تقرأ في هذا التقرير «ما أخطاء مسلسل ممالك النار في الحلقة الأولى ، الرد على التشكيك في قوانين محمد الفاتح، مسألة قتل الفاتح لإخوته، سليم الأول والحلق ما الحقيقة ؟»
كتب | وسيم عفيفي
جاء عرض مسلسل ممالك النار تزامنًا مع عدد من المسلسلات التركية المكتظة بالأخطاء التاريخية عثمانيًا وإسلاميًا وعربيًا ومصريًا؛ غير أن مسلسل ممالك النار وقع في نفس الخطايا التاريخية التي وقعت بها الدراما التركية.
اقرأ أيضًا
«مسلسل تركي يزور تاريخ مصر» الملك فؤاد صهر روتشليد وخادمه أحمد عرابي
أما المفتونون بتاريخ الدولة العثمانية فمن خلال أطروحاتهم عبر السوشيال ميديا، ظهر واضحًا أن نقدهم جاء من الهوى تارةً ومن تأثرهم الدرامي تارةً أخرى؛ وبعيدًا عن هذا وذاك ينشر موقع تراثيات أخطاء مسلسل ممالك النار في الحلقة الأولى والصحيح من نفس الحلقة بعيدًا عن أي شيء.
أخطاء مسلسل ممالك النار في الحلقة الأولى في وفاة محمد الفاتح
أمران تاريخيان يخصان محمد الفاتح في مسلسل ممالك النار أحدهما متعلق بالوفاة والآخر متعلق بمسألة قتل الإخوة وقيامه بقتل أخيه الرضيع، وقد أثار كلاهما جدلاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ما يتعلق بشأن وفاة محمد الفاتح فإن الحلقة الأولى وقعت في خطأين، أولهما أن محمد الفاتح حين مات لم يكن طاعنًا في السن وإنما مات قبل أن يبلغ الستين وكان عمره وقت رحيله 52 سنة، ويؤكد هذا أيضًا جينتيلي بيليني الرسام الإيطالي الذي رقم صورة له عام 1480 م.
أما الخطأ الثاني في وفاة محمد الفاتح أنه لم يمت في مدينة مال تبة كما ذكر المسلسل، وإنما توفي في مدينة كوكالي بمحافظة قوجة إيلي في اسطنبول؛ ومصدر تلك المعلومة المؤرخ الألماني فرانز بابنجر والذي تخصص في تأريخ عهد محمد الفاتح وعليه تقوم كافة كتب التاريخ العثماني الموالية.
مسألة قتل الإخوة وقانون محمد الفاتح .. ما الصحيح والخطأ ؟
تبارى المؤيدين للدولة العثمانية عبر السوشيال ميديا للدفاع عن محمد الفاتح بنفي مسألة قانونه ومسألة قتل الإخوة فضلاً عن قيامه بقتل أخيه الرضيع، واستندوا في ذلك إلى عدة أدلة تاريخية للرد بها على مسلسل ممالك النار.
حجة الذين نفوا قوانين محمد الفاتح
وَضِعَت قوانين في عهد محمد الفاتح موجودة في مكتبة فيينا برقم A.F554، ونفى اثنين من رجال القانون صحة نسب هذه النسخة للسلطان محمد الفاتح وكان أولهما هو علي همت بركي الأقسي «رئيس محكمة النقض في اسطنبول» بحجة أنه شخصية متدينة وقام الغرب بتشويه صورته بعد قيام جمهورية أتاتورك ووضعوا هذه النسخة في مكتبة فيينا؛ أما الثاني فكان المستشرق كونراد ديلكار والذي قال أن هذه القوانين كُتِبت بعد عهد محمد الفاتح ثم نسبت إليه بحجة أن أساليبها مختلفة عن أساليب عهد الفاتح، وقامت جمهورية أتاتورك بتشويهها بعد سقوط العثمانيين.
