تقرأ في هذا التقرير « الشعراوي والإخوان من الوفاق إلى الشقاق، الشعراوي وحسن البنا وبينهما شرخ، الإخوان يعترفون بكراهية الشعراوي لهم، حرب إخوانية على شعراوي السبعينيات»
كتب | وسيم عفيفي
بمجرد أن دخل جمال عبدالناصر إلى القبر، جاءت قبلة الحياة لكافة خصومه السياسيين والفكريين بالتزامن مع مطرقة دوت على رأس الناصريين واليسار.
اقرأ أيضًا
«قصة ترك الشيخ الشعراوي للزي الأزهري» أقسم أن لا يرتديه إلى أن يموت
كانت لعبة التوازنات السياسية التي قرر الرئيس السادات تشكيلها بهدف ضرب تأثير الناصريين واليسار متحفظ عليها من قِبَل رجال الأمن إذ أنها تعطي للتنظيمات الإسلامية فرصة لصياغة الحياة السياسية ولو بالدماء.
اقرأ أيضًا
«من متهم بالقتل إلى قاضي إعدام» كيف لعب ماضي السادات دوراً في اغتياله
قرر السادات إزاحة من يعترض طريق لعبته وعين من الأمن محافظًا لأسيوط عهد إليه رعاية التنظيمات الإسلامية التي استأسدت بالنصيب الأكبر من المنابر، وتزامن هذا مع تولي الشيخ محمد متولي الشعراوي منصب وزارة الأوقاف ليتجدد ماضي الشيخ مع الإخوان.
الشعراوي والإخوان .. علاقة بدأت وانتهت من أيام حسن البنا
كانت فترة الثلاثينيات والأربعينيات مفعمة بالزخم السياسي وكان طبيعيًا أن يحدث اللقاء بين مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا والطالب محمد متولي الشعراوي المفصول من الأزهر بسبب مشاركته في مظاهرات الأزهريين ضد قرار عزل شيخ الأزهر الدكتور محمد مصطفى المراغي، فالطالب والمرشد كلاهما على نفس الدرب وهو الثورة والاثنين اتسما بعلاقة وطيدة مع شيخ الأزهر الدكتور المراغي، لكن بقي حزب الوفد هو الحاجز الزجاجي بينهما.
كان الشيخ محمد متولي الشعراوي في مقتبل حياته ذا نزعة وفدية نشأت مع طفولته المبهورة بالزعيم سعد زغلول وسجن مرتين بسبب تلك النزعة، وعلى نفس السياق كان حسن البنا في الإسماعيلية قد اكتسب صيتًا واسعًا داخل الأزهريين حتى عاد إلى القاهرة عام 1932 والتقاه الشيخ محمد متولي الشعراوي في مكتب المرشد الكائن في 14 درب القمح شاب كعب الأحبار خلف المدرسة السنية في السيدة زينب.
التخصص العلمي الذي اتسم به الشيخ الشعراوي أجج في رأس حسن البنا المحتك بنفس هذا التخصص أن يعرض على الشيخ الشعراوي كتابة أول منشور لجماعة الإخوان بعد انتقالها إلى القاهرة وهو ما نفذه الشعراوي حبًا في المرشد واحترامًا له لتبدأ علاقتهما.
ظلت علاقة الشيخ الشعراوي والإخوان مستقرة طيلة 6 سنوات بحكم الدعوة إلى الله وإصلاح المجتمع، حتى وقع الصدام بينهما عام 1938 م وقرر الشعراوي ترك الجماعة نهائيًا.
تبدأ قصة ترك الشيخ الشعراوي للجماعة حين قرر حزب الوفد إحياء ذكرى زعيمه التاريخي سعد زغلول فاتجه الشعراوي لإلقاء قصيدة لكن قيادات الوفد رفضوا لمعرفتهم بعلاقته مع الجماعة، فاتجه إلى النادي السعدي المنشق عن حزب الوفد الأم وهناك ألقى قصيدة مدح في حب سعد زغلول ومصطفى النحاس وهو ما أغضب قيادات الجماعة الذين كانوا على عداء مع مصطفى النحاس، ثم كانت صدمة أخرى بالقرآن في انتظار الشعراوي لم يكن ليتوقعها.
كانت جماعة الإخوان تدعم إسماعيل صدقي أحد أبرز رموز الديكتاتورية لعودته إلى رئاسة الحكومة فقرر الشعراوي ترك الجماعة لإيقانه بأن المسألة سياسة، ورغم تركه للجماعة بقي الحنين موجودًا حتى انقطع بالمتاجرة السياسية بالقرآن حين ألقى مصطفى مؤمن زعيم الإخوان في جامعة القاهرة خطبة لمدح إسماعيل صدقي قال فيها «واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صديقًا نبيًا».
