تقرأ في هذا التقرير «لماذا كان احتفال ليلة رؤية رمضان يُسَمَّى بـ ليلة النسوان، مواكب الرؤية في مصر العثمانية ونسق عملها، أماكن ومصطلحات الاحتفال»
كتب | وسيم عفيفي
تتم عملية استطلاع هلال رمضان يوم 29 شعبان بتحري رؤية هلال شهر رمضان فإن تأكدت رؤيته تحدد تاريخ بدء الشهر، وإن لم تتم رؤيته فيتم إكمال الشهر 30 يومًا.
أول من استطلع رؤية رمضان
تاريخيًا لم يتفق المؤرخين حول أول من قام باستطلاع هلال رمضان في مصر، ففي كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للإمام السيوطي، جاء أن أول من خرج لرؤية الهلال في مصر كان القاضي غوث بن سليمان الحضرمي قاضي القضاة في مصر زمن أبي جعفر المنصور العباسي، أما كتاب ولاة مصر وقضاتها للكندي فجاء فيه أن أول من خرج من القضاة لرؤية الهلال كان عبدالرحمن بن عبدالله بن لهيعة الذي تولى القضاء زمن العباسيين.
احتفال ليلة رؤية رمضان وسبب تسميتها بـ عيد النسوان
كان احتفال رؤية رمضان في مصر زمن العثمانيين يتسم بمهابة كبيرة أضفت رونقًا عظيمًا لذلك اليوم الذي تهتز فيه القاهرة عن بكرة أبيها.
كانت تلك الليلة تسمى بـ ليلة المحتسب، وهو الرجل الذي كان يتولى شئون البلديات والمرافق قبل العثمانيين، ثم تولى الإشراف على مجال الاقتصاد، وكان هو المسئول الأول عن احتفال رؤية رمضان.
كان العامة في مصر يقومون بتسمية تلك الليلة بـ عيد النسوان ويرجع ذلك لأن أكثر الذين يحضرون الحفل من النساء واللاتي كن يشاهدن الموكب ويتراصون لرؤيته، وذلك راجع لأنه في شروط إتمام عقد الزواج أن تلتزم النسوة في مصر بحضور احتفال ليلة رؤية رمضان، وكن يقمن باستئجار الحوانيت في الأسواق وأحيانًا يتجهن لبيوت معارفهن التي تتلاصق مع الأماكن التي سيمر عبرها موكب الرؤية.
لماذا جاءت فكرة حفل الرؤية ؟
السبب الرئيسي في وجود حفل لرؤية هلال رمضان، أنه في أواخر العصر المملوكي حدث شك في غرة شهر رمضان وعجز العلماء عن تحديده، إلى أن تم الاتفاق بين العلماء والأعيان والعلماء على أن تحديد الغرة سيكون من اختصاص المحتسب، وفي ليلة 29 شعبان أرسلوا المحتسب إلى شيخ المسلمين وينبهون عليه بأن يستطلع خبر يوم الشك بصحبة قاضي العسكر، وهكذا يقوم المحتسب بموكبه بأخذ الخبر اليقين من قاضي العسكر ويبشر به السلطان أو الباشا.
تفاصيل احتفال ليلة الرؤية في مصر العثمانية
خلال دراسته الاحتفالات الرمضانية في مصر في العصر الحديث، استعرض الدكتور شوقي عبدالقوي عثمان حبيب شكل احتفالات رؤية رمضان زمن الدولة العثمانية داخل مصر.
في ليلة الرؤية التي تسمى ليلة يوم الشك يخرج المحتسب ومعه رئيس الشرطة وكل منهما معه 500 من خيرة رجالهما في موكب عظيم وتصحبهما فرقة موسيقية تقرع الطبول ويدخل الموكب من باب العزب وبعد صلاة العصر يصل الموكب مقر الباشا في القلعة أو يصعدان إليه في ديوان الغوري.
عندما يدخل المحتسب ورئيس الشرطة إلى الوالي يقومان بتقبيل الأرض ويقفان في ثبات وفي الحال يأمر الباشا بإلباس المحتسب حلة فاخرة موشاة بالذهب والفضة ويقوم الباشا ويضع بيديه العمامة السليمية فوق رأس المحتسب ويزينها بريشتين من المجوهرات السلطانية ثم يقوم بالتنبيه عليه بأن يبلغ السلام إلى علماء الدين وشيوخ المذاهب الأربعة وقاضي العسكر ويطلب منه أن يتبين الأمر وهل غدًا هو غرة رمضان أم لا وينبه عليه أن يعرف الخبر ويزفه إليه.
في البداية يقوم رئيس الشرطة مع الجلادين بتطهير الطريق ويمرون بالموكب في حضور الباشا وبعد ذلك يمر بموكب التاتار ـ رجال البريد ـ ، والدلاة ـ الخيالة ـ وموكب المتطوعين وموكب الجاشنكير الذي يعني بمائدة السلطان أو الباشا، وموكب الكلارجية ـ مسئولي مخازن المواد الغذائية -، وموكب المهتار ـ حامل بشائر رتب الباشا ـ، وموكب السراجين وموكب واجب الرعاية ـ أبناء الصدور العظام ـ وموكب رؤساء القابجية كبار البوابين، وفرشان الباشا، وكانت مهتار خانة ـ تخت الموسيقيات ـ يقمن بدق وعزف الموسيقى بينما تمر المواكب في حضرة الباشا وتنزل من القلعة.
تنزل المواكب وفقا لهذا الترتيب من باب الوزير بصحبة 200 جندي، وعند صلاة المركب تأتي هذه المواكب أمام جامع محمود في ميدان الروملي ويؤدي المحتسب صلاة لمغرب ثم يتم إعلان ليلة الرؤية.