الرئيسية » حكايات فنية » «الفنان محمد عبدالقدوس» حياة ابن الأزهري الذي أفطر أسرة منوفية بعد فجر رمضاني
الفنان الراحل محمد عبدالقدوس
الفنان الراحل محمد عبدالقدوس

«الفنان محمد عبدالقدوس» حياة ابن الأزهري الذي أفطر أسرة منوفية بعد فجر رمضاني

تقرأ في هذا التقرير «صدف رمضان في حياة الفنان محمد عبدالقدوس ونهايته، حكاية زيارته إلى المنوفية خلال رمضان، سيرة ومسيرة الفنان محمد عبدالقدوس»

كتب | وسيم عفيفي

اشتد المرض على الفنان محمد عبدالقدوس في نوفمبر 1969م / رمضان 1389هـ؛ بعد ان بدأ يدب في جسده عام 1964م.

نعي الفنان محمد عبدالقدوس على جريدة الأهرام

نعي الفنان محمد عبدالقدوس على جريدة الأهرام

ليرحل الفنان محمد عبدالقدوس عن الحياة بعد انتهاء رمضان مباشرةً، صبيحة عيد الفطر 1389هـ / 11 ديسمبر 1969م.

حكاية رمضانية في مسيرة الفنان محمد عبدالقدوس كشفتها الصحافة

محمد عبدالقدوس

محمد عبدالقدوس

أطلقت مجلة الكواكب على محمد عبدالقدوس في ثلاثينيات القرن الماضي لقب أفكه شخصية في مصر[1]، وذلك لكونه سريع البديهة في الكوميديا وإلقاء النكتة، وكذلك في مواقفه ومن ضمنها ما حدث في شهر رمضان.

بروفايل مجلة الكواكب عن محمد عبدالقدوس

بروفايل مجلة الكواكب عن محمد عبدالقدوس

استعرض محرر مجلة آخر ساعة صفات محمد عبدالقدوس في شهر رمضان فقال «صديقنا الظريف الأستاذ محمد عبدالقدوس الممثل المحبوب، ليس من الذين يطمعون في أن تكون لهم  زبيبة فوق الجبين انعقدت من كثرة الصلاة والسجود، ولا هو ممن بينهم وبين شهر رمضان علاقة اساسها التقدير المتبادل؛ ولكن عبد القدوس مع ذلك ينتظر في كل عام شهر رمضان بفارغ الصبر  أو على الأصح بفارغ العين لأن عجائب الدنيا السبع لا تبدأ عند عبد القدوس بالأهرام، بل تبدأ بالكنافة والقطايف وتنتهي بالمشمشية وقمر الدين».[2]

اقرأ أيضًا
اسم عصير قمر الدين وأمر الدين «تصحيح خطأ تاريخي رمضاني شهير»

روت آخر ساعة أن عبدالقدوس انتهز فرصة أجازة قصيرة واستضاف نفسه عند صديق له من عائلة التونسي في قرية سنتريس إحدى قرى مركز أشمون التابع لمحافظة المنوفية، واعتبر نفسه من الذين تعنيهم الآية الشريفة «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» على الرغم من أن قرية سنتريس لا تبعد عن القاهرة أكثر من ساعة بالسيارة، وبناء عليه قرر الإفطار.

قرية سنتريس

قرية سنتريس

وبحسب المجلة أصبح في اليوم التالي أولاد الأسرة في سنتريس كلها مفطرون بسبب محمد عبدالقدوس لأنه بفكاهيته وجلساته أنسى أفراد الأسرة مواعيد السحور، ففي ذات ليلة جلس أفراد الأسرة يتناولون طعام السحور والذي يسميه عبدالقدوس الغداء وذلك بعد أذان الفجر فقال أحدهم مرحبا بعبدالقدوس يا أهلاً وسهلاً دحنا زارنا النبي، وهنا لم يستطع عميد الأسرة شديد التمسك بدينه أن يملك  نفسه وصاح دحنا زارنا إبليس.

