تقرأ في هذا التقرير «ترجمة الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني في ذكراه، العمل في السد وأتون مرحلة الثمانينيات، مرحلة ما بعد الوالد، يوم الرحيل وحسن الخاتمة»
كتب | وسيم عفيفي
في ليلة ربيعية ولد الشيخ أحمد محمد الحافظ يوم 1 سبتمبر من العام 1939 م واستقبله والده بحفاوة لأنه خفف عليه الأجواء المتوترة بالقاهرة القابعة تحت سيطرة الإنجليز الذين أعلنوا الطوارئ في ذلك اليوم وقيدوا حركة الجميع بعد ورود أنباء غزو هتلر لبولندا كخطوة أولى في مواجهة بريطانيا.
اقرأ أيضًا
الزاوية التجانية في المغربلين «مؤسسها قاوم التنصير والإنجليز»
لم يكن شعور التجانية الذاهبين إلى زاوية المغربلين مختلفًا عن شعور شيخهم فالمولود الجديد أعطى لهم سعادة هدأت خواطرهم المشغولة بإخوانهم في المغرب والجزائر الذين سيعانون من مفرمة الحرب العالمية الثانية.
سيرة ونشأة الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني
يتصل نسب الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني إلى الإمام الحسين بن علي وكانت أسرته شديدة التدين والعلم فنشأ في كنف والده الذي لقنه العلوم الشرعية والسنة النبوية بعد أن حفظ القرآن الكريم في سنٍ صغيرة.
تلقى الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني تعليمه الأميري حتى حصوله على الثانوية العامة ليلتحق بعد ذلك بمعهد دراسة تبريد وتكييف الهواء والذي نال فيه درجة الامتياز مع مرتبة الشرف، وكانت صلته بلحام مواسير التكييف بدأت نواتها حين رأى جده وهو يقوم بلحام الأباريق الزجاجية، وكان تخصصه في تبريد وتكييف الهواء عاملاً أساسيًا في سفره إلى المملكة العربية السعودية للعمل بهذا المجال.
كان في مصر حلم قومي متمثل في السد العالي، فصار الشيخ أحمد التجاني ضمن أفراد مهندسي شركة المقاولون العرب في بناء السد بمجال التبريد والتكييف أيضاً، وعقب انتهاءهم من بناء السد وزعت شركة المقاولون العرب كافة المهندسين على الوزارات الحكومية، فكان نصيبه العمل كمدرس بالفترة المسائية للتبريد والتكييف في معهد المطرية، أما بالنهار فكان طالبًا في كلية التجارة جامعة الأزهر.
تخرج الشيخ أحمد محمد الحافظ من الأزهر الشريف عام 1971 م وكانت حياته شطرين أولهما الشطر العملي حيث اشتغل في مركز التدريب بوزارة الصناعة ثم مفتشًا بشركة المقاولون العرب عام 1975؛ بينما ثانيهما هو الشق الديني حين ملازمة والده المحدث محمد الحافظ في الزاوية التجانية.
ما بين أوجاع السبعينيات وشدة الثمانينيات
كان القدر يخبئ للشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني صدمتين متتاليتين، تمثلت أولهما حين توفي والده الشيخ محمد الحافظ التجاني عام 1978 م، وبعد سنوات كانت الصدمة الثانية بتصفية شركة البدر للاستثمار التي كانت شريكًا فيها خلال فترة تصفية شركات توظيف الأموال، غير أن وفاة والده كانت الأصعب على الإطلاق حيث أن تراثه في علم الحديث والتصوف صار على المحك فكانت لابد من نشره.
كان مسألة الحفاظ على تراث الشيخ محمد الحافظ التجاني صعبًا لسببين، أولهما أن الحكومة المصرية أوقفت نشر مجلة طريق الحق بعد عامين من وفاة صاحبها المؤسس على أساس أنه صاحب الحقوق الفكرية والأدبية للمجلة؛ أما ثاني تلك الصعوبات وأشرسها فتمثلت في عدم تعاون دور النشر معه لطبع الكتب.
