تراثيات

قصة أرض “فدك” والشبهات حول أزمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم و خليفته

كتب – وسيم عفيفي
في 3 رمضان من عام 11 هجرية رحلت السيدة فاطمة الزهراء عن دنيانا لتلحق بركب أبيها وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولدت السيدة فاطمة على الراجح عند المؤرخين الثقات في وقت وقاعة الحجر الأسعد الأسود وقتما تم بناء الكعبة وتجديدها وتدخل النبي صلى الله عليه وسلم لمنع الفتنة التي كادت أن تستمر بسبب خلاف أهل مكة وقبائل العرب هو الأحقية في وضع الحجر الأسود داخل الكعبة لولا تدخل النبي صلي الله عليه وسلم ووضعه للحجر في تلابيب بردته وإمساك باقي القبائل بأطراف البردة ثم استقرار الحجر في بطن الكعبة .

سُميت السيدة فاطمة بهذا الاسم نظراً لأن الله فطمها هي ومحبيها وذريتها من النار كما جاء ذلك عند الخطيب البغدادي وسميت الزهراء لأنها كانت بيضاء اللون مشربة بحمرة زهرية وكان العرب يسمون الأبيض المشرب بالحمرة بالأزهر ومؤنثه الزهراء .

وهناك من يقول أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو من سماها بالزهراء لأنها كانت تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض، وذلك لزهدها وورعها واجتهادها في العبادة .

شهدت السيدة فاطمة الزهراء أشد وأعنف الأزمات التي حاقت بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما جهر بدعوته من إهانة له حتى تم حصار عائلة بني هاشم كلها لتخرج من الحصار بعد ثلاث سنوات عقب أن أكلت الأرضة ميثاق الحصار لتُفجع في وفاة أمها ولتقف بجانب أبيها تخفف عنه وتريحه وتُذهب عنه همه وضيقه ليأتي الأمر بالهجرة ويهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب ولتتحول من يثرب إلى المدينة وبعد الهجرة وعقب غزوة بدر تتزوج السيدة فاطمة من سيدنا على بن أبي طالب وأنجبت منه ثلاثة من الأولاد الحسن والحسين ومحسن رضي الله عنهم، ولكن محسن مات صغيراً ومن البنات زينب وأم كلثوم رضي الله عنهم جميعاً ثم كانت آخر أزماتها في حياة والدها هي أزمة وفاة والدها والتي تحملتها تحمل الجبل الشامخ

غير أن هناك موقف حدث بين السيدة فاطمة وسيدنا أبو بكر الصديق جعل الشيعة يطعنون في سيدنا أبو بكر والمعروف بأزمة ” ميراث أرض فدك ” أرض فدك هي قرية في الحجاز كان يسكنها طائفة من اليهود و لما فرغ الرسول عليه الصلاة والسلام من أمر خيبر صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أرض فدك ، فكانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها مما لم يتحرك عليها بخيل و لا ركاب.

كان الخلاف الخليفة أبو بكر مع السيدة فاطمة رضوان الله عليهما كان خلافاً مستساغاً بين اثنين يختلفان حول حكم شرعي وكل واحد منهما يملك أدلة على رأيه إلا أن حساسية الشيعة من أبي بكر جعلهم يتجنون عليه ليزعموا أنه قد أكل حق فاطمة وميراثها زوراً وبهتاناً وبدون حق وأنها ماتت وهي غاضبة عليه إما أنها إرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة أو هي هبة وهبها رسول الله لها يوم خيبر.

