تقرأ في هذا التقرير « أحمد بوشيقي بريء في معركة ليست معه، سر استخدام لفظ الجلالة الله في الأعمال النجسة، أولمبياد ميونخ، ثأر من البريء».
كتب | وسيم عفيفي
داخل أحد مقاهي مدينة ليلهامر في النرويج ليلة 21 يوليو 1973 م، كان كل الزبائن مشاعرهم تلتهب بجماليات موسيقى أغنية «Love Me Tonight» التي ظل تأثيرها ساريًا منذ ظهورها عام 1969 وأداء «Tom Jones»، يجعل الزبائن يتراقصون والشاب المغربي أحمد بوشيقي يلبي طلباتهم ويتمنى انقضاء الليلة سريعًا حتى يذهب لمنزله، فصباحًا هو يوم الأجازة وسيذهب مع زوجته الحامل إلى السينما.
مع حلول منتصف ليل يوم 21 يوليو عام 1973 م بدأ ملك الموت يعد ما تبقى من حياة أحمد بوشيقي، فمن وراءه دون أن يدري يسير أعضاء فريق كيدون للاغتيالات، يراقبونه ويعدون عليه أنفاسه ويرابضون أمام منزله في انتظاره.
أعطت جولدا مائير الضوء الأخضر للموساد وأعضاء فريق كيدون بتنفيذ عملية تصفية أسمتها «غضب الله» والتي سيتم تتويجها بقتل ذلك الشاب الثلاثيني المغربي أحمد بوشيقي الذي ترك بلدته المولود فيها عام 1940 م وهاجر مع زوجته الجديدة للعمل في مقهى بالنرويج لعله يصبح ثريًا ويكمل فصول مأساة آل بوشيقي، فأخيه الأصغر جلول بوشيقي سافر إلى فرنسا وبدأ يشق طريقه في عالم الغناء.
مضت الليلة هانئة على نفس أحمد بوشيقي وزوجته الحامل ويعدان الأيام حتى يشاهدان مولودهما الجديد، وفي النهار قررا قضاء الأجازة بمشاهدة السينما فاتجها إلى أبرز دار عرض سينمائي في شارع ليلهامر بالنرويج وعقب خروجهما منها فوجئا بقدوم 7 رجال أحدهم ممسك برشاش آلي وأفرغ في جسد أحمد بوشيقي 14 طلقة ولاذوا جميعًا بالفرار تاركين الزوجة المكلومة في ذهول.
سيطرت حالة الصدمة على زوجة أحمد بوشيقي ولم تكد تمضي ساعات حتى أصيب الرجال الـ 7 بنفس الصدمة حين طالعوا الخبر من شاشة التلفزيون ونظروا إلى بعضهم متسائلين «اللعنة .. من هذا الذي قتلناه؟ إنه ليس المقصود، هذا ليس علي حسن سلامة إنه شبيه له».
قبل قتل أحمد بوشيقي .. البداية من أولمبياد ميونخ 72
كانت أولمبياد ميونخ 1972 بألمانيا تبدأ وسط احتقانات شديدة، فالدول الإفريقية قررت عدم المشاركة في حال وجود دولة روديسيا التي اكتسبت سمعة سيئة بسبب العنصرية حتى نالت استقلالها وصار اسمها زيمبابوي، ومع الأفارقة قررت الدول العربية المقاطعة النهائية لدورة الألعاب الأوليمبية نظرًا لوجود إسرائيل فيها.
بدأت دورة الألعاب الأوليمبية في 26 أغسطس عام 1972 م ومضت الأيام هادئة حتى انقلبت ألمانيا رأسًا على عقب مساء يوم 5 سبتمبر حيث اقتحم 8 من رجال منظمة أيلول الأسود الفلسطينية المبنى الذي يقيم فيه 11 لاعبًا إسرائيليًا وقتلوا اثنين منهم وهددوا بقتل البقية إن لم تلبي إسرائيل مطالبهم والمتمثلة في الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين بسجونها.
كان علي حسن سلامة يدير منظمة أيلول الأسود ويعتقد بأن إسرائيل ستلبي هذه المطالب ولو بضغط من ألمانيا باعتبارها البلد المستضيف للبطولة، لكن جولدا مائير كان لها رأي آخر وهو أنها لن تستجيب لمطالب هؤلاء.
انتظر الألمان رد فعل هؤلاء الخاطفين الذين فاجئوا أمن برلين بطلب حضور طائرة تقلهم من ميونخ، فتواصلت جولدا مائير مع الألمان وأكدت مائير على ضرورة عمل كمين لهؤلاء الثمانية قبل السفر إلى فلسطين بأي ثمن حتى لو قام الكمين بقتل اللاعبيين الإسرائيليين.
كان علي حسن سلامة أذكى من جولدا مائير فقد اتخذ وجهة تعادي إسرائيل وهي مصر، حيث حدد للثمانية أن تأتي طائرتين إلى مطار فورشينفليد تقلهم إلى مصر وهذا يعني ضياع كرامة إسرائيل مرتين، الأولى في خطف مواطنيها والثانية إدخال خصم آخر لتل أبيب في الموضوع.
تم عمل الكمين داخل مطار فورشينفليد لمحاولة تحرير الرهائن، لكنه كان غير جيد من الناحية الأمنية وجرت معركة حول طائرتين هيلكوبتر انتهت بقتل اللاعبين الـ 11 و5 من أعضاء منظمة أيلول وضابط طيار ألماني وآخر شرطي وتفجير مروحية.
استخدام لفظ الجلالة في العمليات القذرة وحق أحمد بوشيقي
قررت جولدا مائير إعلان حرب من نوع خاص تجاه مناضلي فلسطين فخططت لعملية أسمتها «غضب الله» لتظهر كما زعمت مدى الغضب الإلهي لأبناء شعبه المختار، فوضعت قائمة بأسماء أعضاء منظمة أيلول وعلى رأسهم علي حسن سلامة.
كان استخدام لفظ الجلالة في العمليات القذرة من جولدا مائير له تأثير في العالم فيما بعد لدرجة أن دييجو مارادونا حين أحرز هدف بلاده في مرمى انجلترا بيده أطلق على حركته اسم «يد الله».
اشتهر علي حسن سلامة عند الإسرائليين بـ الأمير الأحمر لأنه كان مترفًا وثريًا، بينما اعتبره رجال الموساد أنه زئبقي يتخفى ويتنكر حتى جاءت معلومة إلى تل أبيب أنهم عثروا عليه وهو في زي عامل مقهى وكان الهدف المقصود هو أحمد بوشيقي الذي تشبه ملامحه شكل علي حسن سلامة بشعره الكنيش وتصوره الإسرائيليين أن يتخفى في تلك الوظيفة بشاربه الكبير.
قُتِل أحمد بوشيقي عام 1973 لأن الجناة ظنوا أنه علي حسن سلامة بشعره الكنيش وشاربه الكبير والمهنة التي يتوارى خلفها، وألقي القبض على المنفذين وصدر ضدهم أحكام متفاوتة بالسجن لم تنفذ حيث رحلوا إلى إسرائيل ثم تمكنت تل أبيب من قتل علي حسن سلامة الحقيقي عام 1979 وظل حق أحمد بوشيقي غائبًا حتى اعترفت إسرائيل بجريمتها في فبراير 1996 وقامت بصرف تعويض لعائلة أحمد بوشيقي قدره 283 ألف دولار وُزِع على أرملته ونجلتها فيما حصل نجله من زوجته السابقة على 118 ألف دولار.