تقرأ في هذا التقرير «تاريخ معركة حارة الوزير .. من هو الوزير؟، قصة الدعارة ووضعها زمن الاحتلال البريطاني، خناقة معركة بيوت الدعارة مع قوات الاحتلال ودراما الدم»
كتب | وسيم عفيفي
سادت أجواء سياسية شديدة الاحتقان في مصر خلال شهر إبريل عام 1915 م بسبب توحش الحماية البريطانية، وكانت توقعات انجلترا أن الوطنيين المصريين سيقوموا بعمليات فدائية تستغل انشغال انجلترا في الحرب العالمية الأولى، لم تخب توقعات لندن لكن كانت الصدمة أن أحداث الشغب عرفت باسم معركة حارة الوزير داخل بيوت اللهو والدعارة.
تاريخ حارة الوزير في باب الشعرية ومسألة الدعارة
تمثل حارة الوزير بمنطقة بركة الزطلي في باب الشعرية، أوج دليل على توقير الدولة الفاطمية لكل الشعراء الذين أيدوها سياسيًا مثل ابن هانئ الذي شبهه المعز لدين الله بأنه متنبي العبيديين.
مع العلاقات الوثيقة التي نشأت بين الدولة الفاطمية ونظيرتها العقائدية الدولة البويهية تم إطلاق اسم الوزير الصاحب على تلك الحارة القابعة في باب الشعرية والتي اقترن اسمها دائمًا بالقلائل السياسية والاقتصادية منذ العصر المملوكي، لتندرج ضمن نقاط ممارسة الدعارة مع العثمانيين ثم تدخل في مقاومة المستعمر زمن الحملة الفرنسية.
جاء عصر محمد علي كارثيًا على حارة الوزير وبقية الحارات التي اشتهرت بممارسة البغاء، فالباشا قرر إلغاءها عام 1837 ثم عادت بالقانون عام 1877 عقب إلغاء الرق الذي دفع بعض المعتوقات للعمل بالدعارة من أجل التكسب وبعد 5 سنوات من عودة الدعارة المقننة جاء الاحتلال البريطاني ليزيد ضوابط الممارسة صحيًا بإلزام كل من تعمل في الدعارة بتوقيع كشف طبي كل 3 أشهر.
بيوت الدعارة والاحتلال البريطاني في مصر
كان التعامل مع الاحتلال البريطاني في بيوت الدعارة منذ 1882 حتى عام 1914 م قائم على المصلحة المتبادلة، فالمرأة تأخذ المال والجندي المغترب يمارس فيها العلاقة، ولم يكن هناك حس وطني فعال في الشارع المصري إلا داخل مجتمع المثقفين.
اقرأ أيضًا
تاريخ قصر محمد علي في شبرا «بناه لإنقاذ عرضه ودفن به أحياء»
مع وقوع الحرب العالمية الأولى كان انجلترا شديدة التوحش بفعل القلق من نخبة الوطنيين المثقفين في الداخل ورحى المعارك بالحرب فأعلنت الحماية على مصر مما جعل الحس الوطني يخرج من نطاق المثقفين ليشمل الشعب بأسره، وبالتالي كانت بيوت الدعارة ضمن ذلك التأثير فامتنعت غالبية أصحاب الهوى عن الممارسة مع جنود الاحتلال فلجأت سلطات انجلترا على استيراد أجنبيات تأثرن من إلغاء الرق للعمل في الدعارة داخل مصر.
مقاومة الاحتلال وغرابة تاريخ حارة الوزير
لم ينسى جنود قوات الاحتلال البريطاني مقولة عثمانية عن البغاء عن مصر أوردها كرستوفر هيرولد بكتابه بونابرت في مصر، ونصها «خذ الأوروبية لعيونها والمصرية للمتعة»، فلم يؤثر قرار استيراد البغايا الأجانب على سوق الدعارة إلا بنسبة ضيئلة، لكن كانت الصدمة لدى أحد الجنود الأستراليين أنه وجد أخته تعمل في بيت دعارة داخل حارة الوزير، وتزامن هذا مع شائعة تواطؤ نساء بيوت الدعارة مع الفدائيين، فحدثت كماشة مثالية على قوات الاحتلال والشرطة المصرية وبيوت الدعارة في معركة لم ينساها تاريخ حارة الوزير.
لم تشير المراجع المصرية عن تفاصيل معركة حارة الوزير، لكن مذكرات أليس روس كينج «الممرضة الأسترالية في مصر»، تروي جانبًا من القصة؛ حيث قالت «أشياء فظيعة تحدث في القاهرة، 20 ألف جندي يستعدون لعيد الفصح وسرت شائعة أن الأمراض التناسلية في جنود أستراليا ونيوزيلاندا سببها بيوت الدعارة».
موقف الشرطة المصرية في حادثة باب الوزير لم يكن حياديًا ولا عدائيًا، فقد تحركت قوات الشرطة إلى هناك للفصل بين 2500 جندي أسترالي ونيوزيلندي وبين النساء البغايا، فاعتبروا أن الشرطة تساعد على ربات بيوت الدعارة فتم ضرب رجال البوليس بالعصي وجُرِّفت الأشجار فتطورت الأمور من معركة بين أصحاب دور الدعارة والأستراليين لمعركة بين الأهالي والقوات أسفرت عن مقتل 3 جنود من أستراليا ونيوزيلاندا واعتقال 50 شخصًا من الأهالي والبوليس وربات الدعارة.
رواية أخرى يكشفها الجندي تشارلز ليزرون «وهو عالم الطبيعة الأسترالي فيما بعد»، خلال يومياته التي حكاها عبر سلسلة يوم أنزاك، تكشف شيئًا عن زميله الجندي جونسون حيث كان ضمن الأستراليين المكلفين بفض الشغب في حارة الوزير لكنه وجد أخته تعمل في الدعارة وكانت ضمن المنقولات من انجلترا بعد إلغاء الرق إلى مصر، وتمكن من دخول البيت التي تعمل فيه لكن إحدى النساء المشتغلات في الدعارة ألقوها من النافذة واحتجزوا جونسون وسرت المفاوضات على إطلاق سراحه أو إضرام النار في البيت.
قدرت الخسائر الاقتصادية في معركة باب الوزير بـ 100 ألف جنيه، وعلى إثر ذلك أعلنت السلطات الإنجليزية في منشور نشرته مجلة الهلال بعد المعركة بأسبوع إغلاق كافة الحانات العمومية في أهم مدن القطر المصري وعدم تناول المشروبات الروحية من العاشرة مساءًا حتى الخامسة فجرًا، ولا يجوز إعفاء أي حانة من القرار إلا برخصة من جنرال المنطقة.