الرئيسية » حكاوي زمان » حتمية إنصاف مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية “حتى لا تظلمهم حبكة سره الباتع”
مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية
معركة الأهرام - جزء من المعارك المصرية ضد الحملة الفرنسية

حتمية إنصاف مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية “حتى لا تظلمهم حبكة سره الباتع”

تقرأ في هذا التقرير «ضرورة الكلام عن مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية سنة 1798م، تفاصيل أول مواجهة بين الفرنسيين الفلاحين والمماليك، عيوب مشهد سره الباتع»

كتب | وسيم عفيفي

نفذ المخرج خالد يوسف أول مشهد صعب في مسلسل سره الباتع في الحلقة الثالثة منه حيث مواجهة المماليك والفرنسيين على حدود قرية شطانوف، وكانت الصورة مبهرة إلى أبعد درجة، وبمجرد صعود المشهد للترند خضع إلى تحليلات حول الأفكار الأيدولوجية التي طرحها المشهد على لسان شخصية كليمونت (الفنان حسين فهمي)، وخضع أيضًا للنقد بسبب ظهور الكوتشي لأحد المجاميع.

اقرأ أيضًا
“الرحايا” هكذا وصفها سره الباتع فكيف كانت في عيون علماء الحملة الفرنسية؟

إلا أن هناك أمرًا آخر ينبغي التركيز عليه كون أن المشهد سيترك انطباعًا معلوماتيًا، وهو حقيقة مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية وهل كان بنفس الشكل الذي أظهره المسلسل.

القراءة الفنية لمشهد مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية

المخرج خالد يوسف أراد من خلال المشهد أن يوصل رسائل فنية معينة، كان أبرزها ضرورة أن لا يموت شخص من أجل شخص وإلا سيموت (فطيس) والموت من أجل قضية أشرف من الموت من اللاشيء؛ بالإضافة إلى ضرورة اختيار الصف الذي سيؤدي للموت، فرأى في المماليك أنهم لا يستحقون المساندة لأنهم طغوا وتجبروا.

اقرأ أيضًا
جدل أخطاء مسلسل سره الباتع يتكرر “فض الاشتباك بين التاريخ والحبكة”

لكن المشهد وإن كان جيدًا من حيث الشكل الفني، لكنه يخل بالبناء الدرامي الذي يستهدف ترسيخ تلك الرسالة؛ فالمسلسل لم يمهد لما فعله الفرنسيين في الإسكندرية والبحيرة مثلما تكلم عن احتلال القاهرة، وأدى ذلك لتصور البعض أن الفرنسيين نزلوا في الدلتا أولاً حيث شطانوف في المنوفية.

يضاف إلى ذلك أن كره الفلاحين للمماليك هي مسألة حقيقية، لكن المخرج خالد يوسف بالغ في إظهار ذلك أثناء الحملة الفرنسية، وإن كانت الحبكة الدرامية تقتضي ذلك حيث إظهار شخصية حامد وتأثيره، لكن مشهد خوف الفلاحين من القتال وصراخ ذويهم، كان مشهدًا سيئًا لأنه أوصل رسالة حول حالة الخَوْر والجُبْن أكثر من رسالة ضرورة أن لا يموت الشخص في سبيل اللاشيء.

مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية .. الحقيقة هامة

أسطول نابليون

أسطول نابليون

المشهد الفني قوته أكثر من الكتب، وبالتالي فإن المشهد سيرسخ لأشياء لن تكون لها صلة بالتاريخ وأهمها العلاقة بين المماليك والفلاحين في مقاومة الحملة الفرنسية.

كان المماليك والفلاحين في حالة وفاق واتحاد في قتال الفرنسيين في الدلتا قبل ذهاب الحملة إلى القاهرة، وحالة الوحدة التي كانت بين الفلاحين والمماليك لا تعني أنهم على قدم المساواة في القتال، ويمكن إدراك ذلك بمعرفة تفاصيل معركة شبراخيت، والتي كانت ثاني المواجهات المصرية الفرنسية بعد مواجهة الإسكندرية في 2 يوليو 1798م، واندلعت معركة شبراخيت في 13 يوليو من نفس العام.

تشارلز دوجوا

تشارلز دوجوا

أنهى الجيش الفرنسي مهمته في الإسكندرية وتحرك إلى القاهرة، وكانت أولى محطات التعسكر في بلدة الرحمانية إذ عسكر فيها الفرنسيين يوم 10 يوليو لينتظروا قدوم فرقة الجنرال تشارلز دوجوا والتي وصلت بعد يومين ومعها أسطول السفن الفرنسية التي رافقت دوجا عبر النيل وكانت تحت قيادة الكونتراميرال بيري.

