تقرأ في هذا التقرير «مسألة حقيقة أرض الميعاد في النصوص التوراتية، مشهدين من فيلم الممر يزيدان التساؤل، العلم مع نصوص التوارة وآيات القرآن ضد الوعد»
كتب | وسيم عفيفي
تطرق مشهدين في فيلم الممر إلى حكاية أرض الميعاد كان أولهما ما بين إياد نصار «ديفيد بن العاذر»، وأحمد فلوكس «الضابط محمود»، ولم يحمل رد الأخير أي منطقية حيث لجأ إلى العجرفة بمقولة «عشم إبليس في الجنة».
أما المشهد الثاني فكان ما بين الضابط نور والأسير الإسرائيلي «ديفيد إلعازر» حيث قال الأخير أن التوارة تقول بأرض الميعاد لنسل إبراهيم الذي منه إسحاق، فيرد المصري عليه «فيه فعلاً في سفر التكوين الكلام دا، بس إنتو يا آخي عندكم مشكلة، إنتو دايمًا بتنسوا، بتنسوا إن من نسل سيدنا إبراهيم سيدنا إسماعيل قبل سيدنا إسحاق، سيدنا إسماعيل أبُ العرب، ولما خالفتوا الأوامر اتحكم عليكم إنكم تتوهوا في الأرض، مش دا كلام التوارة ؟».
حقيقة أرض الميعاد من النصوص التوراتية
توجد آيات في سفر التكوين تتكلم عن وعد الله للنبي إبراهيم بامتلاك أرض الكنعانيين «وقال الرب لأبرام: اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة»؛ وتكمل الآيات « وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكا أبديا، وأكون إلههم».
تشرح تلك الآيتين في التوارة أن إبراهيم ليس صاحب الأرض وإنما أخرجه الله من وطنه الأصلي ليسكن أرض الكنعانيين والتي ستكون وعد الله له، لكن تناقض التوارة نفسها في آية أخرى وهي آية الجوع التي تقول «وحدث جوع في الأرض، فانحدر أبرام إلى مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع في الأرض كان شديدا».
آية الجوع تثبث شيئًا هامًا أن إبراهيم ليس له وعد أصلاً، فقبل الجوع لم يتملك إبراهيم الأرض وحين غادرها لم يتركها بأمرٍ من الله، وصاحب الأرض حتى يتملكها عليه أن لا يهاجرها حتى في أزماتها لأنها وعد الله؛ ومغادرته تعني نفي الوعد الإلهي خاصةً أن الله لم يأمره بالخروج والموعود لا يفرط بالوعد إلا بأمر من الواعد.
وإذا سلمنا بأن الظرف القهري لا ينفي الوعد ويؤكده فسنجد أن التوارة هي وعد الله لإسماعيل قبل أي أحد، فمثلاً تقول الآية الثانية والثالثة من سفر التكوين إصحاح 15 «قال أبرام: أيها السيد الرب، ماذا تعطيني وأنا ماض عقيما، ومالك بيتي هو أليعازر الدمشقي؟، إنك لم تعطني نسلا، وهوذا ابن بيتي وارث لي، فإذا كلام الرب إليه قائلا:«لا يرثك هذا، بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك، ثم أخرجه إلى خارج وقال: انظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها وقال له هكذا يكون نسلك».
اقرأ أيضًا
معسكر فيلم الممر الحقيقي «أسقطه عفيفي ويزوره الإسرائيليين للبكاء»
معنى هذه الآية أن إبراهيم قبل أخذ الوعد بالأرض كان عقيمًا وليس له ابن يرثه، فأخذ وعدًا بالأرض ستكون له وميراث لمن يخرج من صلبه، وتتفق التوراة مع القرآن على أن أول مولود للنبي إبراهيم كان إسماعيل.
بشأن يعقوب فتشير التوارة إلى أن أجداده حذروا من مخالطة الكنعانيين لرداءتهم، كذلك فإن أرض كنعان غريبة عنه يعقوب وذريته وليست ملكًا له حيث تقول آية «وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه، في أرض كنعان»، وتقول آية أخرى على لسان يعقوب «أيام سِنِي غربتي مئة وثلاثون سنة، قليلة وردية كانت أيام سني حياتي، ولم تبلغ إلى أيام سني حياة آبائي في أيام غربتهم».
بالعودة إلى التوارة نجد أنها وقعت في تناقض حول حدود أرض الميعاد وإن سلمنا حتى بالتناقض فسنجد أن مصر وفلسطين للعرب قديمًا لا اليهود، فتذكر التوارة أن نوح النبي له ولدان أولهما حام ومنه نسل الكنعانيين وثانيهما سام ومنه نسل إبراهيم، وحددت التوارة محل انتشار نسل الولدين تقول التوارة « وبنو حام: كوش ومصرايم وفوط وكنعان وكانت تخوم الكنعاني من صيدون (صيدا في لبنان)، حينما تجيء نحو جرار إلى غزة، وحينما تجيء نحو سدوم وعمورة وأدمة وصبوييم إلى لاشع (مكان يبعد أحد عشر ميلًا من مصب الأردن)».
أما نسل سام الذي منه إبراهيم فكانوا في الأصل من مواليد أور الكلدانيين بالعراق حيث قالت التوارة عن إبراهيم وسارة «فَخَرَجُوا مَعًا مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ»، وهنا تؤكد التوارة أن الأرض المقدسة كانت للكنعانيين أصلاً.
اليهود يستدلون بالقرآن
بطريقة الأخذ من التوارة لنسف حقيقة أرض الميعاد يأخذ اليهود من القرآن آياتًا لإثبات وعد الله لهم بالأرض المزعومة فتراهم يأخذون آياتًا قرآنية لتأكيد ما بالتوارة.
يستدل اليهود بآية رقم 21 من سورة المائدة والتي تقول «يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ»؛ لكن هذه الآية ترد عليهم لأنها اشترطت عدم الرجوع والدخول في الحرب مع النبي موسى لتحرير الأرض من العصاة وهو ما لم يحدث حيث يقول الله «وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي * فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ».
من نفس الآية يأخذ اليهود دليلاً على أن التيه قد انتهى بنص القرآن؛ لكن هناك آية أخرى من القرآن تقول باقي القصة في سورة البقرة حيث قال تعالى «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ».
العلم بعيدًا عن النصوص
وإذ أردنا تنحية النصوص من القرآن الكريم ككتاب سماوي وابتعدنا التوارة المحرفة والتوارة غير المحرفة التي يؤمن بها المسلمين وقبلنا مسلمات العقل الصرفة سنجد أن يهود اليوم ليسوا أحفاد بني إسرائيل أصلاً.
يذكر مكسيم رودنسون «المؤرخ اليهودي الأصل» يقول في كتابه «فلسطين واليهود والصهيونية «سكان فلسطين تجري فيهم دماء اليهود العبريين لا يهود الشتات»؛ وهو نفسه الذي أقره علماء الإنسانيات ففي كتاب الخلفية التوراتية للكيلاني يذكر أن نقاء الجنس اليهودي أمر خيالي ولا يتمتعون بصفات الساميين الشكلية.