تقرأ في هذا التقرير «ما هي أخطاء مسلسل سره الباتع خلال حلقاته الأولى؟، نظرية الحبكة الفنية أمام حتمية الالتزام بالتاريخ، قراءة نقدية لمعسكر الحبكة وفسطاط التاريخ»
كتب | وسيم عفيفي
يتواصل الجدل حول مسلسل سره الباتع من حيث التاريخ وأخطاءه، ويتصاعد أكثر من أصحاب وجهة النظر القائلة بالحبكة الفنية؛ وبينهما يتوه المشاهد وقبله العمل نفسه.
أخطاء مسلسل سره الباتع تاريخيًا ومسألة الحبكة الفنية
قبل إحصاء الأخطاء التي وقع فيها مسلسل سره الباتع ينبغي تقسيمها إلى 3 أنواع، أولها أخطاء تاريخية تُخِل بالتاريخ والبناء الدرامي معًا، وثانيها أخطاء ليست بأخطاء، وثالثها أخطاء تاريخية يمكن التغاضي النسبي عنها مع الإشارة لها، وذلك لكونها لم تؤثر على العنصر البصري للمشاهد.
كانت الحلقة الثالثة من مسلسل سره الباتع هي الحلقة الكارثية بامتياز من حيث الأخطاء التاريخية التي تُخِل بالتاريخ والبناء الدرامي.
ما عرضته الحلقة 3 من المسلسل كانت المعركة التي حدثت بين المماليك وجيش الحملة الفرنسية عند شطانوف في المنوفية، ثم تحرك جيش نابليون إلى القاهرة ليعود لها مجددًا.
ما يذكره التاريخ أن الحملة الفرنسية دخلت الإسكندرية يوم 2 يوليو 1798م، ثم اندلعت أولى معارك الفرنسيين مع المماليك في شبراخيت بمدينة البحيرة يوم 13 يوليو من نفس العام[1]، فهنا عنصر المكان غير متوائم مع التاريخ؛ وإن قلنا أنها كلها بلاد دلتا، فكان الأوجب أن يحدث تمهيد لما جرى في الإسكندرية وغيرها، لأن عدم التمهيد أشعر المشاهد بأن الحملة كخط سير دخلت المنوفية أولاً، وهذا غير صحيح.
إشكالية أخرى حدثت في الحلقة الثالثة وهي حالة الجيش المملوكي، فالحلقة أظهرت مدى غباء المماليك في المواجهة وكأنهم حمقى يقاتلون بالسيوف أمام دانات المدافع فكان تساقطهم أمرًا حتميًا.
وهذا أيضًا غير صحيح، إذ كان جيش المماليك مكونًا من 13 ألف شخص ولم يكونوا مشاةً أو خيالةً فقط، بل كان هناك أسطولاً يقوده خليل الكريتلي وحدث تبادل لإطلاق النار عند شاطئ النيل في شبراخيت؛ بالفعل لم ينتصر المماليك لكن الفرنسيين خسروا 7 سفن (5 أغرقوا واثنتين تم الاستيلاء عليها) وأصيب الكونتراميرال بيري؛ وهذا لم يظهر في العمل أصلاً؛ إلى جانب ذلك فإن المسلسل لم يُظهْر حالة النهب التي تعرضت لها القرى واكتفى فقط بمشهد دخول القرية في موكب احتفالي وتحرش عساكر الفرنسيين بالفلاحين في أرضهم خلال الحلقة الرابعة؛ وهذا يتناقض مع حقائق التاريخ أيضًا؛ والفرنسيين اعترفوا بكل التخريب الذي سببوه في قرية النجيلة والطريق إلى قرية شابور قبل أن يأمرهم نابليون بالتوقف عن ذلك.[2]
ويندرج هذا الخطأ أيضًا مع أخطاء أخرى لا يمكن التغاضي عليها وأخلت بالعمل مثل خطأ السفرة الذي ظهر في أحداث الحلقة 2 من العمل.[3]
النوع الثاني وهو الأخطاء التي ليست أخطاء، وعلى منديل بأوية والملابس القطنية؛ فالمنديل لأن ارتداء منديل بأويه عنصرًا نشازًا يفصل المشاهد عن الحيز الزمني الذي يتناوله المسلسل، لكن أيضًا لا يوجد ما ينفي أن المصريات كن يرتدين منديل بأويه قبل القرن ال20، ورغم أن كتاب وصف مصر لم يذكره صراحةً وكذلك لوحات وصف مصر؛ لكن أيضًا هذا لا يعني بعدم وجود منديل بأوية في زمن الحملة الفرنسية.[4]