الصحيح في مسألة قانون محمد الفاتح
أما الرد على تشكيك الطرفين فيبدأ من أنه تاريخيًا صدر 75 قانون في عهد محمد الفاتح ولم تُسمى بـ «قانون قتل الإخوة» وهو اسم مستحدث بسبب المادة الأولى من الـ 75 قانون والتي تجيز قتل الإخوة ونصها «إذا تيسرت السلطنة لأي ولد من أولادي فيكون مناسبًا قتل إخوته في سبيل تأسيس نظام العالم وقد أجاز هذا معظم العلماء فيجب العمل به».
ورغم أن الجمهورية التركية ناصبت العداء للتراث العثماني، لكن كتب قوانينها لم تمس حيث أن قوانين السلاطين بما فيهم محمد الفاتح موجودة في مكتبات أخرى بنسخٍ أقدم من سقوط الدولة العثمانية بقرون.
نسخ قوانين محمد الفاتح موجودة في مكتبة فيينا بتاريخ 1620 ميلادي برقم A.F554 ونسخها رجل القانون في الدولة العثمانية محمد عارف بك، كذلك توجد نسخة أخرى في كتاب بدائع الوقائع لـ حسين أفندي أحد أكبر رؤساء كتابة التاريخ العثماني وقد ذكر أنه نسخ هذه القوانين سنة 1613 من النسخة الأصلية الموجودة في الديوان الهمايوني الخاص، كذلك توجد نسخة ثالثة تم كتابتها سنة 1672 على يد هزارفن حسين رجل القانون في الدولة العثمانية داخل كتابه «تلخيص البيان في قوانين آل عثمان».
أما المؤرخين العثمانيين الأقحاح الذين أكدوا صحة هذه القوانين للسلطان محمد الفاتح فكانوا «إدريس البتليسي» مؤرخ الدولة العثمانية زمن السلطان سليم الأول في كتابه «هَشت بِهْشِت» وكتابه «قانون شَهِنْشاهي» وسبب تسميته بذلك الاسم نشر القوانين في بلاد إيران خلال فترة صراع سليم الأول من الصفويين؛ كذلك ذكر المؤرخ العثماني «كليبولولو علي مصطفى أفندي» نقل هذه القوانين في كتابه «كنه الأخبار» وعنونها بـ «قوانين أبو الفتح».
حقيقة قيام محمد الفاتح بقتل أخيه الرضيع واخوته الثلاثة
مسألة قيام محمد الفاتح بقتل أخيه الصغير، محط خلاف بين مؤيدي الدولة العثمانية ومعارضيها، بل إن جزءًا من مؤيدي الدولة العثمانية لم ينفوا الواقعة لكنهم لم يقدموا دليلاً ماديًا على ذلك، مثل أحمد آق كوندز وسعيد أوزتوك في كتابهما «تاريخ الدولة العثمانية المجهولة» حيث قالا ص 141 «يحتمل أن السلطان محمد الفاتح طبق القانون الذي وضعه وقتل شقيقه الصغير أحمد للمحافظة على نظام العالم»؛ لكنهما نفيا في نفس الفقرة قيام الفاتح بقتل أخيه الصغير لأن شخصيته ليس كهذا.
والصحيح في تلك المسألة تاريخيًا عدم قيام الفاتح بقتل أخيه بشهادة غلاة أعداء الدولة العثمانية وكارهيها وعلى رأسهم المؤرخ الروسي أنتيوخ ديمتريفتش كانتمير والذي نفى مسألة قيام قتل الفاتح لأخيه لأن مراد الثاني حين مات كان كل أولاده قد توفوا عدا نجله محمد الفاتح أما أحمد فكان واليًا على آماصيا ومات هناك.
أما محمد نامق كمال أحد الآباء الروحيين لـ مصطفى كمال أتاتورك فقال «قام أفرانوس زاده علي بك» بقتل الأمير أحمد وعاقبه الفاتح على جريمته بإعدامه».
