الرئيسية » تراثيات شوارع ومقابر » “قناطر السباع” حكاية إنجاز مجهول من العصر المملوكي
من أطلال قناطر السباع
من أطلال قناطر السباع

“قناطر السباع” حكاية إنجاز مجهول من العصر المملوكي

كتب – وسيم عفيفي
مع ذكر تاريخ قناطر السباع ، يمكن التطرق إلى فكرة وجود الخليج المصرى أحد الممرات المائية التى تتفرع من نهر النيل تجاه مصر القديمة قبل إنشاء مدينة القاهرة على يد الفاطميين، وبعد اتصال عمران الفسطاط بمدينة القاهرة وبعدما أباح السلطان يوسف صلاح الدين الأيوبى سكنها للعامة، فقد أطلق عليه “فُم الخليج، ” وصار ممتدًا من منطقة قصر العينى حاليًا، ومتجهًا نحو ميدان السيدة زينب حاليًا.
وقد أنشأ الحُكام المسلمون عدة قناطر ليتمكن الناس من عبور ضفتى هذا الخليج، ومن أهم تلك القناطر فى العصر المملوكي”قنطرة السّباع” التى ارتبط ذكرها عند المؤرخين فى العصور الوسطى بغيرة السلطان المملوكى الناصر محمد بن قلاوون من منشئها السلطان الظاهر بيبرس البندقداري.

صورة لأسدين شعار بيبرس وبينهما آيات قرآنية بجسر بمدينة اللد

صورة لأسدين شعار بيبرس وبينهما آيات قرآنية بجسر بمدينة اللد

وقد عُرفت تلك القناطر باسم “قناطر السّباع” لأن منشئها السلطان المملوكى الظاهر بيبرس البندقدارى بعد بنائها قام بتنصيب تماثيل حجرية للسّباع، فقد كان بيبرس متخذاً من حيوان السّبع (أى الأسد) شعاراً يختص به وحده، ولهذا قيل لهذه القناطر قناطر السّباع.كما كانت تُسمى أيضًا بـ”القناطر الظاهرية”، كما أشار المؤرخ المصرى المملوكى “ابن دقماق” نسبة إلى اللقب الذى اتخذه السلطان المملوكى بيبرس وهو”الظاهر”.

غلاف كتاب المقريزي

غلاف كتاب المقريزي

ويذكر شيخ مؤرخى العصر المملوكى تقى الدين المقريزى عن موضع هذه القناطر بأنها كانت تصل بين خط السبع سقايات من جهة الحمراء القصوى، وجانبها الآخر من جهة جنان الزهري، ومكانها الآن بميدان السيدة زينب.
وقد سُمى الحى الذى كان يضم هذه القناطر حينئذ بخط” قناطر السّباع”، وظلت هذه التسمية مستخدمة خلال العصرين المملوكى والعثماني، ثم تم تغيير هذا الاسم بعد ذلك ليُعرف بحي”السيدة زينب” نسبة لجامع وضريح السيدة زينب -رضى الله- عنها الذى أنشأ بنفس المنطقة.

ويذكر المقريزى رواية مهمة تشير إلى مقدار كراهية السلطان الناصر محمد لرؤية قناطر السّباع التى شيدها الظاهر بيبرس البندقداري، وقد عُرف عنه محاولته المستمرة لمحو أسماء أعدائه والسلاطين الذين سبقوه وآثارهم المعمارية، وبخاصة بسبب صراعه الطويل على السلطة، حيث تولى حُكم مصر ثلاث مرات، وكان أبرزها وأطولها عهدًا فترة ولايته الثالثة التى ناهزت 32 عامًا.

ويروى المقريزى القصة بإسهاب بأن السلطان الناصر محمد بن قلاوون كان يمر على قناطر السّباع فى طريقه إلى قلعة الجبل، وكان متضررًا من علوها، أو كما يشير المقريزي:

“… ويقال إنه أشاع هذا، والقصد إنما هو كراهته لنظر أثر أحد من الملوك قبله، وبغضه أن يذكر لأحد غيره شيء يُعرف به، وهو كلما يمرّ بها يرى السباع التى هى رنك الملك الظاهر، فأحب أن يزيلها لتبقى القنطرة منسوبة إليه ومعروفة به، كما كان يفعل دائماً فى محو آثار من تقدّمه وتخليد ذكره، ومعرفة الآثار به ونسبتها له…”

فأراد الناصر محمد إزالة السباع لأنها شعار الظاهر بيبرس، فأمر والى القاهرة “الأمير علاء الدين على بن حسين المرواني” فهدمها وأعاد بناءها من جديد فقصّر ارتفاعها، ووسعها قدر عشرة أذرع، وكان الفراغ منها فى شهر جمادى الأول 735هـ/1335م.

ولما جددها الناصر محمد، فقد أمر بإزالة السّباع والتى تعلوها، فلما تمت عمارتها الجديدة أُشيع بين الناس أن سبب تجديد القناطر الغرض منه محو شعار السلطان بيبرس لغيرة الناصر محمد منها ورغبة منه فى إماتة ذكره بين الناس، فأمر حينئذ الناصر كارهًا مضطرًا بأمر والى القاهرة بإعادة ثماثيل السّباع مرة أخرى فى موضعها لتكُف عنه الألسنة.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*