تقرأ في هذا التقرير « جواسيس إسرائيل من أسرى 67 في فيلم الممر، السيناريو وحقائق التاريخ، أدبيات الأسرى والسحق، الملازم والشقيقين»
كتب | وسيم عفيفي
جاء فيلم الممر مغايرًا لكافة الأعمال الفنية التي تناولت قصة أسرى مصر في 1967 م، فطبيعي أن يضم العمل مشاهدًا لقتلهم مثل الرصاصة لا تزال في جيبي وفتاة من إسرائيل؛ لكن الاختلاف الجريء جاء بمشهد عمالة اثنين منهم لصالح إسرائيل وهم في الأسر.
اقرأ أيضًا
مشهد السنترال في فيلم الممر «قصة حقيقية تعامل معها ناصر بطريقته»
جسد الممثل محمد الأحمدي شخصية العريف الأسير الذي رفض فكرة الهروب من المعسكر الإسرائيلي آملاً في انتظار قدوم القوات المصرية لتحريرهم أو ربما يوفي القائد الإسرائيلي بوعده في الحفاظ عليهم؛ إلى أن قرر القائد عرض الفكرة للتصويت فوافقوا بحماسة عكسه هو الذي أبدى تأييده على مضض.
اقرأ أيضًا
أحمد رزق في فيلم الممر وجمال الغيطاني «رسائل بتاريخ مراسل حربي»
بدأ تنفيذ خطة الهروب من المعسكر بعد دراسته جغرافيًا لكن كان الكمين الإسرائيلي معدًا لهم، وفوجئ القائد بأن الرشاش ليس به ذخيرة، وكأن إسرائيل على علم بخطتهم.
يزول استعجاب القائد بمعرفة سبب قتل أسيرين عبر مسدس القائد الصهيوني حين يقول «ما بحب الخاينين»، ليتضح أن خطة الهروب تسربت من الأسيرين، وطلب محمد الأحمدي أن يسامحه زملاءه على كشفه للخطة لعدم تحمله التعذيب.
فيلم الممر وأسرى 67 .. ماذا يقول التاريخ عن عمالتهم ؟
في العام 1983 صدرت الطبعة الأولى من كتاب «خطوات على الأرض المحبوسة» الذي كتبه النقيب مهندس محمد حسين يونس عن أسرى 67 والذي كان واحدًا منهم، وخلال هذا الكتاب فجر مفاجأة بشأن هروب قائد كتيبته ورئيس عملياتها وقت وقوع الحرب.
منذ العام 1983 لم يصرح النقيب محمد حسين يونس باسم قائد الكتيبة ورئيس عملياتها حتى جاء العام 2008 وصرح باسميهما في فيلم وثائقي عن الأسرى، فكان قائد الكتيبة هو الرائد رفعت حنور بينما رئيس عمليات الكتيبة الرائد خلف الله إمام خلف، وهو الأمر الذي علق عليه الفريق سعد الشاذلي بقوله «الكلام دا خطير جدًا ولازم اللي قال الكلام دا يتحقق معاه عشان لو الكلام صح يتحاكم القائد بتاع الكتيبة ورئيس العمليات».
باستثناء رواية النقيب محمد حسين يونس حول مسألة هروب القادة فكافة أدبيات أسرى 1967 تتفق على شيءٍ واحد وهو عملية غسيل المخ التي تعرضوا لها، فالأسر بدأ بالحشر إلى الموت ثم تطور في الإذلال والمهانة لسحق كل شيء نفسي تمهيدًا لعملية غسيل المخ.
اقرأ أيضًا
ضرب الطائرات على الأرض في فيلم الممر «60 ثانية موسيقى تحكي تاريخ»
كانت عملية غسيل المخ تتم داخل معسكرات الأسر بقدوم محاضرين يهود من حاخامات وأساتذة للكلام عن الثقافة اليهودية وتقارب العربي مع العبري، وذلك لاستقطاب الأسرى القابلين لكشف أسرار كتائبهم ثم تطويعهم ليكونوا جواسيس.
مأساة عبدالفتاح أبشع من فيلم الممر وأسرى 67
مأساة إغريقية هي حياة الملازم أول عبدالفتاح عبد العزيز عوض التي جاءت في كتاب «جواسيس الموساد في الدول العربية» للدكتور فريد الفالوجي، فالملازم عبدالفتاح انخرط في السلك العسكري كمقاتل مصري في اليمن ورجع إلى القاهرة ليكون مع زملاءه في جبهة سيناء، وانهار كل شيء في 5 يونيو وتم أسره، أُهِين لكنه لم يُقْتَل فقد ظل حيًا يشاهد مقتل زملاءه في الأسر، عُذِب جسديًا حتى قارب على الموت ثم تركوه لعذابه النفسي بمشاهدته لزملاءه يُدْفَنون أحياء، أما النوم فكان حرامًا عليه بسبب طلقات الرصاص والحلال له بالنعاس هو التنويم المغناطيسي، وحين تسرب له المرض بدأ علاجه لكن بعقاقير عصبية.
كان عبدالفتاح عبدالعزيز عوض أحد جواسيس إسرائيل من أسرى 67 والسؤال الذي يشغل باله «متى سأموت لأرتاح من حالة اللاموت واللاحياة هذه»، ظل عبدالفتاح في هذه الحالة أكثر من 6 أشهر سُحِقَت فيه كل شيء من كرامة وكبرياء وآدمية ولم يتبقى له إلا رجولته التي باتت مهددة بالإخصاء في مقابل أن يعمل ضمن منظمة السلام التي أخبره قائد معسكر أسره أنها بهدف التفاهم مع العرب وهذا التفاهم لن يأتي إلا بالتعرف على قوتهم.
كان من المفترض أن يقوم عبدالفتاح عوض بإبلاغ السلطات المصرية عن المهمة التي كلفته بها إسرائيل، لكنه تهيأ نفسيًا لأسطورة «الموساد قادر يجيب أهلك ويقتلهم»، فقرر عبدالفتاح أن ينفذ ما قيل له.
اقرأ أيضًا
ملقن أم كلثوم في أغنية جيش العروبة يتحدث «خاطرة لن ينشرها»
الحالة النفسية عند الملازم عبدالفتاح أوقعته في الفشل حيث تم ضبطه متلبسًا في وحدته بعد رجوعه لها بأشهر وهو يقوم بكتابة تقرير بالحبر السري يحتوي على بيانات وحدته، فعوقب بالسجن المؤبد وأنقذته حالته النفسية من إعدام قانوني لكنها سلمته لموت بالرخيص.
لم يكن جواسيس إسرائيل من أسرى 67 فقط، بل كان هناك مجندين جدد بعد النكسة لم يتعرضوا للأسر لكنهم سمعوا عن أهواله ومنهم المجند أمين محمد محمود محمد، والذي عمل لصالح الموساد قبل حرب أكتوبر والذي جنده هو أخيه سيد عاشق النساء؛ والعجيب أن الشقيقين يستحقان الإعدام على عكس حالة عبدالفتاح لكن تم سجنهما بالمؤبد.