تقرأ في هذا التقرير «تخيل وجود فيس بوك يوم 6 أكتوبر 73 ، قبل النصر ما هو حال السوشيال ميديا في النكسة، أنواع المنشورات وتصنيف أصحابها»
كتب | وسيم عفيفي
مع كم الشائعات والأطروحات التاريخية المشككة في نصر أكتوبر والموجودة حاليًا من رحم الاستقطاب السياسي يتبادر للذهن سؤال ماذا لو كان هناك فيس بوك يوم 6 أكتوبر 73 وكذلك وقت نكسة يونيو.
اقرأ أيضًا
شائعات تاريخية على الفيس بوك والرد عليها
هذا السيناريو المتخيل استلهم من الواقع ليصنع الفانتازيا ولجأ إلى الجرائد ليحبك التخيل وأخذ من النوستالجيا لتخيل التاريخ دون تأليف.
قبل فيس بوك يوم 6 أكتوبر 73 .. شكل السوشيال في زمن النكسة
انقسامات فكرية حادة على فيس بوك مصر سنة 1967 م ولا أحد يتفق مع الآخر، المثقفون الذين يتابعون الصفحات الإنجليزية يقومون بمشاركة الأخبار المتعلقة بالهزيمة.
جمهور لا بأس به في الكم لا يصدق أنباء الصفحات الإنجليزية ويقومون بنشر أخبار عن عبدالحكيم عامر والمدح فيه مع الشير من الصفحة الرسمية للإذاعي أحمد سعيد.
على الناحية الأخرى يلتزم البعض الصمت نتيجة لعدم وجود بيانات رسمية من المؤسسة العسكرية، أما الأكثرية الذين يضعون صور ناصر وعامر والجيش المصري على بروفايلاتهم يدعمون الجيش المصري وينشرون بوستات متناقضة ومبالغ فيها.
فيما يقوم آخرون بمواجهة الشائعات عبر أغنية عبدالحليم حافظ «ولا يهمك يا ريس» وظل الوضع على ما هو عليه إلى أن ظهر جمال عبدالناصر عبر تلفزيون الجمهورية العربية المتحدة وأعلن الكارثة.
بعد إعلان جمال عبدالناصر وقوع النكسة في خطاب التنحي وخروج الجمهور للشارع، تتفاوت ردود الأفعال على مواقع التواصل الإجتماعي.
الإخوان المسلمون أصحاب الخصومة التاريخية مع جمال عبدالناصر أعلنوا شماتتهم في جمال عبدالناصر عبر تعليقات متعددة منها «أخيراً ربنا كسر عبدالناصر زي ما كسر المسلمين، ما كان الله لينصر جيشاً قائده قاتل سيد قطب، دا جيش فتوة رايح اليمن وموزع نفسه في الكونغو .. خليه يلبس، الهزيمة أشرف لينا من النصر بإيد الكفرة والملاحدة والطواغيت، شعب مغيب عبيد بيطلب من المهزوم إنه يرجع».
اكتفى المثقفون والنشطاء بمنشوراتٍ سياسية ووطنية، فالبعض ألقى أسباب الهزيمة على ديكتاتورية جمال عبدالناصر، بينما آخرون فرحوا لانكساره وشمتوا في مؤيديه وأظهروا الحزن على الجيش المصري.
أما بالنسبة لمؤيدي الرئيس جمال عبدالناصر فقد سيطرت حالة الذهول عليهم فمنهم من أغلق صفحاته الشخصية وآخرون رأوا ضرورة الوقوف مع مصر ونشر حالة وعي حول عدم مسؤلية الجيش المصري عن الهزيمة وإلقاء السبب على القيادة مع نشرٍ للسير الذاتية المتعلقة بالقادة الجدد الذين تولوا مهام إعادة بناء القوات المسلحة من جديد.
