تقرأ في هذا التقرير «حول الحلقة 2 من رسالة الإمام وقصة وجود الإمام الشافعي في الدير مع الراهب، تقييم الحلقة 2 من مسلسل رسالة الإمام»
كتب | وسيم عفيفي
تناولت الحلقة الثانية من مسلسل الإمام الشافعي رحلته إلى مصر مع استعراضٍ بمشاهد فلاش باك حول عفو هارون الرشيد عنه، ثم خلافه مع نجله المأمون العباسي.
مشهد الإمام الشافعي في الدير ورؤية نقدية تاريخية وفنية
كان هناك مشهد في مسلسل رسالة الإمام مفاده ذهاب الإمام الشافعي إلى الدير وذلك لأخذ وصفة طبية يداوي بها زوجته، وأثار هذا المشهد حفيظة كثيرين بسبب أن الإمام الشافعي له باع في الطب؛ لكن هذا السبب لا يعتد به (فنيًا) إذ أن معرفة الشافعي بالطب ليست معرفة أهل الخبرة، فضلاً عن أن المسلسل يُظْهِر رحلة الإمام الشافعي وهو لا يملك أدوات كثيرة من الأشياء العلمية والطبية.
إلا أن المشهد من الناحية الفنية والتاريخية أيضًا غير مقنع، ومع الأخذ في الاعتبار أن المؤلف له الحق في وضع الحبكة التي يراها ضرورية لتمرير رسالة راقية حول الوحدة الوطنية ومحبة مصر؛ لكن ينبغي أن تكون تلك الحبكة موزونة بميزانين أحدهما تاريخي (لأن العمل تاريخي صِرْف)، والآخر فني (حبكة تقبل التصديق بعيدًا عن أي قوميات أو مواطنة حتى تُصَدَّق رسالة العمل)؛ وفي حال غياب الميزانين فإن المشهد سيكون مُقْحَمًا في السياق الدرامي ولا يمت للحقيقة في شيء.
المخالفة التاريخية التي وقع فيها ذلك المشهد، أنه يخالف المراجع التي يعتمد عليها العمل نفسه، ففي نهاية الـ Out Intro (تتر نهاية المسلسل) استعرض المسلسل قائمة المراجع (التاريخية، الفقهية، الأثرية، الاجتماعية) لحياة الإمام الشافعي وعصره، وجميعها لا توجد فيها تلك المعلومة.
وإن قبلنا أنه ليس مطلوبًا من المؤلف (الالتزام الحرفي بالنص التاريخي، رغم أن تلك الحجة غير صحيحة كون أن المسلسل تاريخي صِرْف)؛ فإن من أبجديات الحبكة الدرامية أيضًا أن تقوم على شخصيات موجودة.
من حيثية الشخصيات إن زوجة الإمام الشافعي حميدة بنت نافع بن عيسى بن عمرو بن عثمان بن عفان والتي بسببها اسْتُدْعِيَت الحبكة، لم يُؤَكَّدْ أنها كانت ضمن مرافقي الإمام الشافعي في رحلته[1]؛ فذهاب الشافعي إلى مصر حدث وكان بصحبته حاكم مصر الجديد العباس بن موسى، والربيع بن سليمان وعبدالله الحميدي والعباس بن موسى وعدد من تلامذته وإن قلنا أن الخلاف على وجود زوجته يمكن أن عنصرًا في الحبكة، فذلك مردود عليه لأن رحلة الإمام الشافعي باتفاق الجميع لم يكن فيها مشقة ولا متاعب ولا ملاحقات كما يُظْهِر العمل[2]؛ وينبغي الإشارة إلى أنه لا يوجد ما هو متوفر من معلومات عن زوجته، بل إن كتاب الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر الذي يستدل به المسلسل يقول عن زوجته «لا نعلم متى تزوج (يقصد الشافعي)، وما أظننا نبعد كثيرًا أن زواجه كان قريبًا من منصرفه عن مالك إلى مكة، وما عُرِف له إلا زوجة واحدة هي حمدة بنت نافع بن عنبسة بن عمرو بن عثمان بن عفان، وهي أم ولده كما حدث بذلك أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي».[3]
ظهرت اللهجة المصرية في المسلسل وهذا لا يتناقض مع التاريخ لأنها كانت موجودة بالفعل[4]، ولعل هذا ما يضفي للمسلسل بريقًا إلى جانب المشاهد الخارجية والموسيقى التصويرية، وإلى الآن فإن مسلسل الإمام الشافعي يسير برتم سريع، فيه تشويق، والحلقة الثانية ساعدت في ذلك، وربما لن يكون مسلسل الإمام الشافعي حصانًا رابحًا، لكنه سيكون ضيفًا خفيفًا جميلاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مصطفى منير أدهم، رحلة الإمام الشافعي إلى مصر، ط/1، مطبعة أمين عبدالرحمن على نفقه الشيخ عبدالرحيم مصطفى الدمرداش باشا، القاهرة، 1930م، ص30.
[2] تاريخ الإمام الشافعي بقلمه وما كتبه عن نفسه، تحقيق:- حسين محمد الرفاعي الشافعي، ط/1، مطبعة الحرية، القاهرة، 1366هـ / 1946م، ص32.
[3] عبدالغني الدقر، الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر، ط/6، دار القلم، دمشق، 1417هـ / 1996م، ص68.
[4] وسيم عفيفي، الحلقة الأولى من مسلسل الإمام الشافعي “شرح لأشياء تاريخية أبرزها اللهجة المصرية”، موقع الميزان، 23 مارس 2020م