تقرأ في هذا التقرير « تاريخ البلينا القديم والمجهول عنها، المسيحية في البلينا وعلاقتها بترعرع الرهبنة، شؤم على ملكة وشيخ، الكشح لا زالت في الذاكرة، عمار بن ياسر لم يكن في البلينا، الإخوان في مركز البلينا منذ حسن البنا، شخصيات من البلينا هذا وضعها»
كتب | وسيم عفيفي
بدأ تاريخ البلينا في ظل وجود المعبد والقصر وبين مطرقة الكاهن وسندان الفرعون، ورغم العُمْر العتيق لذلك المركز القابع في آخر سوهاج، لكن لم يؤثر الزمان فيه؛ فهو دائمًا يصيغ التاريخ الغريب لنفسه عن طريق أبناءه.
اقرأ أيضًا
حكاية «قبر مكتشف البلهارسيا في مصر» العالِم مات بسبب مريضة
اتسم تاريخ رموز البلينا بأنه مختل، فلم يحدث الازدهار إلا لقليلٍ منهم بينما كانت الكوارث عليهم عن طريق غالبيتهم، وحين تتجه الدولة لهم بعين الرعاية تصحب معها سوط الأزمات.
تاريخ البلينا القديم «مدينة الحكام الأوائل لم تكن على الخريطة»
ضمت البلينا رفات حكام مصر خلال الأسرتين الأولى والثانية بحكم أنهم ينتسبون إلى مدينة أبيدوس عاصمة دولتهم والتي صار بها معبد عبادة إيزيس وأوزوريس وحورس.
الشيء المشهور في تاريخ البلينا هو سبب تسميتها بهذا الاسم، حيث أجمع كثيرون أنه نسبة إلى الأميرة بولونيا الفرعونية والتي لها صلة قرابة مع الملك مينا موحد القطرين؛ لكن هذا غير مؤكد نظرًا لأن الاسم يبدو قبطي كما ذكر إميل كليمنت أميلينو والذي قال أن اسمها كان «TBOURANE» خلال العهد الروماني، ومع الحكم الإسلامي ذكرها مؤرخون مسلمون كُثُر مثل بن حوقل والمقدسي والإدريسي الذي وصفها بأنها بلاد النخل والقصب.
اقرأ أيضًا
“موحد القطرين” ذبح الأسرى الشماليين وتزوج ابنة ملكهم وفرس النهر قتله
ورغم كل هذا الزخم لكن لم تكن مدينة البلينا مستقلة على الخريطة وإنما كانت مجرد قرية تتبع مركز برديس ومع الاهتمام الأثري خلال القرن التاسع عشر تم نقل المركز إلى مدينة البلينا وأصبحت برديس تابعة لمركز البلينا.
السعادة التعيسة في تاريخ البلينا .. شؤم أم مجرد صدفة ؟
شخصيات تاريخية ذات ثقل زارت مدينة البلينا، لكن لم يلبثوا أن انتهوا إما بالموت أو الاختفاء في نفس عام دخولهم تلك المنطقة.
كانت الملكة ماريا ملكة رومانيا أجرت آخر زيارة دولية لها إلى مصر في فبراير عام 1930 م وذلك للتنزه السياحي في بلد الفراعنة، والجولة الأخيرة في زيارتها كانت للبلينا حيث تفقدت معبد أبيدوس بصحبة نجلتها إيليانا، وبمجرد عودتها إلى العاصمة بوخارست تمكن نجلها كارول الثاني من الوصول إلى الحكم وإقصاءها بالإقامة الجبرية.
الأمر نفسه حدث بشكل مختلف مع الشيخ عبدالحليم محمود، حيث أن آخر جولة قام بها للصعيد منتصف 1978 م كانت لمركز البلينا حيث افتتح معهدها الديني وأطلق اسمه على أشهر مناطقها «شارع عبدالحليم محمود ـ المنشية الجديدة حاليًا».
لم يلبث الشيخ عبدالحليم محمود بعد افتتاحه لمعهد البلينا حتى بدأت أعراض تعب المخ تظهر عليه ولفظ أنفاسه الأخيرة في 17 أكتوبر 1978 إثر هبوط حاد في الدورة الدموية.
المسيحية في البلينا .. تاريخ كسر التابوه
ترعرعت المسيحية في البلينا خلال أوائل القرن الثاني الميلادي على يد أبرز العلماء الأقباط ومنهم القديس أنطونيوس الكبير مؤسس الحركة الرهبانية في العالم، و الأرشمنتدريت شنودة رئيس المتوحدين.