بعد مرور أسابيع على النكسة تحدث موجة من السخرية على موقع فيس بوك ولا أحد يصدق أنباء الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش المصري في رأس العش، مما يستدعي ظهور الرئيس جمال عبدالناصر خلال احتفالات الثورة لمناقشة مسألة الألش من القيادة.
اقرأ أيضًا
صفحات الملكية على الفيس بوك «تراث بين الوعي والهبد»
ومن العام 1967 تقف الدولة في حالة من الضبابية هل يتم حجب الفيس بوك أم لا، غير أن عبدالناصر يخشى غلق الفيس بوك حتى لا ينفجر غضب الناس ويتحول إلى الشارع مما يؤثر على نفسية الجيش المصري، ويظل الوضع على ما هو عليه حتى وفاة جمال عبدالناصر سنة 1970 م، ويسير محمد أنور السادات على درب سلفه في مسألة رفض غلق الفيس بوك حتى يأتي يوم 6 أكتوبر.
فيس بوك يوم 6 أكتوبر 73
رمضان على فيس بوك يوم 6 أكتوبر 73 متغير منذ الصباح حتى الساعة 2:10 ظهرًا، فالألش على أشده من تعادل الزمالك مع الاتحاد يوم 5 أكتوبر وفرحة بفوز الأهلي على المنيا عبر الهدف الذي أحرزه محسن صالح.
أما المنشورات الدينية بمناسبة شهر رمضان على فيس بوك يوم 6 أكتوبر 73 اقتصرت على حلقات الشيخ عبدالحليم محمود عن شهر رمضان، فيما تحدث خلافات فكرية بين المتدينين واللادينين حول مقال عبدالصبور شاهين «الإسلام بين الأسطورة والحقيقة».
على مستوى الترفيه فهناك نقد لاذع للممثلة نجوى إبراهيم التي نشرت صورة لها وهي تسافر إلى تونس لاستكمال تصوير فيلمها «العذاب فوق شفاه تبتسم»، وطالبت التعليقات الممثلة بأن تحترم دورها في فيلم الأرض وفجر الإسلام.
وبالنسبة للمطبخ فصفحات الطهي تقوم بعمل حملة إعلانية لصلصة قها التي تلائم كل بيت لتجهيز مائدة الإفطار في رمضان.
وعلى جانب موازٍ يسخر مواليد شهر أكتوبر من طالع برجهم الميزان والذي يقول يوم 6 أكتوبر «بداية جديدة موفقة أو نجاح في مهمة قصيرة»، متساءلين «مهمة قصيرة إيه ؟! دا أكتوبر 31 يوم».
في تمام الساعة 2:15 تنشر صفحة الإذاعة مقطعًا صوتيًا بصوت الإذاعي حلمي البلك يفيد بقيام العدوي الصهيوني بمهاجمة الجيش المصري في الزعفرانة والسخنة بخليج السويس عبر قواته الجوية، وتصدي القوات المسلحة للهجوم.
يحدث انقسام حول جاهزية القوات المسلحة، فيما تظهر تعليقات تشبه البيان ببيانات أحمد سعيد، بينما يرمي آخرون إلى استحالة العبور لأن خط بارليف محصن، فيما يقوم بعض الإخوان بنشر خبر مقتل ضابط إسرائيلي في غزة على اعتبار أنه الخبر الصادق وليس بيانات الإذاعة الكذب.
بعد البيان الأول للجيش المصري تستمر الأطروحات المتباينة في تصاعد بين تصديق وتكذيب على مدار 5 بيانات عسكرية، حتى يجيء البيان السابع الساعة 7:30 مساءًا بصوت الإذاعي صبري سلامة والذي يستهله بجملة «نجحت قواتنا المسلحة فى عبور قناة السويس على طول المواجهة، وتم الاستيلاء على منطقة الشاطئ الشرقى للقناة، وتواصل قواتنا حالياً قتالها مع العدو بنجاح»؛ وتتباين ردود الأفعال ويسهر الناس على الفيس بوك للتحليل.
