تقرأ في هذا التقرير « الأزهر وروسيا القيصرية والبداية من عياد، فترة عبدالناصر والسادات وظل السياسة العامة، ما قبل انهيار السوفيت، حلم أزهري لروسيا ما بعد السوفيت»
كتب | وسيم عفيفي
كان العام 1784 م هو بداية العلاقات بين مصر وروسيا عقب قيام الإمبراطورة يكاترينا الثانية بإصدار مرسوم تعيين «كندراتي فون تونوس» قنصلاً من الإمبراطورية في مصر.
اقرأ أيضًا
مسلمون في حياة بابوات الكنيسة «أحدهم تعلم الإنجيل على يد محفظ قرآن»
ساهم تونوس في تشييد العلاقات المصرية الروسية التي سرعان ما طورها الدبلوماسي ألكسي لاكوفسكي، وظلت العلاقات الروسية المصرية أحد أهم الثنائيات التي تتحكم في مستقبل الشرق الأوسط إلى الآن.
بقي وضع الأزهر وروسيا ذا بصمة خاصة، بدأت في عهد محمد علي باشا وحملت مفارقات كثيرة على مدار الحقب التاريخية.
الشيخ عياد .. الأب الروحي لبصمة الأزهر في ثقافة روسيا
تبقى أهم بصمة في تاريخ اللاعب محمد صلاح مع الكرة المصرية، أنه ساهم في تأهل المنتخب المصري إلى كأس العالم بروسيا 2018 بعد غياب دام 28 عامًا، لكن المفارقة تكمن في أن بلدياته الشيخ محمد عياد الطنطاوي ـ المولود في قرية نجريج عام 1810 م ـ ساهم قبل 128 عامًا من التأهل لكأس العالم، في معرفة مصر بروسيا وجعل الأخيرة تتعرف على اللغة العربية ليكون أول أزهري يدخل أرض القياصرة.
في سن الثالثة عشر التحق الشيخ محمد عياد الطنطاوي بالأزهر وتعلم فيه على يد الإمام إبراهيم الباجوري، ونشأ كغيره من الأزهريين المتخرجين في كنف التدريس وعمل بالتجارة في نفس الوقت حتى تغيرت حياته كلها عام 1840 م حين أصدر محمد علي باشا إرسال طنطاوي إلى روسيا.
معرفة محمد عياد الطنطاوي بالروس نجمت من صلته باثنين من مستشرقي القياصرة وهما موخين وفرين واللذين عملا في القنصلية الروسية بمصر كمترجمين، ومن أجل أن يتقنا مهنتما كان لازمًا عليهما أن يتعلما اللغة العربية وهو ما كان متوفرًا في الشيخ محمد عياد طنطاوي.
اقرأ أيضًا
ما الذي جمع أقدار “محمد صلاح” مع هذا الشيخ ؟
خلال 7 سنوات وصل محمد عياد طنطاوي إلى مناصب متعددة في روسيا حيث شغل منصب كبير مدرسي اللغة العربية في معهد اللغات الشرقية بجامعة بطرسبرج عام 1840م، واشتغل بديوان الخارجية فى بطرسبرج، ثم عمل أستاذاً لكرسي اللغة العربية في جامعة بطرسبرج عام 1847م.
نال محمد عياد الطنطاوي نيشـان ستأنيسلان، ووسام القديسة حنا من قيصر روسيا، وميدالية من ملك فرتمبرج على قصيدة له باللغة العربية، كما قلده القيصر خاتمًا مرصعا بالألماس.
تابع :ـ طلب اللجوء الى السويد عبر الانترنت : الشروط والمساوئ والمميزات
حتى الآن لا زالت روسيا تحترم الشيخ محمد عياد طنطاوي لدرجة جعلت القيصر يرفض إرسال جثمانه إلى نجريج وإنما خصصوا له قبرًا واعتبروه أثريًا ترعاه الدولة وبقي هذا تقليدًا حتى اليوم تقديرًا لجهوده.
الشيخ طنطاوي جوهري وحلم نوبل المستحيل
تغيرت ثقافة روسيا نهائياً من دولة القيصر إلى اتحاد الرفاق نتيجة للحرب العالمية الأولى، وقبيل اندلاع الحرب الثانية كان العالم الأزهري طنطاوي الجوهري أنهى كتابه «أحلام السياسة وكيف يتحقق السلام العام»، وساهم هذا الكتاب في إثراء نشطاء السلام في روسيا مما جعل الكتاب يحقق صدىً في روسيا مثل كتابه السابق عن الإسلام.
قررت مصر بدعم من نشطاء الثقافة في روسيا دعم مؤلف الكتاب للفوز بجائزة نوبل للسلام لكن باءت هذه المحاولة بالفشل حيث مات طنطاوي جوهري قبل حفل جائزة نوبل ثم قررت السويد إلغاء بند السلام في أنواع الجوائز لاندلاع الحرب العالمية الثانية.
العدوان الثلاثي يلقي بظلاله على الأزهر وروسيا
لم يكن الأزهر الشريف بعيدًا عن العدوان الثلاثي عام 1956 م، وكما رفع الإمام الأكبر الشيخ عبدالرحمن تاج البندقية لدعم المقاومة، رفع برقية شكر إلى روسيا الاتحاد السوفيتي للوقوف بجانب مصر.