لم يتغير وضع الأقباط في تاريخ البلينا منذ أن دخلتها المسيحية، فحين يكونوا أكثرية يعودوا ليكونوا أقلية في قلق رغم الاستقرار، ورغم أن للبلينا دور في الحفاظ على التراث القبطي الأدبي خاصةً في مسألة اللغة القبطية التي حافظت عليها اللهجة الصعيدية، لكنها شهدت أزمة طائفية عنيفة انتهت بميلاد مركز من قلب المركز.
شهد تاريخ مركز البلينا واقعتين من أشد حوادث الفتن الطائفية خلال أواخر القرن العشرين، في قرية الكشح كانت الأولى في أغسطس من العام 1998 م والثانية في 31 ديسمبر 1999 م، وفقد مالا يقل عن 25 مسيحيًا حياتهم.
اقرأ أيضًا
مسلمون في حياة بابوات الكنيسة القبطية «أحدهم تعلم الإنجيل على مسلم»
وبعد سنوات من الأخذ والرد القانوني والقضائي انتهى الحال إلى تغيير اسم قرية الكشح لتكون «دار السلام» وما لبث أن صارت مركزًا مستقلاً عن البلينا.
الإسلام والبلينا .. هبدة تخص عمار بن ياسر في أول بلد للإخوان بالصعيد
في شرق مركز البلينا محافظة سوهاج يوجد أحد أشهر المساجد بين منطقة المثلث والفاوية والذي يعد أول مساجد المركز زحاماً في صلاة الجمعة ثم يليه مسجد الأنوار المحمدية.
يقام سنوياً في مركز البلينا سوهاج مولداً باسم «مولد سيدي عمار بن ياسر» ويقام في ساحة الضريح، وتلك كارثة تاريخية ودينية حيث أن اللافتة مكتوب عليها الصحابي الجليل عمار بن ياسر، وداخل غرفة الضريح لوحة تعريفية بـ عمار ياسر، والذي لم يُدْفَن في مصر أصلاً.
قبر عمار بن ياسر الآن في محافظة الرقة بـ سوريا داخل مسجد أويس القرني والذي يحتوي على مقام عمار بن ياسر و أويس القرني و لم يبقى مع التاريخ سوى قبري عمار بن ياسر الذي كان عبارة عن قبر عادي عليه شاهد كتب عليه هذا قبر الصحابي عمار بن ياسر و قبر أويس القرني و عليه غرفة صغيرة وقبة يزورها الناس؛ وقد تم نسف الجامع من قِبَل تنظيم داعش الإرهابي.
المجهول عن تاريخ البلينا أنها كانت أول مركز في سوهاج يستجيب لدعوة حسن البنا وجماعة الإخوان التي افتتحت مقرًا بها هو الأول في الصعيد برئاسة الشيخ عبد الرحيم فرغل وذلك 1934م ثم زارها حسن البنا 3 مرات عام 1935 م و 1935 و1945 م وتفقد شعب الإخوان في أولاد مازن والحرجة قبلي وعرابة أبيدوس والحرجة بحري التي كانت أشهر بقع الإخوان للاختباء بعد اغتيال جمال عبدالناصر.
شخصيات من تاريخ البلينا صاغت أحداث مصر
زخر تاريخ البلينا بعدد من الشخصيات التي كانت لها بصمة في التاريخ المصري بشتى التخصصات ولبعضهم تأثيرات سلبية والآخر إيجابيًا.
من مركز البلينا كان كامل أبو ستيت أول من حقق في قضية ريا وسكينة ووقع بخطأ كارثي إثر جعل مكان سجنهم واحدًا مما جعلهم يحبكون أقوالهم.
وخرج من مركز البلينا البابا يوساب الثاني الذي كان أول من تعرض للاختطاف تحت تهديد السلاح في تاريخ بابوات الكنيسة القبطية على يد جماعة الأمة القبطية عام 1954 م.
وعلى مستوى الأقباط أيضًا كان الأرخن رفلة جرجس رئيس جمعية التوفيق القبطية للاهتمام بالكنائس وتأسست مدرسة على اسمه في مركز البلينا.
وخرج من مركز البلينا أيضًا الإعلامية سهير الإتربي رئيسة التلفزيون المصري، والتي تنتمي لعائلة إعلامية كبيرة، فشقيقتها هي سامية الإتربي، وشقيقتها الصغرى هي المذيعة عزة الإتربي.
وعلى المستوى الديني كان من مركز البلينا القارئ عبده عبدالراضي أحد أشهر رموز التلاوة والذي وصفه الموسيقار محمد عبدالوهاب «المتواضع الجليل»، وكانت له صلة صداقة بقراء جيله الكبار وعلى رأسهم الشيخ مصطفى إسماعيل واللذين رحلا في عام واحد وهو 1978 م.