اقرأ أيضًا
الجانب الصوفي لـ “حرب أكتوبر” .. صور ووثائق لم تُنْشَر من قبل
يبدي الإخوان المسلمين سعادةً بالنصر ليس فرحًا في محو عار الهزيمة بقدر ما هو غرور بالنفس ونسب النصر لهم فشبابهم رأوا أن النصر تحقق بسبب دعم السادات لهم في حربهم السياسية ضد الناصريين واليسار، وبعضهم يستغل التكبير وقت العبور ويعيد كتابات سيد قطب حول ضرورة إلغاء معنى كلمة الوطن وضرورة جعل الكوكب دولة إسلامية ويأخذون من رؤساء الدول الذين ساهموا في حرب أكتوبر دليلاً على ذلك.
أما قيادات جماعة الإخوان فنُشِر لهم تسجيل مسرب على إحدى الصفحات خلال اجتماع عقد بمكتب الإرشاد رأوا أن نصر أكتوبر معناه عودة الدولة المصرية وهذا فيه خطورة عليهم، فالسادات قد استخدمهم لضرب الناصريين واليسار بسبب عدم وجود جماهيرية لهم، والنصر سيجعله زعيمًا وبالتالي فغرض وجود الجماعة قد زال وعليه فيجب تقديم ضربة استباقية من خلال المشاركة الغير مباشرة في عملية إرهابية نوعية ضد الجيش المصري.
(وهذا السيناريو التخيلي حدث بالفعل لأن زينب الغزالي القيادية في الجماعة كانت على علم بالهجوم على كلية كلية الفنية العسكرية بعد نصر أكتوبر بسنتين وقتلوا أفراداً من طلابها واستولوا على أسلحتهم)؛ ويتم غلق الصفحة التي نشرت التسجيل المسرب فيما يقوم بعض شباب الناصريين بإعادة رفعه للشماتة في السادات بعد ارتكانه للإخوان.
على صعيد مؤيدي الدولة المصرية فتنقسم المنشورات إلى نوعين، الأول يهاجم القوى الناصرية الثورية التي سخرت من السادات وشككت من قدرة الجيش المصري في عام الضباب فيما يلجأ القوى الثورية من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى اللجو لنغمة «وهتعملوا إيه في الاقتصاد اللي اتخرب».
أما النوع الثاني من مؤيدي الدولة على فيس بوك يوم 6 أكتوبر 73 فيقوم بنشر أخبار المعركة وصور الشهداء وحكايات عنهم وقت العبور وإيمانهم المتمثل في رفضهم لفتوى شيخ الأزهر الشيخ عبدالحليم محمود بجواز الإفطار في شهر رمضان.
على مستوى المثقفين والنخبة فقد اتجه البعض لمطالبة الرئيس السادات بتفعيل دور الأحزاب كبيدل للاتحاد الاشتراكي وعودة الديمقراطية لأنها سبب النصر، أما الغالبية فيناشدون مناشدة الشعب المصري بالإيجابية والنزول للشارع من أجل التبرع بالدم.
بالنسبة للسخرية في فيس بوك يوم 6 أكتوبر 73 فتقوم صفحات الألش بعمل كوميسكات ساخرة أشهرها وجه السادات على جسد الريس حنفي في نهاية فيلم ابن حميدو وهو يصفع وجه جولدا مائير على جسم زوجته، مع جملة «مافيش ضباب تاني».
آخر عناصر السوشيال ميديا وهم شباب النشطاء ذوي العلاقات المتشعبة، سيعلنون تأييد الجيش المصري والسادات رغم ضربه لهم سياسياً، وهذا التأييد ليس فرحاً بالنصر وإنما من أجل أن يقوموا بتهيئة أنفسهم ليكونوا رجال الأمريكان خلال السنوات القادمة بعد تعامل السادات معهم.