تقرأ في هذا التقرير «حكاية إحراج جمال عبدالناصر، تواصل عبدالناصر مع إسرائيل كيف ولماذا ؟، اشتغالة المقال، سر الصحفي الجاسوس».
كتب: وسيم عفيفي
حقق العدد 2039 من روز اليوسف، مبيعات كل الصحف القومية المدعومة الدولة برئاسة جمال عبدالناصر في ذلك الوقت، ولم يكن يتوقع إحسان عبدالقدوس صدى هذا العدد.
لم يتميز عدد روز اليوسف في 10 يوليو سنة 1967 م، بأي محتوى خبري مقارنةً ببقية الجرائد، فالكل يمجد في عبدالناصر وجهوده في محاولات إعادة بناء الدولة بعد نكسة 1967 م، وآخرون يذكرون العالم بجرائم إسرائيل، بينما اهتمت بقية الصحف بضرورة مؤازرة القوات المسلحة بعد انتصارها في معركة رأس العش في الأول من يوليو لنفس عام صدور العدد.
اقرأ أيضا
هل رفض الشيخ محمد صديق المنشاوي قراءة القرآن أمام جمال عبدالناصر ؟
قصة واحدة في روز اليوسف هي التي لاقت الأصداء وتسببت في كثرة المبيعات، وهي حكاية إبراهيم عزت مراسل مجلة روز اليوسف والذي تمكن من خداع إسرائيل، حيث دخل إلى أراضيها بجواز سفر برازيلي، ونجح في التعرف على المجتمع الإسرائيلي عسكريًا وسياسيًا وصناعيًا.
الصحيح في هذا الخبر هو أن فعلًا إبراهيم عزت سافر لإسرائيل، والغير صحيح هو قصة المقال نفسه والتي لن يجرؤ إحسان عبدالقدوس على كشفها وإلا سيسبب لنفسه أزمة أشد مما تعرض لها سنة 1948 م حين كشف الأسلحة الفاسدة.
اقرأ أيضا
الأسلحة الفاسدة في حرب 48 .. الحقيقة والأكذوبة
الحقيقة أن صحفي روز اليوسف، سافر في مايو سنة 1956 م، إلى إسرائيل بتكليف من الرئيس عبدالناصر لمعرفة ما يدور في إسرائيل من خلال رؤية مصرية لا أجنبية لأهداف قومية وسياسية ودبلوماسية كان يريدها عبدالناصر من خلال هذه الزيارة، وظلت هذه الزيارة طي الكتمان طيلة 11 عامًا حتى كُشِف أمرها بعد النكسة واضطر إبراهيم عزت لكتابة تفاصيل تنكر قصة تكليفه. !
لماذا اختار عبدالناصر الصحفي إبراهيم عزت دون غيره لزيارة إسرائيل ؟
صلة إبراهيم عزت بإسرائيل لم تكن وثيقة بنفس المقدار الذي تتسم به علاقته مع المخابرات المصرية، لكنه كان في لندن والتقى بالصحفي كينيث ليف، مراسل النيويورك تايمز والذي بدوره عرفه على دبلوماسيين إسرائيليين هناك.
عرض الدبلوماسيين الإسرائيليين على إبراهيم عزت، السفر إلى إسرائيل والالتقاء بقادتها الذين كانوا يريدون إيجاد حلقة اتصال مع جمال عبدالناصر بعد سقوط شبكة التجسس الإسرائيلية في مصر والمعروفة تاريخيًا باسم «فضيحة لافون».
أجرى إبراهيم عزت اتصالاته بالقاهرة، عن طريق ثروت عكاشة الملحق العسكري المصري في باريس، وكشف له عن المقابلة، وبدوره نقل ثروت عكاشة ما دار بين إبراهيم عزت والقائم بأعمال السفير الإسرائيلي بلندن إلى جمال عبدالناصر.
اقرأ أيضا
الرجل الصعيدي الذي أبكى جمال عبدالناصر
ووافق جمال عبدالناصر على سفر إبراهيم عزت إلى إسرائيل، لكن بجواز سفر غير مصري، وتم ذلك، وحاز على جواز سفر برازيلي باسم «جورج إبراهيم حبيب»، وسافر إلى إسرائيل من مطار باريس ونزلت طائرته في مطار اللد ـ بن جوريون حاليًا، والتقى عددًا من المسئولين الإسرائيليين هناك والذين بدورهم رتبوا له لقاءً مع بن جوريون نفسه.
لقاء إبراهيم عزت بـ «دافيد بن جوريون» رئيس وزراء إسرائيل، اتسمت الجلسة بالاريحية، وقال بن جوريون «أنا مستعد للتفاهم من عبدالناصر إن طلب ذلك، ومستعد أن أقابله في الزمان والمكان الذي يحدده هو، ولن أقدم شروطًا مسبقة، ولن يتم إذاعة أي شيء عن كلامي معه، أنا مستعد للتفاهم وعقد الحل معه كما يحدد هو».
من الذي كشف تكليف عبدالناصر لإبراهيم عزت بالسفر إلى إسرائيل ؟
انتهت الجلسة بين دافيد بن جوريون وإبراهيم عزت، وبعد سنوات من تلك الزيارة نشر الصحفي اللبناني الكبير سعيد فريحة وصديقه سليم اللوزي خبر زيارة إبراهيم عزت إلى إسرائيل بتكليف من عبدالناصر، في إطار الحرب الإعلامية على ناصر بعد النكسة.
اضطر إحسان عبدالقدوس إلى تأليف هذه القصة في روز اليوسف، بينما لم يشير إبراهيم عزت في مقاله الذي كتبه سنة 1983م، في مجلة المجلة اللندنية عن كيفية تسريب خبر سفره إلى إسرائيل للصحفيين اللبنانيين، لكنه أكد أن صحفيًا كبيرًا ومقربًا من جمال عبدالناصر هو الذي سرب الخبر.
كان الصحفي الذي سرب هذه المعلومة إلى سعيد فريحة وسليم اللوزي هو علي أمين والذي علم بتلك القصة من مصطفى أمين واضطر لتسريب هذه المعلومة نكايةً في جمال عبدالناصر إزاء تهمة التجسس التي أدين فيها شقيقه.
اقرأ أيضًا
هل كان “موشيه ديان” و “جمال عبدالناصر” جيران في حارة اليهود ؟
حيث عقد جمال عبدالناصر جلسةً مع الثلاثي «إحسان عبدالقدوس بحكم أنه رئيس تحرير إبراهيم عزت والمَعْنِي بضبط العمل الإداري له في روز اليوسف، ومحمد حسنين هيكل الصحفي المستشار لعبدالناصر، ومصطفى أمين لأخذ رأيه حول موقف الأمريكان وثيق الصلة بهم في حال تحقق اتصال مع إسرائيل».
انتهى مشروع الاتصال مع إسرائيل طيلة أسابيع، حتى التقى عبدالناصر بالصحفي إبراهيم في منزله وعرض عليه السفر مجددًا لإسرائيل من أجل جس نبضهم تجاه مشروع جمال عبدالناصر في الشرق الأوسط.
ووافق إبراهيم عزت على السفر بعد انتهاء الضجة، وراح عبدالناصر يخطط للرد على دافيد بن جوريون، غير أن الأخير قتل أي فكرة اتصال مع عبدالناصر، حيث فضل الركوب في مظلة العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر من العام 1956م.