تقرأ في هذا التقرير «حقيقة التنمر من ضباط الجيش بعد 67 وفيلم الممر، محافظة البحيرة الأسوأ في التنمر، تهجير وطلاق، تنمر الكمسارية على منشية الطيران»
كتب | وسيم عفيفي
«أنا ضربتهم كلهم، بيقولوا إن إنت السبب إن إحنا اتغلبنا من إسرائيل».
جملة من الطفل «علي» لوالده «الضابط نور» في فيلم الممر لاقت انتقادًا من بعض الجمهور بحكم أنها مبالغ فيها باسم الحبكة الدرامية؛ حيث أشار الفيلم إلى مسألة خيالية اسمها التنمر من ضباط الجيش بعد 67، لكن للتاريخ رأي آخر وأقسى.
التنمر من ضباط الجيش بعد 67 «كيف حدث بعيدًا عن فيلم الممر» ؟
حاسب ضباط الطيران على «مشاريب النكسة» مرتين إحداها كانت بالمحاكمة والأخرى بعد براءتهم ومن رصيدهم الاجتماعي ولم يستطيعوا الانفكاك من وقائع التنمر إلا عن طريق ملك الموت الذي أراحهم وأراح الناس منهم لكنهم دُفِنُوا وأسرارهم معهم.
اقرأ أيضًا
ضرب الطائرات على الأرض في فيلم الممر «60 ثانية موسيقى تحكي تاريخ»
تبدو جملة ارتاحوا وأراحوا الناس منهم قاسية ومستفزة، لكنها جملة قالها ضباط الطيران تلميحًا وتصريحًا قبل موتهم، فقد ظلت وقائع التنمر مستمرة معهم حتى في قبورهم.
باستثناء ضابط واحد من ضباط الطيران لقي تقديرًا على المستوى الرسمي على يد الرئيس الرئيس عبدالفتاح السيسي والذي أرسل لأهله مندوبين للتعزية في مارس 2019 م وهو العميد طيار متقاعد محمد جمال الدين فرغلي (وكان وقتها عقيدًا وحوكم ثم قضت المحكمة العسكرية بالبراءة) وظل منبوذًا.
تناقض غير مفهوم أن يكون ضباط الطيران المحولين إلى المحكمة لهم سجل عسكري مشرف قبل النكسة والعجيب أن بعضهم كانوا أساتذة لقادة الطيران الذين انتصروا في العبور، والأعجب أن تفاصيل النكسة نفسها لم تكن معروفة للناس فكيف تم إقناع العقل الجمعي بأنهم هم وحدهم المسئولين عن النكسة رغم أن طائرتهم ضُربِت دون إقلاع.
وقع إعلام الرئيس جمال عبدالناصر في خطأ كارثي وهو تهيئة الناس للأحكام قبل صدوها، وتم هذا إعلاميًا بشكل مخفف عقب عودته للحكم بعد 5 أيام من تنحيه، ومع رحيل المشير عبدالحكيم عامر ومحاكمة ضباطه في تهمة التآمر على النظام، تم شحن الشعب على سلاح الطيران بلا استثناء واهتمت الصحف بتغطية الاتهامات الموجهة إليهم دون نشر رد الدفاع.
ظن الرئيس جمال عبدالناصر أن الشعب سيطالب بإعدام هؤلاء الضباط علنًا مثل محاكمتهم، لكن وقعت الصدمة وبدلاً من أن يهتف الشعب ضد الطياريين هتفوا لأول مرة ضد جمال عبدالناصر فأعاد المحاكمة مرة أخرى وفي سابقة لم يعهدها أحد على ناصر، ألغى أحكامًا بسجن من هتف ضده.
أعيد النظر في قضية الطيران وصدرت الأحكام مرة أخرى وقضت ببراءة صغار الضباط والرتب ومعاقبة الرؤوس الكبيرة.
لم يغير أي شيء حدث من أثر الإعلام حيث وَلَّد روح التنمر لكل من عمل في هذا السلاح لدرجة التهجير والطلاق وأحيانًا الأعراض !.
كوم حمادة والتنمر بالكماشة
في كوم حمادة بمحافظة البحيرة التي كانت موردًا اقتصاديًا بأمر المعتمد البريطاني لجنود الحرب العالمية الأولى عام 1914 ولد عبدالحميد الدغيدي «قائد الطيران في المنطقة الشرقية وقت النكسة».