نشأة محمد عبدالقدوس ودور والده

الفنان محمد عبدالقدوس

الفنان محمد عبدالقدوس

الفنان محمد أحمد رضوان عبدالقدوس من مواليد حي الجمالية عام 1888م، وحين بلغ السابعة من عمره ألحقه أبوه بمدرسة الجالية اليونانية بحي الحمزاوي لأنها أقرب المدارس إلى بيتهم، وكان والده قد أراد له أن يتعلم تعليمًا عصريًا، فقد أشفق عليه من التعليم بالأزهر الذي كان يسير بأسلوب يتطلب استعدادًا معينًا في الراغبين في الدراسة الدينية.

ولما بلغ العاشرة من عمره التحق بمدرسة النحاسين الابتدائية حيث حصل على الشهادة الابتدائية منها وكان أصغر تلميذ حصل على هذه الشهادة في دفعته، فقد كان عمره أربعة عشرة عامًا، بينما كان هناك تلاميذ تجاوزوا العشرين في هذه الدفعة.

بعدها انتقل محمد عبدالقدوس إلى مدرسة الفنون والصنايع بالعباسية بعد أن ترقى والده إلى منصب قضائي كبير في محكمة العباسية الشرعية، ولم يرضى والده هذا الاتجاه فقد كان يتمنى أن يواصل دراسته الثانوية ليصبح طبيبًا أو ضابطا بالجيش، فإن خريجي مدرسة الفنون والصناعات يصبحون مهندسين بعد تخرجهم، ولكن الشيخ أحمد رضوان نزل عن رغبة ابنه، وتركه يختار طريق مستقبله بنفسه، لكن مرحلة إقامة أسرة الشيخ رضوان في حي العباسية ساعدت على تفتح مواهب محمد عبد القدوس الفنية، فقد كان بيت أحمد رضوان مقصد كبار الفنانين في ذلك الوقت كانت تربطه صداقة وطيدة بعبده الحامولي ومحمد عثمان وزكي مراد وغيرهم.

وفي هذه السهرات استمع محمد عبدالقدوس لأروع الأعمال الموسيقية، وكان يناقش والده في هذه الأعمال، وكان الأب سعيدًا بهذه المناقشة الفنية فهو لم يكن الرجل المتزمت رغم وظيفته الدينية الكبيرة وكذلك نشأته الأزهرية.

وأبدى محمد عبدالقدوس تقدمًا كبيرًا في دراسته الهندسية فكان الأول على دفعته وتم تعيينه مدرسًا بمرتب 7 جنيهات؛ وتزامنًا مع ذلك بدأت الحكومة في إنشاء المجالس المحلية في الأقاليم فانتخبت بعض الشباب الأكفاء لتعيينهم مهندسين بتلك المجالس وكان عبدالقدوس من ضمنهم إذ تم تعيينه مهندسًا لمجلس محلي مدينة الأقصر، ثم صار ناظرًا لمدرسة نجع حمادي الصناعية.

نواة النزعة الفنية في حياة الفنان محمد عبدالقدوس

الممثل محمد عبد القدوس

الممثل محمد عبد القدوس

حكى حسين عثمان عن نواة النزعة الفنية في حياة الفنان محمد عبدالقدوس فقال «تصادف أن قرر مدير الإقليم زيارة مدرسة نجع حمادي الصناعية، وطلب من عبدالقدوس أن يعد احتفالاً مناسبًا لهذه الزيارة، أن يفرش حوش المدرسة وجميع الطرقات المؤدية إليها بالرمل الأحمر والأصفر وأن يلبس الطلبة أزهى ملابسهم وأنظفها ويصطفون طابورا لتحية الباشا المدير، لكن ناظر المدرسة محمد عبدالقدوس غير من هذا الأسلوب فأقام سرادقًا وطلب من المدرسين أن ينتخبوا واحدا منهم ليلقى كلمة تتضمن شرح متاعبهم الشخصية وكذلك انتخب من كل فصل من المدرسة طالبًا يخطب أمام المدير ويلقي كلمة يعبر بها عن احساسه وآماني زملائه أما هو فقد أراد أن يفاجئ المدير مفاجأة كان من الممكن أن تؤدي به إلى الهلاك أي الفصل والرفد من وظيفته، فقد أحضر بيانو ووضعه على المسرح وفي يوم الحفلة ارتفع الستار عن محمد عبد القدوس يجلس أمام البيانو وهو يعزف مقدمة موسيقية ثم يلقي مونولوجًا، كان مطلعه
رحت أتفرج على البيت الجديد
التقيته حاصل وبابه من جريد
والعقارب صف واقف من بعيد
لابسه رسمي لاجل ما تأدي التحية
قلت بونجور عقربة قالت إحنا من جيرانك
قلت فين قالت في بيت دولة جنابك
أكتريتنا حوش هناك تحت الجنينة

