الرئيسية » حكايات فنية » البابا شنودة في السينما «حكاية فيلم كتب قصته»
البابا شنودة في السينما
البابا شنودة في السينما

البابا شنودة في السينما «حكاية فيلم كتب قصته»

تقرأ في هذا التقرير «البابا شنودة في السينما كيف ساهم فيها ؟ الجانب المخفي من السينما القبطية، انفراد بنشر أصل القصة التي تحولت إلى فيلم».

كتب: وسيم عفيفي

جلس البابا شنودة الثالث على كرسي مارمرقس سنة 1971 م وكانت الكنيسة المصرية على موعد مع أكبر تغير في تاريخها على يد البطريرك الجديد، فسلفه كيرلس السادس كان رجل الصلاة ومصالحه مع السماء، أما البابا الجديد فأوجد سُلَّمًا للعمل الكنسي بين السماء والأرض.

البابا شنودة الثالث

البابا شنودة الثالث

اختلف البابا شنودة الثالث في شخصيته وإدارته للكنيسة عن أسلافه الـ 116، فهو من جيل مدارس الأحد الذين قرروا تغيير نسق الكنيسة بالتعليم والإبداع، فضلاً عن توجهاته الثورية بالإضافة إلى أنه الأوحد من الباباوات الذي له عضوية في نقابة الصحفيين، لكن بصمة واحدة مجهولة بمسيرته وهي إدخال الكنيسة للسينما.

«الكنيسة والسينما» حب من طرفٍ واحد

أفيش فيلم الراهبة

أفيش فيلم الراهبة

علاقة الكنيسة بالسينما مبنية على حب من طرفٍ واحد، حيث سلطت السينما المصرية خلال فترة البابا كيرلس السادس أضواءًا محدودة على المجتمع الكهنوتي وطبقة الإكليروس عبر فيلم الراهبة لـ «هند رستم»1965 م، وبعده بسنتين جاء فيلم تسجيلي أخرجه يوسف شاهين حمل اسم «الميرون».

 

مع سبعينيات قاد البابا شنودة الثالث سفينة الكنيسة المصرية في أمواج التغيرات المصرية السياسية فانغرزت في الصراعات مع السادات ثم دفعت نصيبها من ثمن لعبة التوازنات السياسية مع الجماعات الإسلامية.

اقرأ أيضا
“من متهم بالقتل إلى قاضي إعدام” كيف لعب ماضي السادات دوراً في اغتياله

خلال تسعينيات القرن الماضي فرضت الكنيسة المصرية خصوصيةً تامة على سلبياتها وإنجازتها ولم تسمح بتسليط الضوء الإعلامي على أعمال البطريركية، والتي كان من ضمنها أنشطتها الفنية المسرحية وبعض اللمحات السينمائية عبر شرائط الفيديو دون عرضها في الدور السينمائية.

تناولت الأعمال الفنية الكنسية جوانب متعلقة بالتراث المسيحي وتاريخ الآباء الكهنة واستعراض قصص القديسين بالإضافة إلى الأخلاقيات الروحية، ولاقت تلك المسرحيات والأفلام إقبالا واسعًا من الأقباط في مصر وكانت بوابةً تطويرٍ لمواهب أشهر الممثلين المسيحيين مثل ماجد الكدواني ولطفي لبيب.

البابا شنودة يدخل صناعة السينما بقصة فيلم

أفيش فيلم حدث في تلك الليلة

أفيش فيلم حدث في تلك الليلة

قبل رحيل البابا شنودة بـ 3 سنوات وبالتحديد في عام 2009 م، أصدرت شركة إيجيبتوس للإنتاج الفني الفيلم المسيحي «حدث في تلك الليلة»، والذي تطرق إلى العقيدة المسيحية والمجتمع الكنسي بشكلٍ مباشرٍ في إطارٍ من الوعظ الروحي.

غلاف كتاب ثلاث قصص هادفة

غلاف كتاب ثلاث قصص هادفة

بُنِي فيلم «حدث في تلك الليلة» على رواية قصيرة كتبها البابا شنودة الثالث حملت اسم «3 قصص هادفة»، وقد كتبهم في مراحل مختلفة من حياته؛ كانت الأولى سنة 1948 م، قبل رهبنته حين عمل خادمًا في مدارس الأحد التي أسسها أستاذه الروحي حبيب جرجس، وحملت تلك القصة عنوان «حدث في تلك الليلة»، أما الثانية فكانت بعد رهبنته بـ 8 سنوات وبالتحديد في عام 1962 وأخذت عنوان «أبونا أنسطاسي»، أما الثالثة فكانت باسم «أمهلني أسبوعًا» وقد كتبها سنة 2001 م، ثم قامت مطبعة الأنبا رويس الأوفست في العباسية بطباعة القصص الثلاثة عام 2006 م وتولت الكلية الإكليريكية في الكنيسة نشر الكتاب.

هل كان البابا شنودة يقصد نفسه في الفيلم الذي كتب قصته ؟

ص 1 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

ص 1 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

الحلم والموت كانا هما العنصر المشترك في القصص الثلاثة، فمدار الرواية خلال أول حكايتين «حدث في تلك الليلة»، و «أبونا أنسطاسي» أن خادمًا وراهبًا ناما ورأيا أنهما ماتا وحوسبا على أعمالهما السيئة ثم استيقظا ليقوما بتصليحها، أما الحكاية الثالثة «أمهلني أسبوعًا» فتتناول حكاية الكاهن الذي علم أن ساعة أجله الآن فطلب من الملاك أن يمهله أسبوعًا ليقضي حاجات الناس المعلقة في رقبته ثم يقضي طوال الأسبوع مجاهدًا بين احتياجات الأرض والاستعداد لراحة السماء.

