تقرأ في هذا التقرير « تاريخ جماعة الأمة القبطية ومتى بدأت، إبراهيم فهمي هلال وعلاقته بالبابا شنودة، سر مِلِك وتسببه في خطف البابا، موقف النظام الجديد»
كتب | وسيم عفيفي
سادت أجواء التوتر قبيل فجر 13 فبراير عام 1949 م بمحيط جامع قيسون جهة منطقة الحلمية الجديدة في القلعة؛ سياج أمني شديد البأس حول المسجد وإخلاءه من كل المصلين عدا موظفي الأوقاف الذين حملوا نعش حسن البنا لتشييعه.
منعت حكومة إبراهيم باشا عبدالهادي أن يشارك رجل واحد في جنازة البنا باستثناء أبيه ونساء العائلة، لكن من بعيد كان اثنين فقط تجرأ على المشاركة في تشييع حسن البنا من الحلمية إلى مقبرته في الإمام الشافعي ولم تحاول قوات الأمن اعتقالهما.
الرجلين اللذين شاركا في جنازة حسن البنا كانا من الأقباط وهما مكرم باشا عبيد الزعيم الوفدي السابق والذي شارك بالجنازة نكاية في حزب الوفد المخاصم للجماعة، وبجانبه شاب قبطي هو إبراهيم فهمي هلال مؤسس جماعة الأمة القبطية فيما بعد.
إبراهيم فهمي هلال .. قبطي تأثر بحسن البنا
أحدث حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان تأثيرًا سلبيًا في الشارع المصري خلال فترة أربعينيات القرن الماضي واستمر تأثيره حتى مطلع الخمسينيات.
خلال فترة الأربعينيات بدأت الجماعة تشق طريقها إلى مرحلة اللاعودة بالتوازي مع النظام الملكي، فدماء القاضي الخازندار لم تكد تجف حتى قررت الجماعة إرسال مقاتلين لها إلى فلسطين لمقاومة عصابات إسرائيل عام 1948 م.
هُزِمت الجيوش العربية وتحرج مركز الملك فاروق وحكومة محمود فهمي النقراشي، وفي نفس الوقت شن الإخوان عمليات إرهابية ضد منشآت يهودية في مصر استهدفت مدنيين مصريين ثم اكتشاف سيارة جيب تحمل أسلحة وخططًا لاستهداف شخصيات سياسية على رأسهم رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي والذي قُتِل عام 1948 م.
في تلك الأثناء قرر الشاب إبراهيم فهمي هلال تأسيس جماعة مسيحية ثورية للدفاع عن الأقباط ولو بقوة السلاح لمناطحة الإخوان المسلمين فاستنسخ شعارهم لجماعته وجعل نصه « الله مليكنا، ومصر بلادنا، والإنجيل شريعتنا، والصليب علامتنا، والأُنْخ لغتنا، والشهادة فى سبيل الرب غايتنا».
بقي السؤال عن التناقض في شخصية إبراهيم فهمي هلال، كيف يشارك في جنازة البنا وفي نفس الوقت يفكر في مناطحة الجماعة، الإجابة على هذا أن إبراهيم فهمي هلال كان مفتونًا بشخصية حسن البنا التنظيمية لكنه في نفس الوقت كان يعي جيدًا خطورة قوة التنظيم السري للجماعة خاصة بعد قيامهم بإحراق مبنى الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية عام 1945 م.
كذلك فإن نفس الدافع الذي جعل مكرم عبيد يشارك في جنازة البنا وهو مكايدة الوفد، كان موجودًا لدى إبراهيم فهمي هلال والذي أراد غيظ السياسيين الأقباط الذين اعترضوا على فكرة تأسيس جمعيات سياسية للمسيحيين لعدم وجود داعي سياسي لذلك كون أن الأقباط في العهد الملكي كانوا من كبار المملكة في جناحي القضاء والحقائب الوزارية.
اقرأ أيضًا
حياة بابوات الكنيسة القبطية «أحدهم تعلم الإنجيل على يد محفظ قرآن»
جاء العام 1949 مغلفًا بالغيوم في مصر، فقد قامت جماعة الإخوان يوم 13 يناير بمحاولة نسف مكتب النائب العام داخل محكمة الاستئناف لتضييع أوراق قضية السيارة الجيب التي اكتشفت عام 1948 م وتحمل أدلة إدانة الجماعة في خطط الاغتيال والنسف، وبعد شهر من حادث المحكمة وقع اغتيال حسن البنا ومضى عامين حتى انتهى العصر الملكي على يد مجموعة الضباط الأحرار الذين كانوا شبابًا.