اقرأ أيضًا
جواسيس إسرائيل من أسرى 67 «الحقيقة أبشع مما في فيلم الممر»
قبل الحرب العالمية الثانية تولى عبدالحميد الدغيدي قيادة قاعدة أنشاص الجوية (التي ستكون لعنة عليه في الستينيات) وفي منتصف أربعينيات القرن الماضي تولى التدريس في كلية ميكانيا الطائرات، وبعد الثورة ترقى في مناصب متعددة بدأت من قيادته لمطار ألماظة ثم قيادة الكلية الجوية في بلبيس ووصولاً لقيادة المنطقة الشمالية في 1967 م.
بعد أسابيع من النكسة حوكم عبدالحميد الدغيدي بتهمة التقصير وعدم إخراج قوات المظلات في الانسحاب، وتمت براءته مرتين ومكث في بيته لم يخرج للنور إلا عام 1988 م بمذكراته التي نشرها في مجلة إقليمية تسمى الأيام السكندرية، ولقيت رواجًا دفعه لنشرها بمجلة أكتوبر في 27 يونيو 1993 م، وكتب في مقدمتها «هذه شهادتي وأنا على باب القبر».
اقرأ أيضًا
عزيزة الرعاشة وروحية معدمكش «التاريخ المجهول لملاهي مصر 67»
وتناول عبدالحميد الدغيدي تفاصيل ما جرى في النكسة عسكريًا وما جرى للضباط اجتماعيًا، وحدث ما في عنوان مذكراته فقد مات بعد نشرها بأسبوع.
طبعت مذكرات عبدالحميد الدغيدي وتم نشرها في ملف الطريق إلى النكسة مذكرات القادة، وبها حالات تنمر من ضباط الجيش في 67 حيث تعرض منزل الدغيدي في قرية خربتا بمركز كوم حمادة محافظة البحيرة للضرب بالأحجار، بينما أطفاله في المدرسة تم إجبارهم على تقديم أوراق النقل في الإسكندرية وذلك جراء شائعة أن الدغيدي فجر موقعه وترك سلاحه وهرب، تلك الشائعة التي جعلت أي فرد من عائلة الدغيدي لا يذكر اسم الدغيدي خوفًا من الاحتكاك، فكان لابد أن يترك عبدالحميد الدغيدي محافظة البحيرة بالكامل.
قبل أن يترك عبدالحميد الدغيدي محافظة البحيرة كان لازمًا عليه أن يزور زميل الدفعة القديم ومحافظ البحيرة السابق وجيه أباظة، فاتجه لبيته ليقابله عزيز وجيه أباظة الطفل الذي لم يصل لسن 7 سنوات وقابله بسؤال «عمو انت ليه جبان ؟».
كانت جملة الطفل قاسية لكن الأقسى منها نظرات والديه، فيقول عنهما «كان أبي وأمي ينظران إليّ بعطف الأمومة والأبوة لكن في النظرات كان الاحتقار والنكات من أصحابي تبكيني»؛ فقرر ترك محافظة البحيرة والسفر إلى الإسكندرية ولم يعد لقريته إلا على نعش في التسعينيات.
الطلاق بالنكسة ولعنة أنشاص الراقصة
يشير عبدالمحسن مرتجي في تأييدٍ لما ذكره عبدالحميد الدغيدي من وقائع الطلاق التي جرت بين عدد من ضباط الطيران وزوجاتهم نظرًا للبروباجندا التي طورها الناس إلى شائعات وصلت لحد اتهام بعضهم بتقاضي أموالاً من إسرائيل.
تهمة العمالة التي صارت علامة التنمر من ضباط الجيش بعد 67 كانت شائعة من خيال الناس، لكن أشد شائعة استندت لواقعة هي سهرة أنشاص الصاخبة والتي رقصت فيها زينات علوي قبل قيام النكسة بيوم وتسببت لاحقًا في سحق سمعة ضباط الطيران رغم الجدليات حولها (وسنفصل لها تقريرًا فيما بعد).
بجانب منشية البكري في مصر الجديدة توجد منطقة باسم منشية الطيران المجاور لمتحف الرئيس جمال عبدالناصر، وكانت منشية الطيران بها نادي لضباط الطيران فضلاً عن فيلل ومساكن لهم.
بعد النكسة تم تغيير اسم نادي الطيران بقرار عسكري نتيجة سمعة سهرة أنشاص خاصةً وأن النادي جزء من محطات أوتوبيسات النقل العام، لكن الكومسارية لم ينسوا وأطلقوا أسماءًا أخرى للركاب بسبب سهرة أنشاص منها وأشهرها «شارع العوالم».
صورة الحفل الراقص ماكانتش ليلة النكسة بل كانت عقب حرب السويس وكانت احتفالاً بالنصر