يحكي الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني عن مسألة صعوبة الطبع فيقول أنه ذهب ذات مرة إلى إحدى دور النشر لطبع أحد الكتب لسيدنا الشيخ محمد الحافظ رضى الله عنه فامتنعت هذه الدار عن الطبع، فعاد رضى الله عنه حزيناً، فمر على الشيخ إبراهيم صالح الحسينى وكان لا يزال بمصر آنذاك وأخبره بالأمر، فغضب الشيخ إبراهيم صالح غضباً شديداً وقال له: كيف لأمثال هؤلاء أن يتنحوا عن طباعة كتاب من كتب العلامة الشيخ محمد الحافظ؟ أوليس هذا شرف لهم؟ ثم عاد رضى الله عنه إلى داره حزيناً .
ويتابع الشيخ أحمد محمد الحافظ روايته قائلاً «مرت أيام وجاء أحد طلبة العلم يستعين ببعض الكتب من مكتبة الشيخ محمد الحافظ فى تحقيق أحد الكتب، وقد مر على هذا الكتاب أكثر من 800 سنة، فقلت في نفسي: لقد أيد الله لهذا الكتاب من يخرجه للنور بعد مرور ثمانمائة عام، فإن الله سيؤيد لكتب الشيخ محمد الحافظ من يخرجها إلى النور».
الشيخ أحمد محمد الحافظ وعودة تراث أبيه
بدأت رحلة طباعة كتب الشيخ محمد الحافظ على يد ولده الشيخ أحمد من خلال مطبعة السعادة التي صاحبها من المحبين للشيخ محمد الحافظ، فطبع تفسير الفاتحة وجزء عم، بإشراف ومراجعة من الشيخ أحمد، لتتوالى عملية الطبع بطبع تفسير جزء تبارك عند الشيخ عز الدين أبو العزايم.
دخلت مطبعة التقدم في عملية إعادة تراث الشيخ محمد الحافظ فقامت بطبع كتب «سنة الرسول، والعدد السابع عشر والثامن عشر من كتاب نور اليقين فى تخريج أحاديث إحياء علوم الدين»، ثم ساهمت دار الفاتح في طبع كتابي «رد أوهام القاديانية،قصد السبيل فى شروط الطريقة التجانية» ؛ بينما ساهمت أيضا مطبعة الجندى فى طبع أحزاب وأوراد الطريقة التجانية التى حققها الشيخ محمد الحافظ.
أما دار غريب للطباعة والنشر فطبعت كتب «أهل الحق العارفون بالله، موسوعة الدين القيم وقضايا العصر من القسم الأول وحتى القسم الخامس، وترجمة الشيخ محمد الحافظ فى كتاب رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ثم طباعة الربع الثانى من كتاب نور اليقين فى تحقيق أحاديث إحياء علوم الدين».
وأعادت دار البصائر طبع كتاب سنة الرسول، ثم قامت دار النهار بطبع شرح كتاب الحق فى الحق والخلق للدكتور محمد البشير فرحان، وساهمت دار الحسام بإعادة طبع كتاب العلامة الشيخ محمد الحافظ التجانى مرة أخرى .
كتب الطريقة التجانية لها أيضًا نصيب
لم تخلو إسهامات الشيخ أحمد محمد الحافظ التراثية من رعاية كتب الطريقة التجانية الصوفية، حيث ساهم في نشر كثير منها مثل « كشف الحجاب عمن تلاقى مع التجاني من الأصحاب للشيخ أحمد سكيرج، كتب سيدى الشيخ يوسف بقوي، كتاب الدر المنظوم من فيوضات وارث القطب المكتوم، عنوان مطالع الجمال في مولد إنسان الكمال لشيخ محمد بن المختار».
وساهم الشيخ أحمد محمد الحافظ في تحقيق «كتاب جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس أحمد التجاني»، وكتاب «الجامع لما افترق من العلوم الفائضة من بحار القطب المكتوم».
