الرئيسية » رموز وشخصيات » “مراد الخامس” السلطان الأليف الذي قتلته رومانسيته
السلطان مراد الخامس
السلطان مراد الخامس

“مراد الخامس” السلطان الأليف الذي قتلته رومانسيته

كتب ـ وسيم عفيفي
كان السلطان “مراد الخامس” أحد أبرز المراحل التاريخية للدولة العثمانية وتاريخها منذ تأسيسها حتى زوالها .

من واجهة إصلاحية انتعشت بقوة في تركيا ، جاء السلطان مراد الخامس بعد فترة سياسية واقتصادية بالغة الحرج خاصةً مع قرب الدولة العثمانية على الإفلاس ؛ فضلاً عن واقعة مقتل السلطان عبدالعزيز الذي لا زالت وفاته تمثل لغزاً حتى الآن .

ـ النشأة التي أثرت عليه إلى أن مات

السلطان مراد الخامس

السلطان مراد الخامس

في الحادي و العشرين من سبتمبر لعام 1840 م ولد السلطان مراد الخامس ، وتلقى تعليمه بتكليفات من والده السلطان عبدالمجيد الأول ، حيث تعلم الفرنسية على يد أدهم باشا ، كما تلقى فنون الأدب وأنواعه على يد عمر أفندي بك ، الذي ساهم في تقويته بلاغياً ؛ كما ساهم غواتلي باشا ولومباردي بك الإيطاليين في تقوية معرفته بالموسيقى .
كل ذلك التعليم أسهم في جعل شخصيته رومانسية فنية ، حيث اهتم بالعمارة والتشييد وأنفق في ذلك مبالغ طائلة .

ـ ولي للعهد الذي تم تهديده ورومانسية في السياسة

عبدالمجيد الأول - عبدالعزيز الأول - مراد الخامس

عبدالمجيد الأول – عبدالعزيز الأول – مراد الخامس

كان عصر عبدالمجيد الأول أحد العصور التي تم تهديدها حرفياً بسبب حروب العثمانيين مع الباشا محمد علي ، ولما جاء عبدالعزيز الأول خلفاً لـ “عبدالمجيد” ، سائت الدولة العثمانية أكثر ، وكان من ضمن وجوه السوء فيها هي علاقة عبدالعزيز الأول بابن أخيه وولي العهد مراد الخامس ، حيث تم وضعه في الإقامة الجبرية بقصر طولمة بهجة ثم إلى قصر كوربغه لي دره ولم يُكْتَب له الخروج إلا مع زيارة السلطان عبدالعزيز الأول إلى أوروبا حيث اصطحب أبناءه و أنجال شقيقه وعلى رأسهم مراد الخامس .
كان مراد الخامس على موعد مع الشهرة في الوسط الثقافي لدى الإمبراطورية البريطانية وذلك لثقافته العالية وإجادته الفرنسية وقدرته على العزف على الآلات .

مراد الخامس

مراد الخامس

ووصلت شهرته إلى قصر نابليون الثالث مما سبب إزعاجاً لدى العم عبدالعزيز والذي بدوره قرر مراقبة الأمير مراد ومنعه من الخروج مع السماح له بالتنزه في عربة مغلقة لا يرى منها أحد ولا يراه من خلالها شخص ، مع تقليق موارده المالية .
كل ذلك ألقى بالأمير مراد إلى اللجوء لمحامي منطقة أوغلي بك وكان فرنسي الجنسية من أجل وضع دستور للدولة العثمانية يتم اعتماده حين يتولى السلطنة ، لكن ليس لتعزيز سلطاته بل لتقوية الدولة نفسها ، وبدت رومانسية مراد الخامس واضحةً في تلك المواد حيث أراد تقنين مواد متعلقة بإلغاء وظيفة آغا الحريم و الأسر والرق مع تصحيح المسار التعليمي .
وأحدث مراد الخامس طفرة في السياسة التعليمية بتركيا حيث نص الدستور على أنه من حق طلاب المدارس، المسلمين والمسيحيين وحتى الوثنيين إن وجدوا، أن يجلسوا معًا في المدرسة على مقعد واحد، فيعتادون منذ نعومة أظفارهم حياة الأخوة والائتلاف فلا يعودون ينظرون فيما بعد إلى بعضهم البعض، نظرة العدو اللدود.

ـ مراد يتولى السلطنة بانقلاب أبيض و معاونة أجنبية

السلطان مراد الخامس

السلطان مراد الخامس

كان كثيرون يتضررون من سوء إدارة السلطان عبدالعزيز مما أدى إلى نشأة حزب يضم كافة شرائح الدولة من وزراء ورجال دين وموظفين مدنيين وضباط عسكريين ، يريدون خلع السلطان عبدالعزيز بزعامه مدحت باشا و حسين عوني صاحب النفوذ العسكري .
بدأت روائح خطورة ذلك الحزب تهب على البلاط العثماني ، فقرر السلطان عبدالعزيز بنقل ثروته الخاصة خارج الآستانة بالتنسيق مع السفير الروسي .
ومع الإنشغال في نقل الثروة كان مدحت باشا وأعضاء حزبه يقنعون شيخ تركيا خير الله أفندي بضرورة خلع السلطان عبدالعزيز ، مما جعله يوافق بعد يومين وبذلك انقلب البلاط العثماني بالكامل .
وقرر ذلك الحزب تقريب موعد الخلع ليكون في 30 مايو واتفقوا مع سفيري إنجلترا والنمسا، وأعلم الأسطول الإنجليزي بالتدخل لإنقاذ قادة الانقلاب في حال حدوث أي طارئ.

