تقرأ في هذا التقرير «تاريخ الآثار النبوية في مصر .. بدايتها ؟، المماليك ومقتنيات الرسول الرعاية بعد السياسة ؟، سليم الأول ومقتنيات الرسول كيف أخذها ؟»
كتب | وسيم عفيفي
أعطت المدينة المنورة جميع عناصر القوة الروحية للدولة الراشدة سياسيًا فكانت هي حاضرة الخلفاء الأربعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومع بدء الحكم العضود الذي أخذ اسم الخلافة تنوعت عواصم الخلافات المتعددة من دمشق إلى بغداد إلى مصر ثم تركيا؛ فكانت أجزاءًا من مقتنيات الرسول هي العنصر الآخر للقوة الروحية التي يأخذها الخليفة، فشرعيته تبدأ بها في مراسم التنصيب واحتفاظه بها.
ما هي الآثار النبوية في مصر قبل وبعد العثمانيين
تفصيل الآثار النبوية يبدأ من ترسيخ قاعدة تاريخية «جزء من هذه المقتنيات لها أبعاد سياسية في مراسم تنصيب الخليفة وهو ما تم في كل دول الخلافة، وجزء منها خضع للبيع والشراء والاسترداد وهو ما جرى زمن الدولة العباسية والدويلات المنشقة عن تبعيتها».
اقرأ أيضًا
تراثيات ممالك النار
إجمالاً فإن عدد مقتنيات الآثار النبوي التي في مصر أو وردت لها قبل وأثناء عهد العثمانيين 21 من آثاره الشريفة وبعد دخول العثمانيين مصر في عهد سليم الأول صارت 6 مقتنيات والباقي تم أخذه من مصر وجُعِل له قسم خاص في متحف متحف طوب كابي بتركيا.
اقرأ أيضًا
سليم الأول وقتل إخوته «التاريخ الأبشع من مسلسل ممالك النار»
الـ 21 أثر من الآثار النبوية قبل العثمانيين هم «سن من الأسنان النبوية، نعلان، عباءة، حجرين عليهما أثر القدم، 3 سيوف، قبضة سيف، قوس نبوي، لواء نبوي، خِتْم نبوي، عمامة نبوية، 3 قطع نسيج، المكحلة، مِرْود، قميص، خصيلات من شعر الرأس، خصيلات من شعر اللحية، قطعة من العصا».
اقرأ أيضًا
الرد على أخطاء فيديو حقيقة قانون قتل الإخوة لـ ديو TV محمود سالم
الـ 6 المتبقين من الآثار النبوية في مصر بعد رحيل سليم الأول عنها هم «سيف العضب، قطعة من العصا، المكحلة، المِرْوَد، خصيلات شعر الرأس، خصيلات شعر اللحية، القميص».
كيف انتقلت الآثار النبوية إلى مصر أصلاً ؟
بالأساس فإن كافة الآثار النبوية كانت في المدينة المنورة بجعبة من انتمى للنسب الهاشمي إلا العباءة «البُرْدة النبوية» فقد كانت مع كعب بن زهير واشتراها منه معاوية بن أبي سفيان لتكون هي رمز تتويج الخليفة ليأخذها أبو العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية بـ 300 دينار من سعيد بن خالد بن أبي أوفى عامل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية؛ أما بقية الآثار النبوية فقد أخذها العباسيين بمجرد استقرار دولتهم في بغداد.
اقرأ أيضًا
الجهاردية «حكاية تنظيم ديني سياسي باقٍ إلى يوم القيامة»
أثر وحيد من المقتنيات النبوية سُرِق من العباسيين وهو السيف النبوي الذي اشتراه الفاطميين من تجار العراق بعد ثورة ضد المستنصر العباسي وتم شراءه منهم وبقي في بغداد، وأثر وحيد مُقَلَّد وهو الخِتْم النبوي الذي سقط من اصبع عثمان بن عفان فقام بعمل واحدٍ مثله وعلى نهجه كل الخلفاء؛ وبقية الآثار النبوية لدى العباسيين في العراق حتى زوال دولتهم من بغداد على يد المغول.
انتهى أمر المغول على يد قطز في بداية عصر المماليك وبعد قتله على يد بيبرس أراد الأخير اكتساب شرعية روحية سياسية لدولة المماليك فقرر إعادة الخلافة العباسية وجعل عاصمتها مصر بصورة شكلية لا تنفيذية، فرحل خلفاء العباسيين إلى القاهرة بكافة المقتنيات النبوية.
