تقرأ في هذا التقرير «بداية تاريخ شارع مراد وهذا اسمه الأول، وضع الشارع قبل مراد بك، من هو مراد بك الخائن، شاهين تلميذ مراد ماذا فعل، تناقضات في الشوارع المتفرعة»
كتب | وسيم عفيفي
تشير عقود إيجار أو تمليك أي مؤسسة في شارع مراد إلى ان الاسم الرسمي له هو شارع طه حسين لأنه من سكان الجيزة، لكن اسم مراد هو الباقي ولا تاريخ يذكر لهذا شارع مراد إلا في تناقضات تاريخية وقليل من المصائب.
تاريخ شارع مراد .. من العصر الراشدي حتى العباسي
النيل وراء قوة تاريخ شارع مراد وقت الفتح العربي، فقد كان الفيضان يغمر الجيزة من المنيل الآن حتى الأهرامات، وبعد انحساره يبقى الشارع جزءًا من سوقٍ تجاريٍ فخم عُرِف باسم شارع السوق النيلي، فاستوطنت فيه القبائل العربية التي جاءت مع الجيش الإسلامي وأبرزهم قبائل يافع والأزد وبني عامر الذين لهم شوارع على اسمهم متفرعة من شارع مراد.
اهتمت القبائل العربية بفكرة تشجير السوق طوال العهد الراشدي حتى العصر الأموي ولأن عاصمة الحكم المصري أمويًا كانت الفسطاط القريبة نسبيًا من النيل، أولى قرة بن شريك والي مصر الأموي خلال عهد الوليد بن عبدالملك اهتمامًا بالجيزة وشارع السوق النيلي (شارع مراد حاليًا) جعل الذاكرة المصرية تخلده بشارع على اسمه هو أول مناطق شارع مراد الرئيسي.
وخلال العصر العباسي انتهى الصراع بين بغداد والنوبة فكان تاريخ شارع مراد (شارع السوق النيلي قديمًا) مميزًا حين قام المعتصم بالله بإهداء الملك النوبي زكريا بن بخنس قصرًا فخمًا في منطقة ذات طبيعة خلابة فكانت على النيل ووسط الحدائق، وخُلِّد ملك النوبة بشارع على اسمه متفرع من شارع مراد وهو شارع زكريا بن بخنس.
اقرأ أيضًا
«أحمد بن حنبل والخلفاء العباسيين» أخطاء حلقة رئيس تحرير اليوم السابع
تأثر تاريخ شارع مراد باضمحلال العصر العباسي عن طريق الدويلات التي حكمت مصر واستقلت عنها، وربما علي بن رضوان زمن الفاطميين هو الشاهد الوحيد على تلك المرحلة حيث نشأ وترعرع في الجيزة زمن الفاطميين، وخلد على اسمه شارع متفرع من شارع مراد وهو شارع رضوان بن الطبيب لا زال موجودًا.
أنهى التتار وجود العباسيين في بغداد وتمكن المماليك بالمصريين والمسلمين من دحر المغول في عين جالوت وإعادة الخلافة العباسية بشكٍل صوريٍ فكان مقر الحكم العباسي الثانية من القاهرة زمن المماليك، وازدهرت الجيزة طوال الحكم المملوكي كثيرًا وظل الشارع كما هو معروف باسم شارع السوق النيلي حتى نُسِب إلى مراد بك المملوكي الذي كان يسكن المنيل وجعل شارع السوق النيلي ثكنة عسكرية مملوكية.
مع تاريخ شارع مراد .. شارع الخير في حرب المدافع ضد الخيل
كان مراد بك حاكم مصر المشترك مع رفيقه إبراهيم بك، وحفلت مسيرته بالخيانة، فسيده محمد بك أبو الدهب خان أستاذه علي بك الكبير، ثم انتهى حكم مصر مشتركًا بين مراد وإبراهيم بتصديق من العثمانيين.
كانت الموائمات هي العامل الأساسي في علاقة مراد وإبراهيم بالعثمانين، فتركيا حاربتهما وأعطتهما ملك الصعيد الجواني من برديس والبلينا في سوهاج حتى النوبة، ثم اتحد مراد وإبراهيم ضد العثمانيين واستردا منصب شيخ البلد.
دخل الثلاثي إبراهيم ومراد والعثمانيين في لعبة القط والفأر حتى جاء الديك الفرنسي ونَقَّر على رأسهم بحملة عسكرية يقودها نابليون، واحتشدت الحملة الفرنسية عند أهرامات الفراعنة لتخليد نصرهم، فعزز هذا من ثقة مراد بك حيث أن المماليك يجيدون الحرب في الميادين الواسعة وأعلن النفير العام والاحتشاد من الجيزة، وكان ظن شيخ البلد أنه سيقابل فرسانًا من العصور الوسطى بسيوفهم ودروعهم، لكن ما كان ينتظرهم لحصد أرواحهم مدافع وبنادق وسُحِق المماليك في معركة أبلوا فيها بلاءًا حسنًا.
