تقرأ في هذا التقرير « حقيقة علي بك الكبير تاريخيًا، اختلافات بين 3 أعمال فنية تناولت شخصية المملوكي المستقل، جوانب مخفية من مسيرة علي بك الكبير».
كتب | وسيم عفيفي
توارت حقيقة علي بك الكبير التاريخية بفعل 3 أعمال فنية اختلفت طريقة تناولها لشخصية أشهر رموز المماليك خلال عهودهم الأخيرة نظرًا للتأثير الذي تركه الرجل لدرجة جعلته مقررًا دراسيًا في الثانوية العامة.
حقيقة علي بك الكبير ورؤية الفن ؟
كان أول عمل فني ـ وأشهرهم على الإطلاق ـ تناول حقيقة علي بك الكبير، مسرحية شعرية نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي وكتبها حين كان في فرنسا وباتت نهاية الدولة العثمانية في مخاضها الأخير.
وقام أمير الشعراء أحمد شوقي بصياغة ذلك النص المسرحي مفعمًا بنُذُر نهاية الدولة العثمانية التي حاول علي بك الكبير عمل أول محاولة استقلال لمصر عنها، وظهر في تلك المسرحية بمظهر البطل المغوار حامي حمى الديار وراعي البلاد والعباد وعاشق مصر الأول.
أما ثاني الأعمال الفنية فكان مسلسل الحب في عصر الجفاف عام 1989 م، وجسد شخصية علي بك الكبير الفنان الراحل عبدالله غيث، ووثق المسلسل الذي كتب قصته والسيناريو والحوار له محمد أبو العلا السلاموني، مسيرة علي بك الكبير وأظهره بنفس ما قام به أحمد شوقي، لكن المسلسل وقع في خطايا تاريخية رغم أن مراجعه هو الدكتور عبدالرحيم عبدالرحمن أستاذ التاريخ العثماني في جامعة الأزهر.
فمثلاً كان أول ظهور لشخصية شيخ العرب همام في الدراما المصرية عبر هذا المسلسل وجسد الشخصية الفنان أنور إسماعيل، وشهد المسلسل الاكتظاظ بالأخطاء التاريخية الفادحة، ويتضح هذا مثلا في أن لهجة أهل الصعيد لم تكن العربية الفصحى، كما أن شيخ العرب همام لم يكن على صلة بالسيد عمر مكرم والذي يمثله الفنان محمود مسعود.
آخر الأعمال الفنية التي جسدت شخصية علي بك الكبير كان مسلسل شيخ العرب همام عام 2010 م وجسد الشخصية الفنان عزت أبو عوف والذي كان أمهر من جسد هذه الشخصية فنيًا وربما كان المسلسل هو أصدق تلك الأعمال المذكورة في كشف حقيقة علي بك الكبير، والمبرر الوحيد لتغافل المسلسل أحداثًا تاريخية حول الشخصية هو أن مدار العمل لم يكن علي بك وإنما شيخ العرب نفسه !.
علي بك الكبير في مادة التاريخ المدرسية
لا يختلف المنهج المدرسي لمادة التاريخ المقررة على طلبة الثانوية العامة، في تناوله لمسألة حقيقة علي بك الكبير عن الأعمال الفنية، ولم يصل تمجيد حقيقة علي بك الكبير إلى حد كتب التاريخ فقط، بل إن نص أحمد شوقي نفسه ـ والذي تنصل منه ـ، صار مقررًا على طلبة الصف الثاني الثانوي.
اقرأ أيضًا
كيف تصالح محمد علي باشا مع المماليك بعد مذبحة القلعة
مجدت مادة التاريخ في شخص علي بك كون أن فساد الدولة العثمانية وولاتها في مصر بشكل عام حولوا علي بك الكبير إلى بطل لمحاولته الاستقلال عن تلك الدولة؛ لكن المنهج المدرسي وقع في خطايا تاريخية كبرى أهمها على الإطلاق أنهم لم يكشفوا حقيقة علي بك الكبير ومبرر ذلك الهوى الجمعي في كتابة التاريخ المدرسي.
ماذا يقول التاريخ عن حقيقة علي بك الكبير
الأصل المملوكي في حقيقة علي بك الكبير منعدم، فهو من المماليك صفةً لا نسبًا وبالتالي محاولة مباركة حركته للاستقلال على أنها حق من حقوقه كون أن مصر مملوكية منذ أيام قطز وبيبرس وخلفاءهما، هي محاولة يائسة.
لم يكن علي بك الكبير مسلمًا مثل أوائل المماليك الذين أسسوا دولتهم بمصر وإنما هو نجل قسيس رومي ضمن طائفة الأرثوذكس في جورجيا حتى صار مسلمًا حين اشتراه الأمير إبراهيم كتخدا والذي علمه الإسلام على يد علماء الأزهر وبسبب نجابته أعتقه وولاه الأمور الإدارية في إيالة مصر العثمانية.
لم يكن الهدف الرئيسي من حركة علي بك الكبير هو الاستقلال المصري عن الدولة العثمانية، هو في الأساس كان يريد البقاء في حكم مصر بأي شكل، نظرًا للصراعات الدموية حول السلطة، وبالتالي فإن فكرة الاستقلال عن الدولة العثمانية جاءت كتحصيل حاصل وليس كهدف حلم به يومًا.
شجع فساد تركيا وانهيار دولة بنو عثمان على أن يستقل علي بك الكبير بمصر بتحالف مع روسيا التي هزمت الدولة العثمانية في حربها، يضاف إلى ذلك أن ما كان يفعله ولاة الدولة العثمانية من مظالم فعلها علي بك الكبير نفسه لدرجة الجبرتي يحكم عليه بأنه صاحب فكرة سلب الأموال ونهب الدور على الطريقة المملوكية.
كان توسع علي بك الكبير دليلاً على شراهته في الحكم ومد سطوة دولته الجديدة فامتد نفوذه من مصر ليشمل الشام والحجاز وسعى في حركته تلك إلى كل ما هو مشروع وغير مشروع حتى تعرض لنفس ما كان يفعله وهو الخيانة التي أجهضت مشروعه.
يبقى شيء في حقيقة علي بك الكبير وهو أنه لم يرتكن إلى الشعب المظلوم من ولاة العثمانيين، وإنما قَوَّى ظهره بالروس من خلال معاهدة التحالف التي أبرمها مع البارون كندراتي فون تونوس، وكان هذا هو الفرق بين محمد علي باشا وعلي بك الكبير في محاولة الاستقلال بحكم مصر عن العثمانيين، فالمملوكي ضرب ظهور المصريين ظلمًا فكانوا أول من فرح بسقوطه، بينما الباشا ارتكن إلى الشعب الذي تحدى به السلطان فنجح في هزيمة تركيا سياسيًا واتقى ضربة الإنجليز في حملة فريرز ثم اقتنص حكم مصر خالصًا له ولأولاده بعيدًا عن سلطة السلطان العثماني التي كانت صورية.