عامل الضباط الأحرار جماعة الإخوان معاملة خاصة في موائمة سياسية، فاستثنوها من مصير الأحزاب ولم يحلوها وفي نفس الوقت تم عقد محكمة لمحاكمة رموز العهد الملكي الذين اتهموا بالتورط في اغتيال حسن البنا، فقرر إبراهيم فهمي هلال تأسيس جماعة الأمة القبطية بموافقة من الكنيسة ورأسها البابا يوساب الثاني في سبتمبر من العام 1952 م.
إبراهيم فهمي هلال والضباط الأحرار .. تواصل وتقليد
افتُتَن إبراهيم فهمي هلال بالضباط الأحرار وكان من الداعمين للواء محمد نجيب وتواصل معه كثيرًا في وضع الدستور لتقنين أوضاع الأقباط في حكم الحكم الجديد وبقيت الاتصال بين إبراهيم فهمي هلال ومحمد نجيب وجمال عبدالناصر.
حل العام 1954 والذي كان مرحلة فارقة ونهائية في تاريخ جماعة الأمة القبطية والكنيسة والجيش، فقد كان نجم جمال عبدالناصر يصعد وتأثير محمد نجيب يخفت، وفي نفس الوقت كان داخل الكنيسة في حالة اضطراب فالقوة الروحية للبابا يوساب الثاني ضربها الوهن وصعد نجم خادمه كامل جرجس المعروف باسم مِلِك.
تمكن جمال عبدالناصر من عزل اللواء محمد نجيب والسيطرة على أتباعه ثم تمكن من إزاحة جماعة الإخوان في ضربة واحدة، فأراد إبراهيم فهمي هلال تقليد البكباشي الشاب فقرر إجبار البابا على طرد خادمه مِلِك الذي أفسد في الكنيسة أو إزاحة البابا نفسه.
حكاية مِلِك وموقف البابا يوساب الثاني من الخطف إلى العودة ثم العزل
دب الوهن في البابا يوساب الثاني بحكم السن ووثق في خادمه مِلِك والذي أساء استغلال منصبه كـ «خادم البابا» فتدخل في اختيار وتنقلات الأساقفة وعبث بالمهام الباباوية لدرجة أنه كون ثروة أقامها من الرشوة وكره الأقباط جميعًا وجوده.
كان البابا يوساب الثاني رافضًا لفكرة طرد مِلِك من الكنيسة وسبب رفضه العرفان بالجميل، إذ أن البابا كان صعيديًا من مركز البلينا محافظة سوهاج وتأثر بمسائل الوفاء لمِلِك الذي كان يساعده فرفض كل الطلبات المقدمة لعزله.
نظم إبراهيم فهمي هلال في ليل 25 يوليو سنة 1954 م تحركًا إلى البطريركية واقتحموا غرفة نوم البابا وأجبروه تحت تهديد السلاح إلى تقديم استقالته واختطافه إلى دير مارجرجس للراهبات في مصر القديمة.
بمجرد أن عرفت الدولة هذا الحادث تحركت أجهزة الأمن إلى مقر الدير في 26 يوليو 1954 وقامت بتحرير البابا وإلقاء القبض على كل أعضاء الأمة القبطية وقررت محاكمتهم وعوقب إبراهيم فهمي هلال بالسجن 7 سنوات لولا إعلان البابا أنه سامحهم ليتم حل جماعة الأمة القبطية في 27 يوليو 1954 م.
المجهول في تاريخ جماعة الأمة القبطية
كانت هناك عدة مسائل غير مروية في تاريخ جماعة الأمة القبطية أولها أن إبراهيم فهمي هلال أكد في أحاديث له بعد ذلك أن تأسيس تلك الجماعة كان استجابة لرغبة المطارنة.
بعد حل الجماعة الأمة القبطية بسنة استجاب البابا يوساب الثاني لرغبة المجمع المقدس وقرر طرد مِلِك لكن كان هذا بعد فوات الأوان حيث أن المجمع دخل في نزاع مع البابا انتهى بعزل الأخير في يونيو عام 1956 ووفاته في نوفمبر من نفس العام.
كانت هناك صلة بين إبراهيم فهمي هلال والبابا شنودة منذ أن كان الأخير ضمن مدارس الأحد وأحد أبرز الرافضين للبابا يوساب، لكن عدم مشاركة «نظير جيد ـ البابا شنودة» في عملية خطف البطرك راجع إلى أن البابا شنودة كان ذا عقلية إصلاحية وهدفه الإصلاح التعليمي أولاً، أما إبراهيم فهمي هلال فكان ثوريًا بلا تخطيط ولذا فإن القضاء عليه كان سهلاً، وانتهى تاريخ جماعة الأمة القبطية ولم تعد ثانيةً.