تشير وثائق الأزهر خلال عهد الشيخ عبدالرحمن تاج أن الأخير أرسل مع السفير السوفيتي برقية شكر في الثاني من نوفمبر 1956 م قال له فيها «شيخ الأزهر وعلماءه يرجون تبليغ حكومتكم بالغ الشكر على وقوفها بجانب الحق والاستجابة لنصرة العدالة والدفاع عن مبادئ الشرف الدولي وحريات الشعوب واستنكار الغزو والاستعمار».
قبل الشرخ .. بعثة أزهرية من أجل مسلمي آسيا الوسطى
كان العام 1970 فارقًا في علاقات مصر وروسيا، فالرئيس جمال عبدالناصر، رجل الاتحاد السوفيتي القوي في العالم العربي أجرى خلال شهر يناير آخر زياراته لها من أجل السلاح والعلاج وبعد تلك الزيارة بـ 8 أشهر رحل عن العالم وتغيرت موازين العلاقات.
كان آخر تمثيل مصري رسمي غير عسكري داخل روسيا في حياة جمال عبدالناصر، هو سفر شيخ الأزهر محمد الفحام إلى الاتحاد السوفيتي ومنها إلى بلاد آسيا الوسطى الخاضعة لحكمه وهي «أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان».
سافر محمد الفحام إلى الاتحاد السوفيتي في أغسطس وسبتمبر من العام 1970 م بصحبة القارئ محمود خليل الحصري ورموز صحفية ودينية بهدف تعزيز العلاقات الدراسية بين آسيا الوسطى التابعة للاتحاد السوفيتي والأزهر وهو المشروع الذي مات في نهاية الرحلة برحيل جمال عبدالناصر عن الحياة ليكون موته شرخًا في العلاقات بين الدولتين.
أزهر دولة العلم والإيمان وما بعدها
ساهم الرئيس السادات في تغيير نسق الحكم داخل مصر الذي كان ساريًا على الطريقة الناصرية فقام بتغيير كافة الوجوه السائدة في الحكم يوم 15 مايو من العام 1971 وبعدها بعام واحد طرد الخبراء السوفييت العسكريين لتتغير العلاقات المصرية الروسية.
مثلما دخلت مصر بحرب ضارية ضد إسرائيل عام 1973 م، شن الأزهر معركة فكرية شعواء ضد الفكر الروسي وبدأ من خلال الشيخ عبدالحليم محمود في نقض كافة النظريات الاشتراكية التي تبنتها المؤسسة الأزهرية زمن جمال عبدالناصر؛ وعبر الإمام عن رفضه للشيوعية في 4 كتب لاقت نجاحًا كبيرًا.
ظلت الجفوة بين الأزهر والسوفييت قائمة بعد رحيل الإمام عبدالحليم محمود حين جاء الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ليقول أن أسوأ فترة تعرض لها الأزهر كانت خلال عهد جمال عبدالناصر لأنه ارتمى في أحضان الشيوعية والروس.
وأوضح الدكتور أحمد الطيب أن المد الاشتراكي فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر أدى لسيطرة الماركسيين والشيوعيين على المجتمع، وتأثر بهم الشباب، بل وأن بعثات الأزهر في أفريقيا تأثرت بتوجه النظام نحو الاشتراكية.
كراهية علماء الأزهر لثقافة روسيا لم تصل عند حد الرفض بل تفاقمت لدرجة دفعت الشيخ محمد متولي الشعراوي أن يسجد لله شكراً أن مصر تلقت هزيمة 67 بدلاً من أن تنتصر على إسرائيل وهي في أحضان الشيوعية.
ورغم هذا الكره الواضح بين رموز الأزهر لكنه كله كان بسبب النظام العقائدي للدولة الروسية في الفترة الاشتراكية والذي يعد بالنسبة لرجال الدين إنكار لمعلومٍ من الدين بالضرورة، لكن كانت هناك مساهمات أزهرية في روسيا الشيوعية مثل مشروع فرع جامعة الأزهر داخل قلب الاتحاد السوفيتي.
جامعة إسلامية أزهرية في الدولة الشيوعية
لولا أن تم حل الاتحاد السوفيتي رسمياً في 26 ديسمبر سنة 1991 م، لكانت جامعة الأزهر نجحت في مشروع افتتاح فرعٍ لها في موسكو لتؤثر في ثقافة روسيا، فبالتزامن مع احتفالات الجالية الإسلامية في روسيا بذكرى ميلاد عالم السنة الإمام الترمذي، قدم وفد من علماء الأزهر مقترحاً بإنشاء فرع لجامعة الأزهر في روسيا يحمل اسم «جامعة الإمام الترمذي».
ووقتها صرح محمد الأحمدي أبو النور «وزير الأوقاف آن ذاك» لجريدة الأهرام عدد 19 أكتوبر سنة 1990 م أن الأزهر سيرعى تأسيس هذه الجامعة بتمويل من رجال الأعمال في المملكة العربية السعودية، وبالتزامن مع هذا قدم الدكتور أحمد عمر هاشم مشروعاً لطباعة صحيح الترمذي بطبعات مختلفة وميسرة لعرضها على مجمع البحوث الإسلامية لإجازتها حتى يتم تدريسها في الجامعة، وباء المشروع بالفشل لانهيار النظام السوفيتي.