الرئيسية » حكاوي زمان » الأسلحة الفاسدة في حرب 48 .. الحقيقة والأكذوبة
حرب 1948
حرب 1948

الأسلحة الفاسدة في حرب 48 .. الحقيقة والأكذوبة

كتب : وسيم عفيفي
لا أحد يعلم شيئاً عن قضية الأسلحة الفاسدة سوى ما قيل في فيلم رد قلبي عام 1957 م
على لسان الممثل كمال ياسين ” سليمان ” في قصة ساقها لشكري سرحان ” علي ”
عن رحيل زميلهم رشدي أباظة ” صلاح ” لاعب الملاكمة الذي لاقى الموت في حرب فلسطين عام 1948 حيث أن السلاح كان بدلاً من أن يقتل الصهاينة كان يقتل الجيش نفسه !!!
وكأن الموضوع يُخيم عليه أجواء الأفلام الكارتونية ” البوكيمون ” و ” مازينجر ”
لتصبح قصة الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين عام 1948 واقعة تاريخ بين الأسطورة والحقيقة وبينهم أكبر أكذوبة شربها ونشأ عليها الجيل كله .
بداية يرجع الفضل في إبراز قضية الأسلحة الفاسدة وطرحها صحفياً للرأي العام إلى الكاتب الصحفي الكبير إحسان عبد القدوس ومجلة روز اليوسف في عددها الصادر برقم 149
في 20 يونيو 1950م عن صفقات الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين.
وقبل أن نبدأ في ذكر ملابسات القضية يجب أولاً أن يعلم الجميع المعلومات الأساسية لهذه القضية الخطيرة
تبدأ الحكاية عقب قرار النظام المصري وقتها وكان ممثلاً في الملك فاروق ورئيس الحكومة النقراشي باشا الدخول في حرب فلسطين عام 1948 وذلك قبل انتهاء نظام الانتداب البريطاني على فلسطين بأسبوعين فقط
ولأن الوقت كان ضيقاً وبالتوازي كان هناك قصور شديد للغاية في السلاح والعدة والعتاد للجيش المصري
قرر الملك فاروق تشكيل لجنة تُسمى بلجنة ” احتياجات الجيش ” في يوم 13 مايو عام 1948 وكانت لهذه اللجنة مطلق الصلاحيات الواسعة لكي تعمل بدون أي قيد أو رقابة لإحضار السلاح من كل الجهات وبأسرع وقت فوري
كان مجلس الأمن قد أصدر قراراً صارماً بمنع وحظر بيع الأسلحة للدول المتحاربة في حرب فلسطين وتضررت الدول العربية ضرراً شديداً من هذا القرار والذي كان موجهاً إليها بلا شك
فانتهجت الحكومة المصرية سياسة التحايل على هذا القرار الجائر بإجراء عدد كبير من صفقات الأسلحة مع شركات السلاح تحت غطاء أسماء وسطاء و سماسرة مصريين و أجانب، مما فتح الباب علي مصراعيه للتلاعب لتحقيق مكاسب ضخمة و عمولات غير مشروعة. فكان التلاعب يتم في شيئين أساسيين هما
سعر شراء السلاح الذي كان مبالغ فيه بدرجة كبيرة، و مدي مطابقة السلاح للمواصفات و صلاحيته للاستعمال.
لتبدأ الحرب ثم تنتهي في 24 فبراير 1949 م بتوقيع اتفاق الهدنة بين مصر و إسرائيل، و بذلك انتهت حرب فلسطين فعلياً بهزيمة مصر و الدول العربية و استيلاء إسرائيل علي كل أرض فلسطين ما عدا قطاع غزة و الضفة الغربية و القدس العربية
كانت الصدمة عقب أن تفجرت القضية في أوائل عام 1950 م بسبب تقرير ديوان المحاسبة الذي ورد فيه مخالفات مالية جسيمة شابت صفقات أسلحة للجيش تمت في عامي 1948 و 1949 م.
حاولت الحكومة برئاسة مصطفي النحاس الضغط علي رئيس الديوان لحذف ما يتعلق بهذه المخالفات من التقرير فرفض رئيس الديوان هذا الطلب وقرر الاثنان تقديم استقالتهما فعلياً ، فما كان من النائب البرلماني المعارض مصطفى مرعي إلا أن يقوم باستجواب الحكومة لمعرفة أسباب الاستقالة في جلسة مجلس الشعب يوم 29 مايو 1950 لمعرفة تفاصيل المخالفات الجسيمة التي شابت صفقات الأسلحة.
قدم وزير الحربية مصطفي نصرت بلاغ للنائب العام، قام النائب العام محمود عزمي بفتح باب التحقيق في القضية
وانقسمت القضية إلي شقين، قضية اتهام أفراد الحاشية الملكية، و قضية اتهام أفراد من الجيش و المدنيين.
