مع وصف أذل الحرص أعناق الرجال.
وفي عدد 25 من مجلة آخر ساعة يوم 30 ديسمبر 1934م / 24 رمضان 1353هـ، نشر صاروخان صورة لشيخ الأزهر وهو يُضْرَب بالطوب مع أبيات زجلية فيها دعاء ليل القدر بأن يتم طرده.
احتوى العدد 26 من آخر ساعة يوم 6 يناير 1935م على 3 رسومات كاريكاتيرية من ضمنها الغلاف، فعلى الغلاف رسم صاروخان الإبراشي باشا ناظر الخاصة الملكية مع الشيخ الظواهري وهما يقولان لنسيم باشا تهنئة العيد، وأن الخير الذين يتمنياه له مقرونًا بأن يكونا هما بخير في مناصبهما أيضًا.
وثاني الرسومات في نفس العدد ما رسمه صاروخان من كاريكاتير لمحمد نسيم باشا في رفع أثقال وحوله المشجعين وكان الثقل الذي أمامه هو الإبراشي باشا والظواهري شيخ الأزهر.
إلى جانب الرسمتين هناك رسمة أخرى لصاروخان فيها هدايا العيد وصيغت بطريقة زجلية، وظهر الشيخ الظواهري أنه يحمل وجهين ولا خجل عنده.
وفي العدد 27 يوم 13 يناير 1935م وصف صاروخان من خلال كاريكاتير شخصية الظواهري بأنه تِلِم ولن يترك منصبه وذلك لأن التلامة هبة !
لم يتوقف العدد 27 عند حد رسمة الشيخ الظواهري وهو يصف نفسه بالتلامة، بس نُشِر خطاب له به كلمات قاسية لتمسكه بمنصبه وتشبيهه بأنه أبو الهول.
وفي عدد 28 من مجلة آخر ساعة يوم 20 يناير 1935م رسم صاروخان رسمة بين الإبراشي باشا ناظر الخاصة الملكية والظواهري، وأبدى الظواهري قلقًا من إقالته إذ تمكن الاستعمار من إقناع الحكومة بضرورة إقالة شيخ الأزهر.
ومع وقوع المظاهرات الأزهرية ضد الشيخ الظواهري شنت مجلة آخر ساعة هجومًا عبر صاروخان بدايةً من العدد 28، فأظهر مظاهرات بهتافات من أبيات زجلية، مع الشيخ الظواهري وهو يلتهم الطعام.
ومع تغيير الإبراشي باشا ناظر الخاصة الملكية، وبعده حسن بك رفعت إقالة وزير الداخلية، تعالت رسومات صاروخان المطالبة بعزل شيخ الأزهر الظواهري من منصبه، وذلك خلال العددين 29 في 28 يناير 1935م والعدد 31 من المجلة بتاريخ 10 فبراير من نفس العام.
وتواصلت حملات آخر ساعة لترصد مظاهرات الطلاب وفشلها في الأعداد 33 و34 و 35 وإظهار كيف أدت الصلة بين الظواهري والإبراشي باشا لفشلها.
وأراد صاروخان في العدد 38 يوم 31 مارس 1935م إظهار العلاقة بين الإبراشي ناظر الخاصة الملكية والظواهري، فأظهر صاروخان أن الظواهري يصلي لله شكرًا ويضع صورة زكي الإبراشي وكأنه الإله الذي أنقذه.
أما في العدد 41 من مجلة آخر ساعة يوم 21 إبريل 1935م وبعد أن قام الظواهري بالتعطيل الدراسي في الأزهر أظهر صاروخان متانة العلاقة بين الإبراشي باشا والظواهري ومدى تحكم ناظر الخاصة الملكية في قرارات الحكومة.
استقال الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من منصبه كشيخ للأزهر في 26 إبريل 1935م، وفي اليوم التالي صدر الأمر الملكي رقم 43 والذي قبل الاستقالة لأسباب صحية.
ولم تفوت مجلة آخر ساعة في عدد 42 يوم 28 إبريل 1935م الحدث فأظهرت الظواهري مع الإبراشي وكأنهما تيران يجران موكب رئيس الوزراء نسيم باشا.
وختمت مجلة آخر ساعة حملتها على الشيخ الظواهري في العدد 43 يوم 5 مايو 1935م بإظهار صورة للشيخ الظواهري وهو يبكي ويهدي صورته لمجلة آخر ساعة
——————————————————————
[1] عبدالمتعال الصعيدي، تاريخ الإصلاح في الأزهر وصفحات من الجهاد في الإصلاح، ط/1، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1362هـ / 1943م، ص119-121.
[2] محمد حسين النجار، الأزهر بين عهدين .. عهد الشيخ المراغي وعهد الشيخ الأحمدي، ط/1، المدرسة الإسلامية، أسيوط، 1354هـ / 1935م، ص5.
[3] ألكسندر صاروخان، مجلة آخر ساعة، بدءًا من عدد 1 يوم 15 يوليو 1935م، حتى عدد 47 يوم 2 يونيو 1935م.