مراد الخامس

مراد الخامس

وفي مساء الاثنين 29 مايو 1876 توجه سليمان باشا رئيس المدرسة الحربية في الآسانة ومعه رديف باشا إلى ثكنات الجيش في كموش صوي وطاش قشلة كما توجه أحمد باشا إلى الأسطول العثماني، وأصدر سليمان باشا أمر احتلال طريق بشكطاش المؤدية والحدائق المحيطة بقصر دولمة بهجة .
تمكن الجيش من تأهيل نفسه ليقوم بالانقلاب ، حتى دخل سليمان باشا إلى قصر جراغان حيث كان يقيم الأمير مراد ليخبروه بارتقائه العرش، ونقلوه إلى مبنى وزارة الحربية حيث كان الوزراء في انتظار “الخليفة الجديد”، وبعد وصوله وأمام الوزراء وكبار الضباط ونقيب الأشراف وشريف مكة قرأ شيخ الإسلام فتوى خلع السلطان .
وبعد أن تمت قراءة الفتوى أطلقت المدفعية مائة طلقة وطلقة معروفة باسم “مدافع الجلوس” وسار المنادين في شوارع الآستانة يخبرون بحادثتي الخلع والارتقاء .

ـ نهضة بالدم دون تدخل من مراد

مراد الخامس

مراد الخامس

مع تولي السلطان مراد زمام الأمور أراد تقييد إدارة الدولة بقوانين واضحة تناسب أصول المجتمع، ومنح الحرية بدون استثناء لجميع المواطنين وقال أن الدولة ستضمن لهم الترقي؛ كما منح السلطان من خزينته الخاصة ستين ألف كيس لدعم خزينة الدولة المتهالكة وكذلك تنازل عن عوائد بعض المصانع التي كانت تابعة مباشرة للباب العالي.
كما السلطان أكد التزامه بالسلم الأهلي وبالمعاهدات الدولية والمواثيق التي تربطه مع “جميع الدول المتحابّة”.
بالتوازي مع ذلك كما يؤرخ الكونت دي كيراتيري في كتابه “تاريخ السلطان مراد الخامس” ، توجه رديف باشا لإبلاغ السلطان عبد العزيز نبأ خلعه بعد مبايعة مراد الخامس، وكان عبد العزيز قد استيقظ بعد أن سمع مدافع الجلوس، وقد اعتراه القلق لظلنه أن المدافع تطلق على “العدو” وأن حربًا قد نشبت في إسطنبول
ولم يبد عبد العزيز أي مقاومة بعد أن رأى الجند يحاصرون القصر وقد غادر عبد العزيز القصر إلى قصر الباب العالي، بزورق يرافقه اثنين من أولاده هما يوسف عز الدين ومحمود جلال الدين، وتبعته زوارق أخرى تحمل أمه ونساءه وجواريه وخدمه ، وفي أعقاب مغادرته القصر اتجه موكب مراد الخامس من مبنى وزارة الحربية إلى قصر دولمة بهجة.
قضى السلطان في قصر الباب العالي ثلاثة أيام، ثم أرسل إلى مراد الخامس رسالة يطلب فيها نقله لقصر جراغان لكونه لا يحب قصر الباب العالي، فأجابه السلطان الجديد لطلبه.
وفي طريقه للإقامة الجبرية كان عبد العزيز مصاباً بحالة من الذهول وكان يطيل التأمل والتفكير مع إطلاق شتائم بحق حسين عوني باشا؛ بعد أربع أيام من خلعه .

السلطان عبدالعزيز الأول

السلطان عبدالعزيز الأول

بحسب الرواية الأولى فإن السلطان قطع بمقص طلبه لتشذيب لحيته عروق يده اليمنى فنزف الدم لمدة لا تقل عن عشرين دقيقة أدت لوفاته، وأكدت التحقيقات الرسميّة التي جرت أن سبب الوفاة هو الانتحار.
أما الرواية الثانية تقول أن حسين عوني باشا ورديف باشا تخوفا من عودة السلطان المخلوع، فأرسلا أربع رجال إلى القصر، وهو نائم فثبتوه في مكانه، ثم قام أحدهم بأخذ مقص كان بالقرب منه وقطع عروق السلطان، ثم اتهم مدحت باشا خلال عهد عبد الحميد الثاني بذلك، وأمر السلطان بقتله فقتل في الطائف عام 1883 م

ـ نهاية مراد الخامس و إعادة التاريخ لنفسه

مراد الخامس

مراد الخامس

لاحقاً تم قتل كافة من شارك في ذلك الانقلاب الأبيض بيد تنظيم حسن باشا الشركسي
فقد تم طعن حسين عوني ، كما تم قتل محمد راشد باشا وزير الخارجية ، حتى تمكن أحمد باشا قيصرلي من جرح حسن باشا و اعتقاله وتم إعدامه .
رومانسية مراد الخامس بدت بشكلٍ أثر على قواه العصبية ، فقد شك في الجميع حتى في نفسه لدرجة أنه اتهم نفسه بقتل عمه ومع التوتر العصبي تم استدعاء ليدزوروف أحد الأطباء النمساويين في الأمراض العصبية فأقر باستحالة علاجه من الانهيار العصبي خاصةً بعد إصابته بالسكر .
كما الوزراء بمفاوضة الأمير عبد الحميد الثاني حول خلع أخيه وتقليده مهام السلطنة، لكنه لم يرضى أملاً في شفاء أخيه لكن استحالة الشفاء أجبرته على الرضوخ لذلك فتم خلعه .
ونقل السلطان مراد بعد الخلع إلى قصر جراغان حيث أقام حتى وفاته عام 1904، كان خلالها قيد الإقامة الجبريّة واعتزل الحياة العامة، غير أنه تزوج خلالها خمس مرات من إجمالي 9 مرات .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*