الجهاردية «حكاية تنظيم ديني سياسي باقٍ إلى يوم القيامة»

تقرأ في هذا التقرير «قصة الجهاردية حقيقة أم من خيال مؤلف ممالك النار ؟، فكرة الجهاردية مكررة وستتكرر ؟، روح الجهاردية ليست حكرًا على الإسلام فقط !».

كتب | وسيم عفيفي

حلت الحلقتين السادسة والسابعة من مسلسل ممالك النار لغز الملثمين الذين ظهروا في بدايات المسلسل ليتضح أن اسمهم الجهاردية وهي فئة لها طقوسها وتعتنق مسألة الإمام الملخص المهدي المنتظر الذي سيخرج آخر الزمان ويقيم دولة الخلافة.

اقرأ أيضًا 
تراثيات ممالك النار

ووضح الكامل الذي يجسد قائد الجهاردية تفاصيل أيدولوجيته بقوله « للخرافة أصل في الحقيقة نحارب من أجل المختار قاصد الدم، من سيعجل بخلاص الدنيا، ويغزو الشرق ويحافظ على الأماكن المقدسة ويوحد الإسلام تحت راية واحدة، عندما نتغلب سيظهر الحق من الباطل».

تاريخيًا لا وجود لتنظيم باسم الجهاردية لكن وُجِدَت تنظيمات متعددة تعتنق نفس الأفكار قبل الدولة العثمانية وأثناءها وبعدها وحتى الآن؛ ولم يفصح مسلسل ممالك النار عن معنى اسم الجهاردية، لكنه أظهر جانبًا من معانيها عبر عنها قائدهم في لقاءه بسليم الأول حول الإيمان بفكرة المهدي المخلص في آخر الزمان الذي يملئ العدل.

الجهاردية .. من هم وتطورهم ؟

قامت دول بفكرة روح الجهاردية وانهارت دول بنفس الفكرة، وتطورت المسألة من مجرد تنظيم ديني مُأدلج بأيدولوجية دينية، إلى تنظيم مسلح يدعم دولاً وإمبراطوريات؛ والعجيب أن تلك الفكرة ليست حكرًا على الإسلام وإنما اتخذها بعض غير المسلمين أيضًا.

أول ظهور لتنظيم يعتنق فكرة المهدي آخر الزمان كانت على يد المختار الثقفي صاحب الحركة الكيسانية، والكيسانية من كلمة كياسة وهو وصف علي بن أبي طالب للمختار الثقفي حين كان طفلاً بأنه كَيِّس.

اقرأ أيضًا 
“المختار الثقفي وإدعاء النبوة” شائعة تاريخية برأه منها علماء أهل السُنَّة

أراد المختار الثقفي الثأر من قتلة الإمام الحسين في ثورة دينية مسلحة كان شعارها «يالثارت الحسين»، لكن ما كان ينقصه هو الموافقة على تلك الثورة من أصحاب الدم فقال أن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب هو الإمام وهو المهدي، وإن كان لم يقصد أنه إمام آخر الزمان لكن صارت الكلمة صكًا لثورة المختار.

انتهت ثورة المختار بقتل 100 متورط في دم الحسين ثم جعلت المختار حاكمًا على الكوفة بصك الكيسانية والإمام المخلص، لتنتهي دولته على يد آل الزبير ويُقْتَل من الطرفين 10 آلاف شخص منهم 6 آلاف من أسرى جند المختار.

روح الجهاردية زمن العباسيين

عادت فكرة الاعتقاد في الإمام المخلص مع الدعوة لبني العباس فأخذوا لقب المهديين والمهداوية من العلويين الذين تحالفوا معهم للانقضاض على الأمويين، لتنهار الدولة الأموية ويصير أبو العباس السفاح هو أول خلفاء العباسيين.

كان الصدام بين العباسيين والعلويين واقعًا لا محالة، فكانت المهدية حاضرة لدى العباسيين حين قتلوا حلفاءهم القدامى ولم يستثنوا من القتل حتى آل البيت، ثم أطلقوا اسم المهدي على أحد حلفاءهم وهو المهدي والد هارون الرشيد.

مع منتصف العهد العباسي تجددت دماء فكرة الاعتقاد بالمهدي على طريقة الجهاردية لكن عبر مجتمع آخر وهو البربر إذ نشطت الأفكار في بلادهم وأدت إلى ظهور الدولة الفاطمية على يد عبيد الله الذي ألصق اسم المهدي فيه مع داعيه عبدالله الشيعي وتمكنا من إقامة الدولة الفاطمية ثم قام عبيدالله المهدي بقتل داعيه.

لما استقرت الدولة الفاطمية في مصر بما تشربته من فكرة المهدي انبثق تنظيمين لهما أعظم الأثر في الترويج للفكرة المهدية، كان أولهما جماعة إخوان الصفاء وخلان الوفاء وكل مساهماتهم فكرية فلسفية باطنية بحتة؛ أما ثانيهما فكان الحشاشين وهم تنظيم ديني مسلح أخذ من فكرة المهدي دافعًا لدعم الحاكم.