الطبع غلاب وكانت الخيانة هي أبرز سمات مراد بك، فصار حليفًا للفرنسيين الذين أعطوه حكم الصعيد وجعل قاعدة جيش المماليك هي ظهر فرنسا بمصر فمنع من خلال شارعه كل المؤن الغذائية الآتية من الصعيد للقاهرة وحولها للجيش الفرنسي، ثم تواطئ مع فرنسا في قمع ثورة بولاق وأخيرًا خان فرنسا لصالح الإنجليز لكنه مات قبل أن يرى رحيل الديوك.
شاهين الفصل الختامي لقصص خيانة شارع مراد
كانت محافظة الجيزة هي العنوان الأبرز لزوال حكم المماليك والعباسيين على يد العثمانيين بمعركة قرية الوردان، وأراد المماليك بعد موت زعيمهم الروحي مراد بك أن يقضوا على العثمانيين بعد تحرير مصر من فرنسا، فتحالف الألفي مع الإنجليز وقرر العثمانيون مواجهته لكن ظهر في معادلة الصراع محمد علي باشا الذي سحق الثلاثة.
المعروف تاريخيًا أن صراع محمد علي باشا حُسِم في القلعة من المذبحة، لكن بداية الصراع نشأ من محافظة الجيزة عن طريق شارع مراد الذي كان نواة التجهيز لأول انقلاب على محمد علي باشا بعد توليه الحكم بـ 3 أشهر، خاض محمد علي باشا حربه ضد المماليك في الجيزة وسحق قاعدتهم العسكرية بشارع مراد ثم تصالح مع شاهين بك المرادي وبقيت لعبة القط والفأر قائمة بين الباشا والمماليك حتى أنهتها مذبحة القلعة.
اقرأ أيضًا
صحافة زمان | حفيد محمد علي : جدي تصالح مع لمماليك بعد مذبحة القلعة
كان شاهين بك المرادي على خطى أستاذه مراد بك حين صار مسئول ثكنة المماليك في شارع مراد بالجيزة حيث جهز منها نواة أول محاولة انقلاب على محمد علي باشا بتنسيق مع الخارج بعد أن نافق الباشا وعَرَّض له جبهة التأييد.
فشلت جهود شاهين بك المرادي غير أنه عاش على أمل نجاح المماليك في صراعهم مع الباشا حتى ماتسنة 1808 م طريح الفراش دون أن يرى نتيجة جهوده، وكان القدر رحيمًا به حيث لم يقبض ملك الموت روحه بنفس الطريقة التي حصد بها أرواح المماليك في مذبحة القلعة سنة 1811 م.
التناقضات والمآسي تميز تاريخ شارع مراد والمتفرع منه
كان شارع مراد هو عامل أساسي في القلاقل السياسية أواخر عهد المماليك، فهو نقطة الدعم اللوجستي للحملة الفرنسية زمن مراد بك، وهو نفسه مركز القوة العسكرية للمماليك وشاهين بك المرادي ضد محمد علي باشا، لكن التناقضات في أسماء الشوارع المتفرعة منه هي أبرز سمة.
ثلاث تناقضات في اسم شارع مراد والشوارع المتفرعة منه، أولها أن اسم الشارع منسوب إلى أحد أبرز زعماء المماليك الذين حاربوا نابليون ثم خانوا مصر لصالح فرنسا وخانوا فرنسا لصالح الإنجليز، وفي آخر نفس الشارع يوجد امتداد لأبرز زعماء فرنسا الذين سحقوا المماليك في الجيزة وهو شارل ديجول.
ثاني تناقض أن إيبارشية الكنيسة القبطية في الجيزة مبنية على حدود شارع يافع بن زيد أحد أفراد قبيلة يمنية كانت مع الجيش الإسلامي في فتح مصر.
بقي التناقض الثالث والأبرز في شارع مراد يمس شهرة مصر في محبتها لكل أفراد آل البيت، فالمحروسة التي استقبلت السيدة زينب بعد واقعة كربلاء بعد قتل آل البيت على يد الدولة الأموية في عهد يزيد بن معاوية، هي نفسها المحروسة التي خلدت اسم الوالي الأموي قرة بن شريك زمن الوليد بن عبدالملك، والذي يختلف على عدله المؤرخين.
اقرأ أيضًا
منزل نيازي مصطفى «هنا قُتِل المخرج واللغز لم يُحَل لهذه الأسباب»
المآسي نفسها كانت العنوان الأبرز لحياة أبرز المشاهير الذين سكنوا في شارع مراد، فعند شارع قرة بن شريك المتفرع منه وقعت جريمة قتل المخرج نيازي مصطفى.
أما أبو الحسن بن رضوان الطبيب المصري الشهير زمن الفاطميين والذي على اسمه شارع متفرع من مراد فقد مات مجنونًا كمدًا بعد خيانة ابنته بالتبني له حين سرقته أيام المجاعة التي حلت في مصر زمن المستنصر الفاطمي وعُرِفت باسم الشدة المستنصرية.