أما في قضية اتهام الحاشية الملكية، فقد قرر النائب العام في 27 مارس 1951 م حفظ التحقيقات فيها
أما الشق الثاني من القضية المتهم فيه أفراد من رجال الجيش و المدنيين فقد تم إحالته للمحكمة، و استمرت جلسات القضية حتي تحدد يوم 10 يونيو 1953 م للنطق بالحكم
وجاء الحكم قاضياً مقضياً ببراءة كل المتهمين من كل التهم المنسوبة إليهم، ما عدا متهمين فقط حكم عليهما بغرامة 100 جنيه علي كل منهما، و هما القائم قام عبد الغفار عثمان و البكباشي حسين مصطفي منصور.
و نزل الحكم كالصاعقة علي الرأي العام في داخل و خارج مصر، و خاصة بعد قيام الثورة، فلم يكن هناك سبب للتستر علي المتورطين وحتى الآن لم يعرف أحد أي سبب من أسباب في البراءة هل عدم كفاية الأدلة أم لأن حيثيات حكم المحكمة اختفت من سجلات القضاء
إلا أن ما يعني الناس الآن هو معرفة من المتسبب في هذه الأسلحة الفاسدة وصفقتها وكيف كان مدى ضرر الفساد
بالدليل القاطع وذلك من حلال تحقيقات أكثر من جهة وبناءاً على شهادة الشهود من صفوف الجند والضباط
ثبت أن الأسلحة التي كانت في صفقات وراءها الملك فاروق وسماسرته لم تكن لها أي تأثير سلبي أصلاً في الحرب
فعندما وجدت لجنة احتياجات الجيش أن الوقت ضيق جداً للحصول علي السلاح الذي يحتاجه الجيش للحرب، قررت اللجوء إلي مصادر كثيرة و منها مصادر سريعة و غير مضمونة لتوريد السلاح، و هي:
تجميع الأسلحة و المعدات من مخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية
و اختيار الصالح منها و إرساله للجيش
ووصل من هذه المعدات إلى أرض الحرب ذخيرة مدافع عيار 20 رطل ، كانت غير صالحة للاستعمال وعلى إثرها انفجر عدد 4 مدافع يوم 7 ويوم 12 يوليو سنة 1948 وقُتل جندين وتم جرح 8 جنود
الوسيلة الثانية إرسال ضباط في لبس مدني لشراء دبابات انجليزية من طراز لوكاست تباع خردة في المزاد العلني في معسكرات الإنجليز بقناة السويس بعد نسف فوهات مدافعها
فكان مدي إطلاق كل مدفع يختلف حسب الطول المتبقي من الفوهة
وأدي استخدام هذه المدافع في ميدان المعركة إلي سقوط قتلي كثيرين في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي مزود بأحدث الدبابات.
وكان السبب في هذا هو احتياج الجيش المصري إلي دبابات لاقتحام المواقع الحصينة التي أقامها اليهود في مستعمراتهم،. و لكن بريطانيا كانت ترفض أن تبيع دبابات للجيش المصري خوفاً أن يستخدمها ضد قواتها في القناة.
ولا يمكن إغفال ما سببته قنابل يدوية إيطالية الصنع في جرح جندي واحد هو النقيب مختار الدسوقي يوم 4 يناير 1949م. و هي القنابل اليدوية التي وردها أحد سماسرة السلاح للجيش المصري. و هي تعد صفقة السلاح الوحيدة المشبوهة التي ظهر ضررها في أرض المعركة.
وبرغم كل هذا وبالجزم قولاً بأن فعلاً كانت صفقات أسلحة فاسدة لا تصلح لاستعمال الجيش قام سماسرة مصريين و أجانب بتوريدها للجيش المصري بمبالغ طائلة يفوق سعرها الأصلي بكثير
لكن هذه الأسلحة لم تستخدم في ميدان القتال، فقد ظل معظمها في صناديقها في المخازن، فيما عدا صفقة القنابل اليدوية الإيطالية التي ثبت بالفعل أن الجيش المصري استخدمها في المعارك و كانت غير صالحة للاستعمال
أما باقي القتلى و الإصابات التي حدثت من أسلحة غير صالحة للاستعمال فكان يرجع ذلك إلي استخدام أسلحة من مخلفات الحرب في الصحراء الغربية و استخدام أسلحة تباع خردة في معسكرات الإنجليز بمنطقة القناة.
وهناك مفاجأة أخرى تتمثل في أن لجنة احتياجات الجيش قد نجحت في توريد أسلحة أخري كثيرة متطورة أنقذت الجيش المصري من هزيمة أبشع و من سقوط قتلي أكثر مما حدث
فلقد سبب الحظر علي توريد السلاح لمصر إلى اللجوء لتهريب السلاح من دول كثيرة أوروبية.
و بلغ مقدار ما استطاعت أن تورده للجيش الذي يحارب ما يعادل جملة ما تسلمه الجيش المصري من بريطانيا خلال العشرين عاماً التي سبقت الحرب. و من هذه الأسلحة الطائرات سبيت فاير البريطانية و ماكي و فيات الإيطالية.
