الزاوية التجانية في المغربلين (1)«مؤسسها قاوم التنصير والإنجليز»

تقرأ في هذا التقرير «تاريخ الزاوية التجانية في المغربلين ، محمد الحافظ التجاني عالم ومجاهد، زويمر أمام شيخ التجانية، التجاني والإخوان .. شبهات وردود»

كتب | وسيم عفيفي

احتوى حي المغربلين على زخم تاريخي مركب ومعقد من أوله لآخره، فعند بدايته كان مُقدَّرًا أن تدفن رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما في مسجد الصالح طلائع، وفي آخره بُنيت الزاوية التجانية التي ينتهي نسب مؤسسها وعائلته إلى شهيد كربلاء.

الطريقة التجانية في مصر .. كيف بدأت ؟

يقترن تاريخ الطريقة التجانية في مصر دائمًا بالظروف غير التقليدية، فقد ظهرت بالقاهرة عام 1845 م عقب وفاة شيخها المؤسس أبي العباس أحمد التجاني «الجزائري المولد والمغربي الوفاة» بـ 30 عامًا، وكانت مصر غير مؤهلة لأي طريقة صوفية جديدة، لأن محمد علي باشا سحق أي تأثير ديني واجتماعي للصوفية.

لم تقع الطريقة التجانية بمصر في الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه غالبية الطرق الصوفية بمصر قبل عصر الباشا، وهو الاقتراب من الحاكم أو كسب شعبية اجتماعية، فالشيخ المراكشي قاسم الشارجي كان مهتمًا بالتربية والسلوك نائيًا بنفسه عن أي حراك سياسي.

بدأ العد التنازلي لحياة محمد علي باشا واستعدت المحروسة في دخول مرحلة اللاحداثة بسبب عباس حلمي الأول، وقبل رحيل الباشا بعام واحد ترسخت قدم التجانية في مصر عبر زاوية الجودرية في الدرب الأحمر، وظلت هي مركز التجانية حتى 1933 حيث تولى الشيخ محمد الحافظ التجاني مشيخة الطريقة وأسس لها الزاوية الأم في المغربلين عام 1938 م

بمرور السنوات ذاع صيت الطريقة التجانية خارج العاصمة فذهبت إلى الصعيد والدلتا، وبمحافظة المنوفية وفي العام 1919 م كان الشاب محمد الحافظ التجاني أخذ عهد الطريقة من الشيخ أحمد السباعي التجاني.

محمد الحافظ التجاني .. وظروف النشأة

في قرية كفر قورص التابعة لمركز أشمون محافظة المنوفية، ولد الشيخ محمد الحافظ عبداللطيف سالم التجاني عام 1897 م لأسرة ينتهي نسبها إلى الحسين بن علي من جهة الأب، أما من جهة الأم فالنسب ينتهي لجد الفاروق عمر بن الخطاب الخامس.

بدأ الشيخ محمد الحافظ التجاني شق طريق العلم بحفظ القرآن الكريم داخل كُتّاب قريته، ومنه إلى التعليم الأزهري حتى نال الشهادة العالمية وتخصص في علم الحديث الذي قال فيه «من منن الحق تبارك وتعالى عليّ أن علق قلبي بكتب السنة المطهرة والبحث عنها والتفتيش عليها».

كان للإمام محمد الحافظ التجاني شيوخ كُثُر في الأزهر، فأخذ أحكام التلاوة من الشيخ عبدالله حمادة والشيخ سليمان البنا، واللغة من المشايخ يوسف الكومي ومحمد المهدي وإسماعيل الإسلامبولي، وأخذ الفقه المالكي من الشيخ عبدالمنعم قاسم، وتفسير القرآن من الشيخ يوسف الدجوي.

الدين والوطن في مسيرة محمد الحافظ التجاني

الدين والوطن كانا ثنائية متميزة في مسيرة الشيخ محمد الحافظ التجاني، فهو من محافظة المنوفية التي خرجت أشهر علماء الأزهر و8 تولوا منصب الإمام الأكبر، كذلك هي المحافظة التي شهدت أبشع مجازر الإنجليز في دنشواي.

اقرأ أيضًا 
حكاية قبر حفيد بلال مؤذن الرسول في المنوفية «حقيقة أم أسطورة؟»

أما مركز أشمون الذي ولد فيه الشيخ محمد الحافظ التجاني قد وُلِد فيه عالم النحو الأشهر في العصر المملوكي حسن الأشموني شارح ألفية بن مالك، كذلك تعرض أبناء المركز للتنكيل من الإنجليز وقت احتلال مصر بتهمة الاشتراك مع أحمد عرابي في الثورة، فتم فصل أحمد النحاس من منصب العمودية وسُجِن اليوزباشي علي أفندي شرف؛ وبالتالي كان طبيعيًا أن يكون الدين والوطن عنصرين فاعلين بمسيرته.

من ناحية النضال الوطني في مسيرة الشيخ محمد الحافظ التجاني يبدأ طرف الخيط عبر كتاب «الكتاب الممنوع ـ أسرار ثورة 1919» لـ مصطفى أمين والذي يشير إلى وجود تنظيم سري لمقاومة الانجليز بالسلاح وفق معلومات دبلوماسية قبل الثورة؛ وكانت جمعية اليد السوداء نواة هذا التنظيم عام 1918 م.

عنصر المعلومات في جمعية اليد السوداء كان محمد الحافظ التجاني، كما ذكر ابنه ووريث مشيخته الراحل الشيخ أحمد حيث قال عن والده أنه كان يعمل ساعيًا للبريد لدى السفارة البريطانية في القاهرة ومد اليد السوداء بمعلومات أثارت شبهات الإنجليز حوله وتم القبض عليه في 18 سبتمبر 1918 م بشارع الخزان في الجيزة.

