تقرأ في هذا التقرير «تفاصيل قصة علي الزيبق الحقيقية بعيدا عن فاروق الفيشاوي وإلى أي زمن تعود ؟، السير الشعبية ونسب القصة للعصور، الدراما المصرية ونظرتها للمماليك والعثمانيين».
كتب | وسيم عفيفي
اختلف تناول شخصية علي الزيبق من مدرسة وطريقة إلى أخرى، ولعل هذا راجع في المقام الأول إلى أن قصة علي الزيبق الحقيقية ليست سيرة ذاتية تاريخية لكن لها صلة غير مباشرة بالتاريخ ثم صارت من موروثات الثقافة الشعبية.
قصة علي الزيبق الحقيقية بعيدًا عن الدراما والسينما
تاريخيًا فإن قصة علي الزيبق الحقيقية عراقية وليست مصرية فعائلته نشأت في بغداد وكانوا معروفين باسم «العيارين» والذين نشأوا عقب نكبة البرامكة، وكونوا ميليشيا شعبية زمن الحروب الأهلية في خلافات الخليفة المأمون وأخيه الأمين وباتوا بمرور السنوات قوة ضاربة في بغداد.
أول ذكر لاسم علي الزيبق في كتب التاريخ الموثقة كان عبر كتاب «الكامل في التاريخ» للمؤرخ بن الأثير لأحداث القرن الرابع الهجري في بغداد زمن بروز الفاطميين كدولة مستقلة، حيث روى أن علي الزيبق كان زعيمًا أساسيًا مع الطقطقي لفتنة نشأت بين السنة والشيعة في بغداد عام 444 هجرية حيث قال عن تلك السنة «وفيها حدثت فتنة بين السنة والشيعة في بغداد وامتنع الضبط وانتشر العيارون وتسلطوا؛ أي تولوا السلطة وجبوا الأسواق وأخذوا ما كان يأخذه أرباب الأعمال، وكان مقدمهم الطقطقي والزيبق».
قصة علي الزيبق الحقيقية بين السيرة الشعبية والتاريخ
مؤلف السيرة الشعبية لقصة علي الزيبق مجهول، لكن أقدم مخطوطة مصرية مطبوعة على الإطلاق بشأن قصة المقدم علي الزيبق تعود إلى العام 1880 وهي للحافظ أحمد بن عبدالله المصري، وتم قبلها طبع الحكاية في لبنان عام 1866 وحققها الدكتور محمد سيد عبدالتواب لينضم تحقيقه إلى عشرات الدراسات عن قصة علي الزيبق.
ويؤكد الدكتور محمد سيد عبدالتواب أن مخطوط الحافظ أحمد بن عبدالله المصري تتسم بركاكة الصياغة والاكتظاظ بأخطاءٍ في النحو والإملاء واللهجة المصرية، لكن قيمتها الكبرى تكمن في كونها أندر ما تم كتابته عن علي الزيبق والتي تعد النسخة الأصلية لسيرة علي الزيبق المصري.
أدى عدم معرفة أحد بمؤلف السيرة الشعبية المصرية لحكاية علي الزيبق والتي امتزجت مع التاريخ إلى وقوع أخطاء تاريخية جمة، فالسيرة الشعبية لم تهتم إطلاقًا بعنصر الخط الزمني حيث أدخلت شخصية هارون الرشيد كمحور رئيسي في الحكاية رغم أن عصر الدولة العباسية الأولى أقدم من العهد المملوكي.
اقرأ أيضًا
السياسة في أفلام فاروق الفيشاوي بطل رصيف نمرة 5 الجزء 2
وساهم الحافظ أحمد بن عبدالله المصري منقح مخطوطة قصة المقدم علي الزيبق في مسألة اختلاط التاريخ بالسيرة الشعبية لأنه لم يقم بشرح المخطوطة من حيث سندها الحكواتي وخطها الزمني والحدثي.
وأدى كل هذا إلى تطور قصة علي الزيبق الحقيقية في أعمال فنية مصرية أدخلت المماليك مع العثمانيين وأغفلت العباسيين نهائيًا، لكن مؤلف السيرة المجهول اختار عصر هارون الرشيد وأحمد بن طولون، بوصفهما من عصور البطولة الشعبية ومؤرخي الحكام يرونهم سفلة.
الدراما المصرية ونظرتها للمماليك والعثمانيين
بعيدًا عن قصة علي الزيبق الحقيقية وصلتها بمسلسل الفنان فاروق الفيشاوي، فإن الدراما المصرية منذ سبعينيات القرن الماضي ووصولاً إلى عام 2019 م بفيلم الممثل محمد رمضان، أخذت خطًا واضحًا في مسألة اختلاف نظراتها لحكم المماليك شيوخ البلد تحت قيادة العثمانيين كخلفاء عبر قصص الشطار والتناول التاريخي.
أول عمل مصري درامي أدمج التاريخ مع قصص الشطار كان مسلسل مارد الجبل عام 1977 م للفنان نور الشريف الذي جسد شخصية الشاب أحمد الذي يشن ثورة ضد المماليك الذين قتلوا والدته برعاية العثمانيين.
اقرأ أيضًا
«مسلسل تركي يزور تاريخ مصر»
وأظهر المسلسل الأتراك بدور العنجهية في شخصية إبراهيم نصر وكان هذا حقيقيًا في التاريخ لأن غالبية ولاة مصر العثمانيين اتسموا بتلك الخصال.
ثم جاء مسلسل علي الزيبق في عام 1985 م للفنان فاروق الفيشاوي والذي روى سيرة علي الزيبق وحيله ضد سنقر الكلبي الذي يذيق الشعب الويلات في ظل غفلة من السلطان العثماني.
ولو أشار أسامة أنور عكاشة إلى عنجهيتم في والد دولت بمسلسل الشهد والدموع سنة 1983 م أو رجل المافيا عصمت صوناي في ليالي الحلمية الذي مثله بسام رجب سنة 1992م، لكنه أظهر سبب ذلك عبر أرابيسك حين قال حقيقة تاريخية وهي أن السلطان العثماني سليم الأول جرف مصر من كل الحرفيين ليصنعوا مجد تركيا.
ثم مسلسل الحب في عصر الجفاف عام 1989 م هو الذي مثل عهد المماليك والصراع مع العثمانيين خلال حكم علي بك الكبير راويًا أسوأ مراحل التاريخ المصري على الإطلاق دون أن يذكر شخصية الشطار أو أيٍ من ألاعيبهم.
يبقى مسلسل أشرف عبدالباقي ملاعيب شيحا هو الأكثر اختلافًا عن بقية الأعمال الدرامية التي تناولت قصص الشطار إذ أنه اختار آخر العصر الأيوبي في عهد الصالح نجم الدين أيوب والذي روى قصة الشاطر جمال الدين شيحة ودوره ضد الصليبيين.