بالإضافة إلى تضحيات جماعات الفدائيين المصريين في الإسماعيلية بزعامة عبد الحميد صادق الذين كانوا يقومون بحملات سرقة سلاح من مخازن الجيش الإنجليزي في القناة لإمداد الجيش المصري بما يحتاجه
و مات و جرح الكثير في هذه العمليات. و قاموا بتزويد الجيش المصري بسلاح بما يعادل قيمته 6 ملايين جنيه.
ليُختتم الموضوع بسؤال هام للغاية وهو ما هي الأسباب التي أدت إلى هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين
المتأمل لهذا كله من خلال كافة الكتب والمراجع وشهادات شهود العيان ووثائق الحرب يجد أن هناك أسباباً سياسية وأسباباً عسكرية أدت إلى هذه الهزيمة الفادحة
كانت مساندة إنجلترا و الولايات المتحدة و فرنسا لليهود في الحصول علي دولة خاصة بهم علي أرض فلسطين قد شجعت الصهاينة في الهجرة بضخامة إلى أرض فلسطين وإمدادهم بالسلاح والذخيرة وتدريبهم على فنون القتال
وكانت بريطانيا تحديداً تعلم تمام العلم أن القوات العربية بتسليحها و قدرتها لن تستطيع أن تحقق نصراً علي قوات اليهود التي تفوقها عدداً و تسليحاً و قدرات عسكرية
كما أنها مارست ضغطاً كبيراً علي حكومات الدول العربية لكي تضمن قيام دولة يهودية في الأرضي التي خصصت لها بموجب قرار التقسيم.
كذلك كان غياب الإستراتيجية لدي القيادة السياسية في مصر سبباً من هذه الأسباب حيث أنها لم يكن لديها دراسات سياسية وعسكرية وتاريخية عن فلسطين و خطورة المخطط الصهيوني
كما كان هناك سبب خطير وهو دخول الملك عبد الله ملك الأردن في اتفاق سري
مع الإنجليز و الوكالة اليهودية و هو ما أدى إلى تصدع في الجبهة العربية
لأن الأردن كانت هي الدولة الأولي المعنية بموضوع فلسطين، و لكنها في نفس الوقت كانت هي الدولة التي قرر ملكها ألا يدافع عن فلسطين و ألا يسمح حتي بقيام دولة فلسطينية لها حدود مع دولته
كما قرر أن يأخذ الأرض الفلسطينية لتكون ضمن حدود مملكته. كما أن قيادات الجيش الأردني كلها من الضباط الإنجليز مما يعني أن الجيش الأردني كان يتحرك بأمر الإنجليز و ليس بأمر لقيادة العربية.
وقامت القوات الأردنية بالانسحاب من مواقعها بأوامر من قيادتها السياسية المتواطئة مع الإنجليز و اليهود ضد العرب. فأدت بانسحابها خسارة أراضي واسعة كانت مخصصة للدولة العربية وفقاً لتقسيم فلسطين وهي الجليل الأعلى و صحراء النقب
كما أن الانسحابات الأردنية أدت إلي كشف المواقع المصرية و محاصرتها من قبل قوات العدو كما حدث في الفالوجا.
كما كان الإنجليز يتحكمون في توريد الأسلحة للجيش المصري، و عندما بلغ تقدم الجيش المصري في فلسطين مبلغاً مقلقاً بالنسبة لهم، رفضوا طلبات مصر بتوريد الأسلحة و الذخيرة، و بدأ الجيش في الجبهة يعاني من نقص شديد في الأسلحة و الذخيرة.
كذلك كانت فرق المقاومة الفلسطينية المساندة للجيش المصري كانت أضعف من التصدي للهاجانا، و كانت تتمثل في قوات الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني و قوات الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، فانكسرت بسرعة أمام اليهود لأنها كانت أقل تنظيماً و خبرة و تسليحاً.
استخدام الجيش المصري لأسلحة فاسدة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، فقيادة الجيش المصري اعتمدت علي سماسرة السلاح لشراء أسلحة الجيش، و أصر الملك علي شراء الأسلحة من إيطاليا التي كانت تربطه بها علاقات قوية، و كانت النتيجة أن الأسلحة جاءت من مخلفات الحرب العالمية الثانية في مخازن الجيش الإيطالي، فكان بعضها فاسد
و أدي إلي إصابات في صفوف الجيش المصري
لا نقول أن ساحة الملك فاروق بريئة من نتيجة الحرب فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة
وأحد الضالعين في صفقة الأسلحة
لكن أن نجعل نصيب الأسد في تسبب الهزيمة التي حدثت في حرب فلسطين من نصيب الملك فاروق وحده وبالتغاضي عن بعض الوقائع الهامة التي تنصفه نسبياً وبالتناسي لخيانة الأردن في الحرب وإغفال الفوارق السياسية والعسكرية بين الجبهتين العربية والصهيونية فتلك مبالغة فجة جعلت قضية الأسلحة الفاسدة في حرب

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*