اقرأ أيضًا 
لماذا رُفِع علم أمريكا في ثورة 1919 ؟

قبل دخول الشيخ محمد الحافظ التجاني للسجن كان قد سلك التصوف من 3 طرق هي الخلوتية والنقشبندية والشاذلية، وعقب خروجه وفي أغسطس من العام 1919 م أخذ عهد الطريقة التجانية وبعد ذلك بـ 15 سنة وبالتحديد في العام 1933 م صار شيخًا للطريقة بمصر؛ وما بين أخذ العهد وتولي المشيخة كان للإمام محمد الحافظ التجاني عدة مساهمات دينية.

محمد الحافظ التجاني في مواجهة التنصير

كانت الجهود الدينية للشيخ محمد الحافظ التجاني بحكم أنه عالم حديث ضرورية بحكم ظروف فكرية شديدة التعقيد؛ خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في مصر، فالأزهر يغلي من طه حسين بسبب كتابه في الشعر الجاهلي وعلي عبدالرازق يلقي بقنبلة كتاب الإسلام وأصول الحكم، جنبًا إلى جنب مع تحول الليبرالية السياسية إلى أفكار إلحادية شيوعية فتحت الباب لتيارات أخرى في الظهور داخل المجتمع المصري مثل القاديانية والبهائية والماسونية؛ بالتزامن مع وجود جماعة الإخوان بشكلها الديني ولعبها السياسي.

لم ينشغل محمد الحافظ التجاني في بدايات جهوده الدينية بمعارك الأزهريين الداخلية وإنما وجه جهده إلى مقاومة التنصير؛ ففي العام 1929 م دخل في مناظرة أمام المبشر الأمريكي صمويل مارينوس زويمر انعقدت بمركز بلبيس محافظة الشرقية، وترتب عليها بعد تمكن الشيخ من إقامة الحجة عليه عدم دخول زويمر لمصر مرة أخرى.

يحكي الشيخ أحمد الحافظ التجاني جانبًا من المناظرة قائلاً «قال الشيخ (محمد) إن كتابنا القرآن الكريم وسنة نبينا صلى الله عليه و سلم وأحكام شرعنا نقلها إلينا الأئمة الثقات بأسانيد متصلة إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليس بسند واحد متصل وإنما بأسانيد متعددة وبعضها بلغ حد التواتر لا يرقي إليها الشك، وعلم الرواة وحالهم ودراسة أحوالهم علم انفرد به الإسلام وهو مفخرة من مفاخر الإسلام. أما التوراة والإنجيل- أي إنجيل- فليس هناك أي سند واحد متصل إلى من نزلت عليه سواء سيدنا موسى أو سيدنا عيسى عليهما السلام»

وفي المناظرة أوضح الشيخ محمد الحافظ التجاني تاريخ كل إنجيل منها: وبين له أن أول إنجيل معترف به بينه وبين سيدنا عيسى عليه السلام، كذا من السنين ولا سند له يتصل بسيدنا عيسي عليه السلام وبين واضع هذا التاريخ وبين سيدنا عيسى عليه السلام زمن كبير جداً فهذا التاريخ وقائعه غير ثابتة بالسند الصحيح المتصل إلى سيدنا عيسى، وأني أتحداك أن تذكر لنا سنداً واحداً مسلسلاً متصلاً إلى سيدنا عيس عليه السلام لأي إنجيل منها فلا يمكن أن يثبت علمياً أو تاريخياً أن هذا الإنجيل هو بنفسه الذي نزل على سيدنا عيسي عليه السلام ولم يدخله التغيير والتبديل- فلم يستطع زويمر أن يرد على ذلك، ثم قال له الشيخ «These books are built upon darkness»؛ أي هذه الكتب بنيت على الظلام.

محمد الحافظ التجاني والإخوان .. شبهات وردود

انتشر الإخوان المسلمون وكان الشيخ محمد الحافظ التجاني أحد مشجعيهم لدرجة جعلت حسن البنا يمدح فيه حين زار محمد الحافظ محافظة الإسماعيلية لمجابهة رموز مفكري البهائية هناك، وتوثقت علاقة محمد الحافظ التجاني بالإخوان لدرجة الزواج إذ أنه تزوج زينب الغزالي عام 1942 م، واصطدم الشيخ التجاني بالبنا بعد اتجاه الجماعة للسياسية فانقطعت كل الصلات، أما زينب الغزالي فلم يدم زواج التجاني بها أكثر من عامين إذ طلقها بعدما حاولت تحويل الزاوية التجانية في المغربلين إلى فرع لأخوات الجماعة ولم ينجب منها.

حاول كثيرون إلصاق تهمة العملية الإرهابية في كلية الفنية العسكرية 1974 م بتاريخ الزاوية التجانية في المغربلين، لسببين أولهما أن صلة الشيخ محمد الحافظ التجاني بزينب الغزالي لم تنقطع حيث زارها بعد خروجها من السجن، وثانيهما لأن صالح سرية قائد العملية تقابل مع زينب الغزالي في الزاوية.

الرد على تلك الشبهة تاريخيًا يتم بالرجوع إلى محاضر تحقيق نيابة أمن الدولة في 30 إبريل 1974 م التي تمت زينب الغزالي حيث قالت أن صالح سرية ذهب إلى الزاوية التجانية سنة 1971 م بصفته باحث في علم الحديث وكان طبيعيًا أن يتعلم على يد محمد الحافظ التجاني باعتباره أشهر علماء الحديث في مصر وقتها، أما نشأة فكرة التنظيم وتوجهه الإرهابي فكانت أواخر العام 1971 م بمنزلها ومنزل الهضيبي وليس داخل الزواية التجانية في المغربلين .

«يُتْبَع»