وظهرت على وجه المدير الدهشة من جرأة ناظر المدرسة الذي شكا إليه متاعبه بأسلوب جديد ولكن المدير لم يستطع منع نفسه من إبداء إعجابه بهذا الأسلوب، وأثنى على الناظر ووعده بالنظر في جميع الشكاوى، وكان المفروض أن ينحني الناظر والمدرسون شكرًا على عطف، ولكن الذي حدث هو أن محمد عبدالقدوس سأل المدير ببساطة: وإمتى يا باشا تحل المشاكل دي ؟! وتلون وجه المدير بالغضب وأهان محمد عبدالقدوس على جرأته كموظف صغير يخاطب المدير بهذا الأسلوب، فما كان محمد عبدالقدوس سوى الرد بالاستقالة».[3]

بداية عمل الفنان محمد عبدالقدوس في الوسط الفني

الممثل محمد عبدالقدوس

الممثل محمد عبدالقدوس

بعد عودة الفنان محمد عبدالقدوس للقاهرة انضم للنادي الأهلي وتعرف هناك على الفنان داوود عصمت والذي دعاه لزيارته في منزله بحوش الشرقاوي، وعند ذهابه وجد 15 شابًا يقلدون مشاهير التمثيل في ذلك الوقت، ثم غادروا المنزل واتجهوا إلى شارع عبدالعزيز ودخلوا تياترو محمد فرج وفي يد كل منهم ورقة وقلم يدون فيها ما يسمعه من عبارات وما يشاهده من حركات و انفعالات على المسرح وتكرر تردده على منزل داوود عصمت وصار عضوًا في جمعية التمثيل العربي، وظهر كممثل لأول مرة في مسرحية هاملت أمام المسرح، ليكتشفه الفنان محمد عبدالرحيم ويضمه لجمعية أنصار التمثيل.

على ناحية الوظيفة الحكومية فإن أحمد باشا حشمت وزير المعارف كان السبب في عودة عبدالقدوس لوظيفته، فقد شارك في حفلة بالنادي الأهلي كمونولجست وأدى مقطوعة بدايتها
اللي بحبه دا دلعه يجنن ** أشحت كلمة يقولي يحنن؛ فأعجب حشمت باشا بالمونولوج وأراد أن يعرب عن تقديره لعبدالقدوس فأعاده لوظيفته على أن يبقى في القاهرة وكان تمسك عبدالقدوس بالقاهرة سببًا في حرمانه من الترقي، فقد بقي مهندسًا بوزارة المواصلات طيلة حياته، وما كان يهون عليه زواجه من السيدة روز اليوسف سنة 1917م.

ارتبط محمد عبدالقدوس بالسينما منذ بدايته، فقد كانت أول أعماله في فيلم الوردة البيضاء والذي أدى فيه شخصية خليل أفندي باشكاتب الدائرة، وتواصلت أعماله فكانت أبرزها فيلم ليالي الحب وآثار في الرمال وسر طاقية الإخفاء؛ وكانت آخر أعماله مع أحمد فراج وصباح في فيلم 3 رجال وامرأة عام 1960م، ليصاب بمرض جعله في عزلة بعيدًا عن الناس طيلة 9 سنوات ليرحل عن عالمنا في 12 ديسمبر 1969م.

——————————————————————
[1] محرر، عبدالقدوس أفكه شخصية في مصر، مجلة الكواكب، عدد 4، 18 إبريل 1932م، ص10.
[2] محرر، لمندوبنا في قهوة الفن، مجلة آخر ساعة، عدد 24، 23 ديسمبر 1934م، ص35.
[3] حسين عثمان، نجوم خالدون .. محمد عبدالقدوس، مجلة الكواكب، عدد 960، 23 ديسمبر 1969م، ص27.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*