هددت مصر عاصمة الفاطميين عرش العباسيين داخل حاضرتهم بغداد حيث نشبت ثورة أيضًا بسبب المهدي عن طريق أرسلان أبو الحارث البساسيري التركي الذي أعلن ثورة مسلحة لدعم الخليفة الفاطمي وقُتِل في ثورته تلك الآلاف يقينًا بأن المستنصر بالله هو المهدي، وانتهت تلك الثورة بقتل البساسيري التركي في تحالف العباسيين والسلاجقة.

بعيدًا عن مصر نشأت جماعات أخرى أخذت من فكرة المخلص سببًا لقيام الدول، فظهر محمد بن تومرت متخذًا من فكرة المهدي سبيلاً فأقام دولة الموحدين في المغرب، وشهدت دولة الموحدين اقتتالاً داخليًا على مسألة المهدي، فحين قام المنصور بن أبي عامر الحاجب بالحرب ضد المعارضة جعل اسم المهدي لصيقًا باسمه ولما مات وتولى ابنه مكانه سمى نفسه بعبدالرحمن المهدي فقاتله محمد بن هشام ملقبًا نفسه المهدي.

الجهاردية في الدولة العثمانية .. نشأة صوفية

ساهم عصر سليم الأول في تأجيج فكرة أنه الشبيه للإمام المخلص ليس لشيء سوى أنه هزم المماليك في مرج دابق وكانت هزيمته لهم وسيلة معنوية قوية خلال حكمه لأن أرض دابق مرتبطة بمعارك آخر الزمان من حديث رسول الله القائل «لاتقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق -أو بدابِقَ-، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ».

يشير المؤرخ محمد فؤاد الكوبريللي في كتابه «قيام الدولة العثمانية» عن نشأة تنظيم برعاية من الدولة العثمانية قبل عصر سليم الأول بسنوات وبعده أيضًا عُرِف باسم «جماعة الآخية» وكانت تعتقد في مسألة المهدي خصوصًا بعد وفاة محمد جونبوري الهندي الذي ادعى أنه المهدي، ولما انتصر سليم في دابق نشأ نظام الفتوة كما يشير أحمد أمين بكتابه عن حركة المهدي وكان نظام المهدية هذا مزجًا بين التصوف والتشيع فنشأت فرق صوفية مثل الحروفية و القلندرية والبكتاشية و اليسوية والأبدالية وكلهم كانوا على عداء مع المماليك.

كان التصوف لدى مماليك مصر غير العثمانيين، فطرق الصوفية المصرية كلها تعتقد في المهدي المنتظر الاعتقاد الديني لا السياسي، غير أن العثمانيين دعموا الطرق الصوفية ذات الأبعاد الشيعية الباطنية وسلحت بعضهم في بعض الأحيان.

الغريب أن أعداء العثمانيين وهم البرتغاليين استنسخوا فكرة المخلص من المسلمين حيث جعلوا ماكسمليان الثاني زوج خالة الملك البرتغالي هو المخلص لهم من المسلمين.

روح الجهاردية في العصر الحديث

ادعى كثيرون خلال العصور الحديثة والمعاصرة فكرة المهدي وأخذ بعضهم شقًا عقائديًا مثل طائفة القاديانية، لكن في السودان وقعت ثورة مسلحة دامية عُرِفَت باسم الثورة المهدية واستمرت 18 سنة وهي بدء انهيار السودان من لحظتها.

ولم تسلم بلاد الحرمين من فكرة المهدي فداخل المملكة العربية السعودية وقع اقتحام الحرم المكي عام 1979 م حين أعلن جهيمان العتيبي بالقوة المسلحة داخل الحرم المكي أن صهره محمد بن عبدالله هو الإمام المهدي، وانتهت فكرة المهدي بالحرم المكي بقتل 312 شخص نصفهم حول الكعبة.

آخر من أعلن فكرة الاعتقاد بالمهدي هو تنظيم داعش الإرهابي الذي أخذ من اسم دابق عنوانًا لمنبره الإعلامي، فيما راحت مجلة النبأ الداعشية بعد مقتل أبي بكر البغدادي للترويج عن فكرة ظهور المهدي والذي يخرج من بينهم ـ حسب زعمهم ـ.

لماذا لا تنشط فكرة الاعتقاد المسلح بالمهدي في مصر

بقراءة التاريخ نجد أن مصر شهدت ظهور أشخاص يعتقدون أنهم هم المهدي لإثارة الجدل تارة وللفرقعة الإعلامية تارة أخرى، ولم تظهر فكرة الجهاردية المسلحة إلا زمن الفاطميين، وحاليًا هي كشعب ودولة عبارة عن بيئة غير صالحة لمثل تلك الأفكار المسلحة، كون أنها لم تقم على الطائفية فضلاً عن أن جيشها نفسه لم يتم تأسيسه على نزعات طائفية أو عرقية أو قبيلة وهي ظروف تتيح للحركات المسلحة التحرك بأريحية.