من أخطاء مسلسل ممالك النار في الحلقة الأولى قول المعلق «في عام 1451 وصل السلطان محمد بن مراد الشهير بالفاتح إلى عرش السلطانة العثمانية بعد قتاله مع ثلاثة من إخوته»، والصحيح أن محمد الفاتح تولى عرش السلطنة دون صراع مع إخوته ليس لأن والده هو من تنازل عن عرشه له بعد كِبَر سنه وإنما لأن العام 1451 لم يكن لـ محمد الفاتح 3 إخوة وإنما اثنين هما حسن جلبي وأورخان جلبي وكلاهما لم يدخلان في قتال معه.
أما الذي خاض صراعًا مع إخوته الثلاثة فكان محمد الأول بن بايزيد الأول وليس محمد الثاني الفاتح بن مراد الثاني، وتم هذا الصراع بين محمد الأول وإخوته سليمان وموسى وعيسى.
سليم الأول والحلق وقتل ابن عمه
من أخطاء مسلسل ممالك النار في الحلقة الأولى إظهار سليم الأول وهو يقتل ابن عمه أوجوز بن جم عبر كسر رقبته أثناء هربه، وهذا غير صحيح على الإطلاق لأن جم كان له ولدين هما مراد وعبدالله ولم يكن لديه غيرهما.
أما شكل الحلق الذي وُجِد في أذن سليم الأول فلا يوجد دليل مادي من كتب الدولة العثمانية المعارضة والمؤيدة على ارتداء سليم للحلق.
اقرأ أيضًا
لبنان والدولة العثمانية «حقيقة ما جاء بالمسلسل التركي قطاع الطرق»
أما المصدر الوحيد لشكله بالحلق فهو راجع إلى رسمة مجرية محفوظة في متحف «طوپ قپو» باسطنبول برقم 66/17؛ لكن الصحيح طبقًا للكتب ورسومات سليم الأول في تركيا ومصر أنه لم يكن يرتدي قِرْط في أذنه.
طومان باي .. هل ضمن أخطاء مسلسل ممالك النار في الحلقة الأولى
ظهر الطفل طومان باي باسم طوما بمدينة شركاسيا في آسيا الوسطى، ورغم عدم وجود دليل على جذور طومان باي ككل المماليك لكن وجه الموالين للتاريخ العثماني نقدًا لمشهد القاهرة حين قال جالب طومان باي «سميت بالقاهرة لأنها تقهر الأعداء».
والصحيح في سبب تسمية المدينة بالقاهرة أن وقت بناءها كان مع ظهور نجم القاهر وسماها جوهر بمدينة المنصورية ولما دخلها المعز سماها القاهرة استنباطًا من رسالة كان أرسلها إلى جوهر الصقلي وأوردها المقريزي في كتابه «اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا» حيث قال المعز لدين الله في رسالته «لتنزلن خرائب بن طولون ولتبنين مدينة تقهر الدنيا».
مشهد صلاح الدين والقلعة
من ضمن أخطاء مسلسل ممالك النار في الحلقة الأولى مشهد الطفل طوما مع الطفل جمال حيث قال الأخير أن صلاح الدين الأيوبي قام ببناء القلعة والصحيح أن صلاح الدين لم يكن باني القلعة فقد مات قبل أن تكتمل؛ كذلك فإن الجملة التي قالها الطفل جمال عن صلاح الدين «أتى عبر البحار من مكان بعيد كحال المماليك الذين أتوا جميعهم من مكان بعيد» جملة غير دقيقة تاريخيًا فهو جاء برًا من دمشق بهدف إسقاط الفاطميين لعمالتهم مع الصليبيين وكان الأجدر بالمؤلف أن يذكر هذه الجزئية تحديدًا نظرًا لكمية مبالغات وأخطاء الدراما التركية فنيًا في تصوير التصدي للصليبيين ذلك التصور الذي أغفل دور صلاح الدين والمماليك.