فلو كانت الأرض ميراثاً فلابد أن نذكر قصة الخلاف والتي تنحصر في أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر الصدّيق تطلب منه إرثها من النبي عليه الصلاة والسلام في فدك وسهم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر وغيرهما
فقال أبو بكر الصدّيق: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( إنّا لا نورّث ، ما تركناه صدقة ) وفي رواية عند أحمد ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث )
فوجدت فاطمة على أبي بكر واستدلت رضوان الله عليها بعموم قوله تعالى ” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” غير أن سيدنا أبو بكر تمسك برأيه فأذعنت فاطمة احتراماً لكلام أبيها لأن كلام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فوق كلام كل أحد ، فإذ صح حديث كهذا عن رسول الله فلا بد ان نقبله ونرفض ما سواه فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نلوم أبو بكر على التزامه بحديث رسول الله وتطبيقه إياه كما قيل ؟!!

أما حديث ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ) فقد ثبت عند الفريقين السنة والشيعة أنه صحيح فلماذا يُستنكر على أبي بكر استشهاده بحديث صحيح ؟ أما إذا كانت الأرض هبة ويجوز توريثها فسيكون الدليل قول زكريا عليه السلام ” فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ” ولكن هذا سيكون دليل مبني على استنتاج أغرب كما جاء في فتاوى العلماء ، وذلك لأربع أسباب هي :
أولاً: لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولدا لكي يرث ماله فكيف نرضى أن ننسب ذلك لنبي كريم كزكريا عليه السلام في أن يسأل الله ولداً لكي يرث ماله إنما أراد زكريا عليه السلام من الله عز وجل أن يهب له ولداً يحمل راية النبوة من بعده ، ويرث مجد آل يعقوب العريق في النبوة.
ثانياً: المشهور أنّ زكريا عليه السلام كان فقيراً يعمل نجاراً ، فأي مال كان عنده حتى يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثاً ، بل الأصل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنهم لا يدخرون من المال فوق حاجتهم بل يتصدقون به في وجوه الخير.
ثالثاً: إنّ لفظ الإرث ليس محصور الاستخدام في المال فحسب بل يستخدم في العلم والنبوة والملك وغير ذلك كما يقول الله تعالى ” ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ” وقوله تعالى ” أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ” فلا دلالة في الآية السابقة على وراثة المال.
رابعاً: حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً و لا درهماً و لكن ورّثوا العلم) يتضمن نفي صريح لجواز وراثة أموال الأنبياء ، وهذا كاف بحد ذاته.

و كذلك الحال في قوله تعالى ” وورث سليمان داود ” فإنّ سليمان عليه السلام لم يرث من داود عليه السلام المال وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين إثنين :
الأول: أنّ داود عليه السلام قد اشتُهر أنّ له مائة زوجة وله ثلاثمائة سريّة أي أمة ، وله كثير من الأولاد فكيف لا يرثه إلا سليمان عليه السلام؟! فتخصيص سليمان عليه السلام حينئذ بالذكر وحده ليس بسديد الثاني: لو كان الأمر إرثاً مالياً لما كان لذكره فائدة في كتاب الله تبارك و تعالى، إذ أنّه من الطبيعي أنّ يرث الولد والده ، والوراثة المالية ليست صفة مدح أصلاً لا لداود ولا لسليمان عليهما السلام فإنّ اليهودي أو النصراني يرث ابنه ماله فأي اختصاص لسليمان عليه السلام في وراثة مال أبيه!!

والعجيب أن المرأة لا ترث في مذهب الشيعة الإمامية من العقار و الأرض شيئاً فكيف يستجيز الشيعة الإمامية وراثة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك وهم لا يُورّثون المرأة العقار ولا الأرض في مذهبهم؟!! يتبقى في النهاية أن نذكر أن السيدة فاطمة لم تموت وهي غاضبة على أبي بكر لأنه دخل استكرمها في آخر أيامها وغسلتها زوجة سيدنا أبي بكر أسماء بنت عميس ولترحل الشريفة النقية الزهراء عن دنيانا الفانية لتخلد في الدار الآخرة الباقية في الجنة مع أمها أول من آمنت من النساء ومع زوجها أول من آمن من الصبيان ومع ابنيها سيدا شباب أهل الجنة ومع باقي الطاهرين الأطهار والبارين الأبرار من آل بيت النبي المختار والدها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم