تقرأ في هذا التقرير «حكاية الحج إلى قبر المسيح وكيف بدأت، مراحل تاريخية حسمت الذهاب إلى جبل الزيتون، المسيحية والابتعاد عن الحروب الصليبية»
كتب | وسيم عفيفي
سُجل تاريخ العصور الوسطى على صفحات الرماح والسيوف بسطور الدم من خلال الحروب الصليبية والتي وصلت إلى 7 حملات كان نواتها الحج إلى قبر المسيح في القدس، تلك الشعيرة التي تمت على 4 مراحل تاريخية كما حددها الباحث عباس عاجل جاسم وسمير صالح حسن العمر.
مرحلة الحج النادر لعدم وجود الفرض
بدأت المرحلة الأولى في تاريخ الحج إلى قبر المسيح خلال بداية القرون الميلادية الأولى المسيحية الأولى حتى صدور مرسوم ميلان عام 313 م والذي نص على عدم تدخل الدولة الرومانية في شأن العبادة المسيحية.
خلال القرون الأولى كان الحج إلى قبر المسيح قليلا لكونه ليس فريضة دينية بالإضافة إلى ظروف الاضطهاد التي شهدها المسيحيين من الرومان رغم مرسوم ميلان؛ واقتصر الحج على زيارة موقع رفات السيد المسيح ومغارة المولد والموضع الذي صعد منه المسيح إلى السماء.
مرحلة هيلانة وكنيسة القيامة
جاءت المرحلة الثانية في تاريخ الحج إلى قبر المسيح بعد الاعتراف بالمسيحية كديانة رسمية في الدولة الرومانية في عهد الامبراطور قسطنطين والذي دعم الديانة الجديدة في مركز الدولة روما وفي موطن الديانة بيت المقدس إذ عملت والدته -القديسة هيلانة – على بناء كنيسة القيامة سنة 328م وكشفت عن مقدسات أخرى، مما أدى إلى إزدياد رحلات الحج إلى فلسطين.
المرحلة الثالثة وكيف تعامل المسلمين معها ؟
أما المرحلة الثالثة فتبدأ من العصر الإسلامي بدءًا من معركة اليرموك وتحرير بيت القدس إذ فرض العرب المسلمون سيطرتهم على بلاد الشام ثم بعد ذلك سيطروا على مصر وشمال إفريقيا وبعض جزر البحر المتوسط مما جعل المسلمين مهيمنين على البحر المتوسط وهذه التطورات أثرت في الحج لكنها لم تقطعه اذ ذكرت بعض الرحلات التي تعود إلى هذه المدة.
ويؤكد المؤرخين الأجانب أن عملية الحج لم تواجهها صعوبات سياسية وإن وجدت فهي ثانوية بل صعوبات تفرضها طبيعة العصر آنذاك من طرق ووسائل المواصلات واللغة وادارة الأماكن المقدسة في فلسطين، ولا ريب أن قوافل الحجاج المسلمين كانت تتعرض لمثل هذه الصعوبات والمشاكل أيضا.
الحج الأكبر كيف ظهر ؟
جاءت المرحلة الرابعة والمعروفة باسم عصر الحج الأكبر حدثت تطورات مهمة في أوروبا والبحر المتوسط خلال القرن العاشر منها تطور التجارة وظهور المدن التجارية ساعدها على هذا التطور انحسار دور المسلمين في البحر المتوسط، وكان لهذه التطورات آثار ايجابية على تنقل الحجاج بيسر نوعاً ما إلى الاراضي المقدسة في فلسطين وكانوا غالباً يفضلون الطريق البري عبر القسطنطينية.
وخلال تلك المرحلة تعززت عملية الحج إلى الأماكن المقدسة في فلسطين بالمكانة الدينية والتاريخية لمدينة القدس في العقيدة المسيحية والتطور الداخلي للكنيسة الكاثوليكية وسعت البابوية لتتبوَّأ منصب السيادة الدينية والدنيوية والصراع مع الكنيسة الشرقية للسيطرة على العالم المسيحي، وأدت كل هذه العوامل إلى جعل القدس تحتل مكانةً متفوقة على روما نفسها لأن الأماكن الثلاثة الأخرى جميعها كانت ضمن نفوذ وهيمنة الكنيسة الغربية عدا القدس التي كانت تحت إشراف الكنيسة الشرقية مع بقية الأماكن المقدسة التي يحكمها المسلمون.
وأدركت البابوية أهمية القدس واستغلت مثل هذه المشاعر بحكم طموحها الكبير لتظهر مدى نفوذها على المجتمع الأوروبي الغربي، فكانت خطبة البابا أوربان الثاني في المجمع الكنسي بكليرمونت -1095م- خير تعبير عن هذا الإدارة فوجه الناس لتخليص القبر المقدس ـ حسب زعمه ـ فأثار ذلك حماس المجتمع الأوروبي بمختلف طبقاته لما تمثله هذه الدعوة السير على خطى المسيح والتكفير عن الذنوب والحصول على الخلود الأبدي بالوصول إلى القدس، ومع تلك الخطبة بدأ العد التنازلي لمرحلة الحروب الصليبية.