شيوخ الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني
كان للشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني شيوخ كثر في العلوم الشرعية والتربية وأجازه كثير من العلماء حيث أجازه والده الشيخ محمد الحافظ التجانى عن شيوخه فى الحديث والفقه والتفسير وسائر العلوم الشرعية؛ وكان للشيخ أحمد الحافظ التجاني من طريق والده 230 طريقًا في صحيح البخاري.
أما سنده في قراءات القرآن الكريم فكان عن الشيخ عبد المجيد الشريف والشيخ محمد الحبيب دق السوداني عن الشيخ محمد الحافظ رضى الله عنه عن شيخ القراء الشيخ عبد الله حمادة، يليه فى الأسانيد العالية فى القرآن إسناد الشيخ محمد التلبانى رضى الله عنه، وأسانيد الشيخ أحمد عيسى المعصراوى شيخ القراء فى الديار المصرية وكذا والشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف.
أما شيوخه في التربية فتلقى التقديم في الطريقة التجانية مشافهة من الشيخ عبد المجيد الشريف ثم تلقى الإجازة بالتقديم كتابةً من الشيخ فريد مرسي، وتلقى الإذن والإجازة بالتقديم أيضاً من العمدة صالح سالم، كما تلقى الإذن والإجازة بالتقديم من الشيخ أحمد عثمان ووالد الشيخ عبد الحفيظ أحمد عثمان، وتلقى الإجازة المطلقة في الطريقة التجانية والتقديم المطلق وكذا أسانيده في السنة النبوية من الشيخ محمد الحبيب دق السوداني.
وقد تلقى الإذن بالخلافة في الطريقة التجانية من الشيخ علي بن محمود بن البشير بن الحبيب بن الشيخ أحمد بن محمد التجاني؛ وتلقى الإذن بالخلافة في الطريقة أيضاً من الشيخ يوسف بقوي والشيخ أحمد العناية بعين ماضي بالجزائر، والشيخ محمد الحبيب والشيخ جلول الجزائري؛ وتلقى كذلك الإذن بالخلافة من الخليفة العام السابق للطريقة التجانية الشيخ عبد الجبار بن حميدة حفيد الشيخ أحمد التجاني والشيخ الحاج أمحمد الخليفة والشيخ علي بلعرابي.
وقدم الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني للطريقة الشيخ عمر مسعود محمد التجاني السوداني، والشيخ عبد العزيز سي بالسنغال، فضلاً عن شيوخ آخرون في المدينة المنورة والسعودية واليمن والأردن والإمارات وإندونيسيا وماليزيا ونيجيريا وفرنسا وأمريكا.
رحلاته العلمية والتربوية
سافر الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني إلى دولاً عديدة عربية وإفريقية استهلها بزيارة فاس المغربية، وكان يتوق إلى السفر لعين ماضي في الجزائر لزيارة ضريح مؤسس الطريقة وحالت الخلافات الجزائرية المغربية حتى قامت الحكومة الجزائرية بدعوته مع شيوخ التجانية الآخرين لتأبين الشيخ محمد الحبيب، ومثلت هذه الزيارة انفراجةً بين الجزائر والمغرب لاحقًا.
وسافر الشيخ أحمد محمد الحافظ إلى السودان ومنها إلى المملكة المغربية للمشاركة في مؤتمر ملتقى الطريقة التجانية بحضور الملك محمد السادس ووجه إليه طلبًا بشأن وهابية السعودية قال فيه «إني أبعث برسالة إلى جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بأن يحدث أخاه الملك فهد أن يمنع الخطباء في المملكة العربية السعودية من التعدي على المنابر على الأولياء وعلى التقول عليهم بغير وجه حق»؛ وهدأت نسبيًا مسألة التطاول على الأولياء في خطب الجمعة بعد ذلك.
وفاته
قبل عامين وبالتحديد في الخامس من نوفمبر لعام 2017 م أنهى الشيخ أحمد محمد الحافظ التجاني جزءًا من رحلته الدعوية في محافظة قنا وخلال أداءه لصلاة الفجر فاضت روحه إلى بارئها وهو ساجد لتنطوي صفحة ثرية من تاريخ التجانية في مصر على يديه، وتم دفنه بجانب والده في الزاوية التجانية بالمغربلين.