ونجد الإشارة عن الأوية في تاريخ الجبرتي لأحداث يوم الجمعة 21 جمادى الثانية 1213هـ / 30 نوفمبر 1798م عندما تكلم عن البالون الذي أراد الفرنسيين أن يطيروه في الهواء، وشبهه
بـ الأوية لأنه لم يكن يعرف اسمه وقال الجبرتي في وصفه للمنطاد أو البالون الطائر «تجمع الناس وكثير من الإفرنج ليروا تلك العجيبة وكنت بجملتهم، فرأيت قماشًا على هيئة الأوية على عامود قائم وهو ملون أحمر وأبيض وأزرق على مثل دائرة الغربال».[5]
والأوية كلمة عثمانية انتشرت في مصر خلال العهد العثماني (الذي جاءت الحملة الفرنسية فيه) وهي مشتقة من أويمجي وهي زخارف حريرية أو كتانية تنسجها النساء على حواشي ملابسهن ولا تطلق إلا على الطراز القديم المشغول باليد.[6]
الأمر نفسه ينطبق على الملابس القطنية، فالقطن وإن كان شهد تطورًا في عصر محمد علي باشا لكن هذا لا يعني جهل المصريين به بشهادة الفرنسيين أنفسهم في وصف مصر عندما تكلموا عن المنسوجات القطنية في أسوان وجرجا أسوان وجرجا[7]، وتكلموا عن الملابس القطنية التي يرتديها المصريين [8]، وكذلك عن المصانع التي تنتجها.[9]
إجمالاً .. أخطاء مسلسل سره الباتع بدايةً من الحلقة 1 حتى 4. *
الأخطاء التاريخية
أولاً / ظهور السفرة في الحلقة الثانية
ثانيًا / عدم انسجام البعد الزمني التاريخي في الحلقة الثالثة
ثالثًا / ظلم كفاح الفلاحيين قبل احتلال القاهرة في الحلقة الثالثة
الأخطاء الفنية
أولاً / ظهور جبنة عبور لاند في أجواء الثمانينيات بالسوبر ماركت في الحلقة الأولى
ثانيًا / ظهور كوبس كهربائي بشكل حديث لا يتلائم مع أجواء ثمانينيات القرن الماضي في الحلقة الأولى
ثالثًا / ظهور الكوتشي لأحد مجاميع المسلسل في الحلقة الثالثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] عبدالرحمن الجبرتي مظهر التقديس بين زوال دولة الفرنسيس، تحقيق:- عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، ط/1، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998م، ص29.
[2] عبدالرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ط/4، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1374هـ / 1955م، ص95.
[3] أحمد المرسي، بعد عرض أول حلقتين.. أخطاء بالجملة في مسلسل سره الباتع، موقع بث مباشر، 24 مارس 2023م.
[4] وسيم عفيفي، في أي شيء أخطأت الحلقة 2 من مسلسل سره الباتع وأخطأ من خَطَّأها فنيًا وتاريخيًا؟، موقع الميزان، 24 مارس 2023م
[5] عبدالرحمن بن حسن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق:- عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، ج3، ط/1، دار الكتب المصرية، 1998م، ص53.
[6] أحمد السعيد سليمان، تأصيل بعض الدخيل من أسماء الملابس والأطعمة في كتاب الجبرتي، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ج45، عدد جمادى الآخرة 1400هـ / مايو 1980م، ص105.
[7] بيير سيمون جيرار، وصف مصر، ج4 ” الزراعة – الصناعات والحرف – التجارة”، ترجمة:- زهير الشايب، ط/2، مكتبة الخانجي، 1978م، ص173.
[8] المرجع السابق، ص174.
[9] المرجع السابق، ص216.
* إحصاء الأخطاء مراجعه :-
- أحمد المرسي، موقع بث مباشر
- وسيم عفيفي، موقع الميزان
- مروة لبيب، موقع في الفن