ص 2 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

ص 2 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

على الجانب الفني ارتبط البابا شنودة في السينما بأبطال القصص الثلاثة فهناك صداقة تجمعه بالممثل سمير فهمي نجم القصة الثالثة ، منذ انضمامه لمسرح الكنيسة ثم أداءه لشخصية ضابط القسم في فيلم «إحنا بتوع الأوتوبيس» وتوهجه في شخصية عبدالحميد بمسلسل «ضمير أبلة حكمت»؛ بينما ارتبط بالفنانيين «إيهاب صبحي وفريد النقراشي» حين انضما لمسرح الكنيسة خلال أواخر الثمانينيات وقام أولهما ببطولة قصة «أبونا أنسطاسي»، أما الأخير أدى دور خادم مدرسة الأحد بالقصة الأولى «حدث في تلك الليلة».

ص 3 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

ص 3 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

استلهم البابا شنودة في السينما أكثر من جانب شخصي بحياته خلال القصص الثلاثة ورأى أن يعظ من مر على مراحل «الخدمة والرهبنة والكهنوت»، فتجد في حكاية خادم مدارس الأحد بقصة «حدث في تلك الليلة» ضرورة حب الخادم للأطفال وهي الخصلة التي اتسم بها البابا شنودة في حياته، كما ركز البابا شنودة في السينما على أهمية رضا الأم كون أنه وُلِد يتيمًا، وشدد على ضرورة التفاني في الخدمة دون انتظار مقابل ولو كان دنيويًا.

ص 4 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

ص 4 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

أراد البابا شنودة في السينما عبر قصة «أبونا أنسطاسي»، أن يُذَكِّر نفسه بالموت وأنه سيصير عدمًا فليحذر من فخ العزة بالإثم، واتسم الجلد في الذات على سياق الأحداث وهذا راجع لسببٍ آخر ألا وهو شهرة البابا شنودة التي اكتسحها وهو راهب.

ص 5 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

ص 5 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

اختلفت القصة الأخيرة «أمهلني أسبوعًا» عن ما سبقها، فبطلي الحكايتين الأولى والثانية استيقظا من نومهما، لكن بطل الحكاية الأخيرة مات بالفعل، ويبدو للمشاهد أن البابا شنودة في السينما أراد أن يبتعد عن شكل المعجزات إعمالاً للعقل، لكن الحقيقة أن البابا كان يرغب في الموت فعلاً ليس يأسًا بل اشتياقًا للسماء بدلاً من الأرض التي حرمته من الرهبنة وألقت عليه أعباء المسؤولية، وربما عبر عن ذلك في قصيدة شهيرة له قال في أبياتها
حُرِمْتُ البراري وأجواءها ** حُرمت الجبالَ، حرمت المغارةْ
وَعِشْتُ زِحَام الألوُف أُلَبِّي ** نِداء الجميع بأدنى إشارة
وما عاد ربي له كل فِكري ** تركت إلهي وأحببتُ دارهْ

ص 6 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

ص 6 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

ص 7 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

ص 7 من قصة أبونا أنسطاسي بعد نشرها لأول مرة سنة 1965 م

تأثير فيلم حدث في تلك الليلة على صناعة الأفلام الكنسية

مسرح الأنبا رويس

مسرح الأنبا رويس

أثر البابا شنودة في السينما الكنسية لدرجة كبيرة بعد فيلم «حدث في تلك الليلة»، حيث تشجعت الكنيسة القبطية على إنتاج كم كبير من الأفلام الكنسية وبإنتاج مسيحي كبير من شركة بافلي فون، وبمشاركة فنانين مسيحيين وأيضاً مسلمين، وركزت تلك الأفلام على سير القديسين بشكلٍ عامٍ.

إيهاب صبحي في فيلم الراهب الصامت

إيهاب صبحي في فيلم الراهب الصامت

كانت أقوى الأعمال الفنية فيلم «الراهب الصامت» الذي يروي قصة الأب يسطس الأنطوني من بطولة إيهاب صبحي، وفيلم «ضيف من السماء» الذي حكى قصة الراهب أندراوس الصموئيلي وجسد البطولة الفنان ماجد الكدواني، كما قام الممثل ناجي سعد بتجسيد شخصية الراهب عبدالمسيح المناهري في فيلم «السائح» مع لطفي لبيب، كما مثل الفنان فريد النقراشي شخصية فلتاؤوس السرياني عبر فيلم «نسر البرية».

فيلم السائح

فيلم السائح

وتطورت الأفلام الكنسية لتشمل سير الباباوات حيث جُسِّدَت شخصية البابا كيرلس مرتين أحدهما في فيلم «المتوحد» من بطولة سمير فهمي، والآخر من بطولة فريد النقراشي بعنوان «الطاحونة»، وتسبب الفيلمين في فتح شهية الكنيسة لتناول سيرة البابا شنودة عبر «فيلم الراعي» والذي لم يخرج بإذن الكنيسة التي أشرفت على فيلم «المزار».

روماني ميشيل - أفيش فيلم المزار

روماني ميشيل – أفيش فيلم المزار

تميز فيلم المزار بقوة موسيقته التصويرية، وعن هذه المعزوفات يقول قال عنها الملحن روماني ميشيل في تصريح خاص لـ تراثيات «أردت أن أبتعد عن سياق الموسيقى التقليدية للأعمال المسيحية وأدمجت عنصر التشويق والإثارة في سلسلة معزوفات ملحمية تعبر عن حياة البابا شنودة، لكن أقرب تلك الموسيقات إلى قلبي هي معزوفة النياحة ـ الوفاة».

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*