أماكن حفظ الآثار النبوية في مصر قبل عصر العثمانيين
احتفظ خلفاء العباسيين في مصر بالآثار النبوية داخل منازلهم المخصصة لهم حتى جاء عهد الناصر محمد بن قلاوون ويقوم تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن حِنَّا ببناء مسجد لها عُرِف باسم رباط الآثار وهو المعروف حاليًا باسم «جامع أثر النبي»؛ فمات دون أن يكمله ليكمل بناءه الفقيه عز الدين بن مسكين ويتمم بناءه ناصر الدين بن تاج الدين محمد الصاحب.
بقيت الآثار النبوية في مسجد رباط الآثار «أثر النبي» منذ عام 1307 م في عهد الناصر محمد بن قلاوون حتى عهد قانصوه الغوري والذي نقلها إلى مدرسته المشهورة الآن بمجموعة الغوري.
أخذ سليم الأول كمية من الآثار النبوية في مصر عام 1517 م وبقي منها 6 أشياء ظلت داخل الغورية حتى نُقِلَت إلى مسجد السيدة زينب ومنه إلى القلعة عام 1859 م ومن القلعة إلى قصر عابدين عام 1887 م لتستقر في عام 1888 م داخل مسجد الحسين حتى اليوم.
كيف أخذ سليم الأول الآثار النبوية ولماذا لم يتمكن من الباقي
مع دخول العثمانيين إلى مصر لم تسلم المساجد القاهرية من النهب لأن عناية المماليك بمساجد القاهرة كانت تتم بتزيين أبواب المساجد بالأحجار الكريمة عمدان الشمع ومقصورات الأضرحة بالفضة.
يفصل بن إياس وقائع القتل والنهب عبر 8 صفحات من الجزء الخامس في تاريخه، حيث تم نهب كل شيء من جوامع «الأزهر، طولون، الحاكم بأمر الله، السيدة نفيسة»؛ فضلاً عن المساجد الأثرية الأخرى التي قتلوا من خلالها المئات من الناس مثل مسجد المؤيد شيخ؛ بالإضافة لنهب المدارس التي كان من ضمنها مدرسة الغوري التي تحتفظ بالآثار النبوية.
اقرأ أيضًا
ثلاث أسباب تجعل تاريخ بن إياس موثوقًا فيه لمعرفة نهاية المماليك
الأثار النبوية في مصر التي تمكن سليم الأول منها كانت نوعين أولهما الموجود في داخلها وهما صنفين أحدهما بحوزة الخليفة العباسي بمنزله والأخرى داخل المدرسة الغورية؛ أما النوع الثاني فكان مقتنيات النبي الوافدة إلى مصر.
اقرأ أيضًا
تاريخ زوجة طومان باي «نهايتها مأساوية بسبب خيانة جاريتها»
الموجود من الآثار النبوية بحوزة آخر خلفاء العباسيين هو راية نبوية وسيفًا وبُرْدة وكان يستخدمهم العباسيين في تنصيب السلطان المملوكي، فأخذ سليم الأول آخر خلفاء بني العباس تلك المقتنيات وجعله يتنازل عن الخلافة لصالح العثمانيين أعلن سليم الأول نفسه خليفة وأعلن علماء الأزهر عدم جواز هذا المنصب على سليم الأول لأن من شروط الخلافة أن يكون الخليفة قريشًا وهو مالم يتوفر في سليم، فدخلوا في مقاومة مسلحة مع طومان باي ومَثَّل الأزهريين فيها مشايخ المذاهب الأربعة كمال الدين الطويل الشافعي، ويحيى الدميري المالكي، وأحمد الفتوحي الحنبلي، وحسام الدين بن الشحنة الحنفي، وتلامذتهم وقد قُتِل الكثيرون منهم.
أما الآثار الوافدة إلى مصر فكانت بصحبة الشريف بركات شريف مكة والذي أرسل له سليم الأول معلنًا سقوط دولتي المماليك والعباسيين بالقاهرة وأمره بالدخول في طاعته وإعلان البيعة له ومعه التقادم الفاخرة التي فسرها تيمور باشا في شرحه لتاريخ بن إياس بأنها الآثار النبوية.
أما الآثار النبوية في مصر التي لم يأخذها سليم الأول وهي الباقية الآن فكاد أن يأخذها لولا حادث تعرض له في أواخر يوليو 1517 الموافق جمادى الثانية 923 حيث يذكر بن إياس أنه نزل في مركبٍ من الجيزة واتجه صوب الآثار النبوية فأتت عليه رياح أوقعته وكاد أن يغرق لولا أن أنقذه جنوده؛ وينص ابن إياس على أن سليم الأول حينها كان شاربًا للخمر؛ فلم ينجح في التمكن من أخذ بقية الآثار النبوية في الغورية واكتفى بآثار النبي لدى الخليفة العباسي وشريف مكة.