«كرنفال ديني مجهول» تاريخ مجالس قراءة صحيح البخاري في رمضان داخل مصر

تقرأ في هذا التقرير «ما هو تاريخ مجالس قراءة صحيح البخاري في رمضان ؟، من هو صاحب الفكرة ؟، تفاصيل المجالس بالإيجابيات والسلبيات»

كتب | وسيم عفيفي

اكتسب كتاب الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه، والذي صار اسمه الأشهر صحيح البخاري، مكانةً كبيرة بين المسلمين علميًا ودينيًا، لكن لذلك الكتاب جانب من تاريخ الاحتفالات الرمضانية.

تاريخ مجالس قراءة صحيح البخاري في رمضان

من مخطوطات الجامع الصحيح

تقوم فكرة مجالس قراءة صحيح البخاري في رمضان على تلاوة أحاديث الجامع المسند الصحيح مرتبة خلال شهر أو اثنين، وكانت عادةً في العالم الإسلامي بدأها المماليك عبر مصر.

كان صاحب فكرة مجالس قراءة صحيح البخاري هو السلطان الأشرف زين الدين شعبان، وبدأ تاريخ مجالس قراءة صحيح البخاري في رمضان سنة 775 هجريًا، الموافق 1373 ميلاديًا وانعقد في قلعة الجبل، بحضور قاضي القضاة الشافعي وعدد من العلماء، وقد أنهوا المجالس في 27 رمضان.

مع عهد المؤيد شيخ تغيرت مواعيد مجالس القراءة فكانت تبدأ من أول شعبان حتى 27 رمضان، وفي سنة 1438 م تقرر أن تبدأ في شهر رجب، ثم عادت بعد 30 سنة إلى شهر شعبان وتأرجحت المواعيد بعد ذلك بين رجب وشعبان، مثل تغير الأماكن بمرور الزمن، فكانت المجالس تنعقد إما في قصر السلطان أو جامع القلعة أو الأزهر الشريف، وكان ختام المجالس  تشهد صرفًا للأموال حيث توزع على الحضور وأحيانًا كانت تعطى الملابس الفاخرة من الصوف والفرو للشيخ القارئ.

أشهر قراء مجالس صحيح البخاري

الأزهر الشريف – رسومات المستشرقين

أحصى محمد جمال حامد نعمة الله الشوربجي في دراسته عن صحيح البخاري في العصر المملوكي أسماء أبرز المعينين بتلاوة الجامع المسند خلال شهر الصيام، ففي رمضان 775 هـ/ 1373 م كانا شهاب الدين أحمد بن العرياني وزين الدين العراقي، وفي رمضان 821 هـ/ 1418 م كانا الشيخ شمس الدين الحبتي، الشهاب أحمد بن عثمان العامري الحنفي، وفي رمضان 827 هـ/ 1423 مـ كانا نور الدين السويفي إمام الملك الأشرف، ثم استقر عوضا عنه برهان الدين البقاعي في رجب 842 هـ/ 1438 م، ثم عين مكانه الجلال بن الأمانة سنة 851 هـ/ 1447 م

وبعد جيل بن الأمانة جاء مكانه ابن المجبر في سنة 852 هـ/1448 م ثم ولي الدين الأسيوطي وشهاب شهاب الدين المقرئ سنة 872 هـ/1467 م وبعده برهان الدين الكركي سنة 885/1480 م، وفي رمضان 886 هـ/1481 تولى القراءة شهاب الدين الأميوطي السكندري وجمال الدين الكركي، وبعدهما محب الدين محمد الحجازي.

سعى البعض ممن لا دراية لهم بعلم الحديث إلى توفي هذه الوظيفة مثل شمس الدين الهروي سنة 821 هـ/ 1418 م وقد اختلق لنفسه إسنادًا ليقرأ به وأرسل إلى شمس الدين الحبتي فتناوله وعرف أنه مختلق وجامله وسمح له بالقراءة ثم حدث للهروي مشكلات بسبب القراءة.

طبيعة مجالس قراءة صحيح البخاري في رمضان وتأثيرها

من مخطوط البخاري

كان حضور مجالس الاستماع لصحيح البخاري متنوعًا على مدار التاريخ، فقد جرت العادة زمن الأشرف شعبان أن يكون قاضي القضاة الشافعي وطائفة قليلة العدد يحضروا للمجلس، ثم اتسع الحضور في عهد السلطان المؤيد شيخ، حيث انضم القضاة الأربعة ومالا يقل عن 60 عالمًا وفقيهًا وكان المؤيد يصرف 60 ألف درهم، بينما أضاف الأشرف برسباي كاتب سره ونائبه وناظر الجيش للاستماع، وأحيانًا كان السلطان بنفسه يحضر.

رغم أهمية تاريخ مجالس قراءة صحيح البخاري في رمضان إلا أنها كانت حاضرةً في صناعة القرار السياسي أحيانًا، فالمؤرخ بن تغري بردي في كتاب النجوم الزاهرة يحكي أنه  في سنة 1437 م سأل السلطان القضاة والعلماء عن الذنوب التي ينزل بسببها الطاعون فأجابه أحدهم أنه إذا فشا الزنا بين الناس سلط الله عليهم الطاعون والداعي للزنا خروج النساء ليلا ونهارا فتعطلت التجارة في الأسواق.

إلى جانب البصمة السياسية والإنجازات العلمية فإن مجالس قراءة صحيح البخاري تعرضت لنقد شديد من المؤرخ تقي الدين المقريزي وذلك بسبب المناقشات التي تحدث أثناء المجالس والتي كان سببها الرئيسي الحقد على الشيخ القارئ من بعض المستمعين فيتحول النقاش إلى شجار.

صب المقريزي جام غضبه على تلك الخصلة فقال «وهذا المجلس منكر في صورة معروف ومعصية في ذي طاعة وذلك أنه يتصدى للقراءة من لا عهد له بممارسة العلم لكنه يصحح ما يقرأه فيكثر مع ذلك لحنه وخطأه وتحريفه، هذا ومن حضر لا ينصتون لسماعه بل دائمًا دأبهم البحث في مسألة يطول صياحهم فيها حتى يفضي بهم الحال إلى الإساءات التي تؤول إلى أشد العداوات وربما كفر بعضهم بعضا وصاروا ضحكة لمن عساه يحضرهم من الأمراء والمماليك».