مراد بك

مراد بك

حشد مراد بك جيشًا من القاهرة ضم 12 ألف شخص وكان أغلب قوام الجيش مشكلاً من الفلاحيين إذ وصل عددهم إلى 9 آلاف فلاح، فيما كان عدد المماليك 3 آلاف مملوك، وكان سلاحهم العصي.[1]

أونور فيال أحد ضباط فرنسا في شبراخيت

أونور فيال أحد ضباط فرنسا في شبراخيت

كانت الليلة الأخيرة للجيش الفرنسي في البر الغربي لنهر النيل جنوب الرحمانية وشمال شبراخيت حيث قرية منية سلامة والتي اتخذت معسكرًا عامًا لنابليون والذي وضع خطة تقتضي أن يتولى الكونتراميرال بيري حماية ميسرة جيش فرنسا في المعركة الميدانية بأسطوله في النيل، وتأزم موقف الفرنسيين نسبيًا بسبب ريح عاصفة أبعدت سفن أسطول بيري عن الجيش، ليكون أسطول بيري في مواجهة أسطول المماليك الذي كان يحمي ميمنة جيش مراد في شبراخيت.

الجنرال أندريوسي

الجنرال أندريوسي

يقودنا ذلك التفصيل إلى الكلام عن السلاح في الجيشين، فجيش الحملة كان مكونًا من 12 سفينة مسلحة وبضعة مراكب نيلية محملة بالذخائر والمؤن فضلاً عن نقل كتيبة جنود الجنرال أندريوسي والتي تضم عددًا من ضباط الحملة الفرنسية مثل بورين سكرتير نابليون وسوسي مدير مهمات جيش فرنسا مع عدد من علماء الحملة أبرزهم مونج وبروتوليه.[2]

جان لويس إبينيزر رينير - أحد ضباط فرنسا في شبراخيت

جان لويس إبينيزر رينير – أحد ضباط فرنسا في شبراخيت

أما أسطول مراد بك فكان يضم 12 سفينة بقيادة خليل الكريتلي وكان بها مدافع وليس مجرد سيوف وخناجر فقط، ولذا فقد خسر الفرنسيين 7 سفن دفعة واحدة (5 سفن غرقوا + 2 استولى عليها أهالي شبراخيت ومنية سلامة) وُجـِرح سكرتير نابليون.[3]

مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية

خريطة معركة شبراخيت

الهزيمة البحرية التي لقيها مراد بك لم تكن بسبب فارق التسليح بقدر فارق المهارة، إذ أن قنبلة من سفن الحملة الفرنسية انطلقت على مستودع البارود الذي كان محمولاً على إحدى سفن أسطول مراد بك فتحرك موقف جيش مراد، وفي هذا قال أحد ضباط الحملة «لو كان جيش المماليك متدربًا على ضروب القتال الحديثة ويقوده ضباط متعلمون لأمكنهم أن يهزموا الجيش الفرنسي أو لأجبروه على التراجع إلى الإسكندرية».

نابليون بونابرت

نابليون بونابرت

أمر آخر ينبغي الإشارة إليه وهو أن موقف الفلاحين لم يكن على الحياد أو متفرجين، وتظهر أشكال مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية فالأهالي أطلقوا النيران على جنود الحملة وسفنها واستغرق قتالهم مع المماليك 3 ساعات إلى أن حضر نابليون بونابرت وغير في شكل بنية جيشه ليحاصر شبراخيت ومراد بك في آنٍ واحد وبذلك يضمن تحييد الأهالي بالقوة ثم هزيمة مراد بك.

رحلة نابليون للقاهرة بريشة جان ليون جيروم

رحلة نابليون للقاهرة بريشة جان ليون جيروم

بعد انتصار شبراخيت تحرك نابليون للقاهرة فوصل إلى بلدة شابور يوم 14 يوليو 1798م وفي اليوم التالي كان في كوم شريك، ثم قرية علقام ثم قريتي الطرانة وأبو نشابة في 17 يوليو ومنهما إلى قرية وردان يوم 18 يوليو ثم بلدة أم دينار يوم 19 يوليو؛ وفي كل تلك المحطات يظهر جانب آخر من مقاومة الفلاحين للحملة الفرنسية إذ لم يكونوا متخاذلين أو خائفين فقد كانوا يتعقبون فرق جيش فرنسا ويقتلون كل من تخلف عن قوة الجيش الفرنسي من الإعياء والتعب وهو ما اضطر نابليون أن يشدد أوامره أن لا يتخلف أحد عن لُحْمَة جيشه فيكون بمثابة غزالة شاردة وقعت فريسة مثالية لأسد عجوز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] تقرير الجنرال برتييه إلى وزارة الحربية الفرنسية، 24 يوليو 1798م (ترجمه عبدالرحمن الرافعي).
[2] عبدالرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، ط/4، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1374هـ / 1955م، ص195.
[3] عبدالرحمن الجبرتي مظهر التقديس بين زوال دولة الفرنسيس، تحقيق:- عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، ط/1، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998م، ص29.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*