ظلت هذه الواقعة مؤثرة على الشيخ الشعراوي طوال حياته رغم تقديره لحسن البنا، لكنه رفض التعامل معها أو حتى وجود أحد من عائلته بداخلها، ويحكي الشيخ الشعراوي في حواره الصحفي عام 1994 م للصحفي سعيد أبو العنين أنه قال لابنه سامي حين انضم للإخوان «أنت أخذت خيرهم فابتعد عنهم لأن المسألة صراع مراكز قوى وطموح في الحكم، وأنا لا أريد أن أكون الذي أحكم بالإسلام .. ولكن أريد أن يحكمني من يشاء بالإسلام».
السبعينيات والحرب الإخوانية على الشيخ الشعراوي
تولى الشيخ محمد متولي الشعراوي منصب وزير الأوقاف في فترة ذهبية للجماعات الإسلامية وكارثية على الأزهريين، فمن سبقه على كرسي الوزارة وهو الدكتور محمد حسين الذهبي تم اغتياله فشن الشعراوي حربًا فكرية ضد المتشددين ثم اتجه لضبط شكل المساجد.
لم يستطع الشعراوي أن يمنع أحد من الخطابة فهو على صداقة قوية مع السادات الذي كان لا يسمح في السبعينيات بمنع مشايخ الجماعات من الخطابة، لكنه اتخذ قرارًا أثار حفيظة الجماعة فتأزمت علاقة الشعراوي والإخوان.
اقرأ أيضًا
فيديو|الشعراوي يلقي خطبة الإمام علي في زيارة قبر السيدة فاطمة
أصدر الشيخ محمد متولي الشعراوي بصفته وزيرًا للأوقاف قرارًا بمنع أذان الفجر عبر الميكروفونات الخارجية في عموم مساجد الجمهورية لأن الأذان بهذا الشكل لا يجوز شرعًا وقرر قصر الأذان على الميكروفونات الداخلية للمسجد.
شنت جماعة الإخوان عبر أعداد مجلة الدعوة حربًا شعواء على الشعراوي اتهمته فيها بالإفساد ولاحقته تهم تشجيعه للربا وعدم إظهار موقف تجاه المجلات الإباحية التي تباع أمام المساجد ـ حسب زعمهم ـ، ثم خرج الخطيب عبدالحميد كشك ليهاجم الشعراوي متهمًا إياه بأنه قال «السادات لا يُسْئَل عن ما يفعل».
أوضح الشعراوي أنه لم يقل هذه الجملة عقب إصدار السادات قرارًا بعودة محمد توفيق عويضة الشهير بـ «الحوت» إلى منصبه كسكرتير عام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والذي فصله منه الشعراوي بسبب الفساد، وإنما قال الشعراوي «السادات يعلم مالا أعلم وهو الأدرى بمصلحة البلد».
ويحكي محمد عبدالقدوس حين كان صحفيًا في مجلة الدعوة خلال فترة تولي الشعراوي منصب وزارة الأوقاف، أنه ذهب إليه ليجري معه حديثًا صحفيًا لصالح مجلة الدعوة وهو الأمر الذي رفضه الشيخ الشعراوي نظرًا لأن المجلة شنت حملة هجوم شخصي عليه.
وقال عبدالقدوس للشيخ الشعراوي إن مجلة الدعوة ليس لها خصومة شخصية معك فرد الشيخ الشعراوي ردًا قاسيًا على عبدالقدوس حيث قال «أنا أفضل أن أتعامل مع الكنيسة ولا أتعامل مع الإخوان».
صُدِمت جماعة الإخوان من رد الشعراوي في رفضه للحوار، حيث كان البابا شنودة على خلاف عنيف مع رأس الصوفية في مصر والأزهر الدكتور عبدالحليم محمود بسبب رغبة المؤسسة الدينية الأزهرية في الحكم بالشريعة الإسلامية وتنفيذ الردة بالإضافة إلى أنه كانت هناك خلافات بين الشعراوي نفسه والبابا شنودة لاعتبار الأخير أن الشعراوي يتكلم بالخطأ في العقيدة المسيحية.
أصر الشعراوي على موقفه ولم يستوعب عبدالقدوس ما قاله الوزير فكرر عليه السؤال فأوضح الشعراوي أن الكنيسة لا تشخصن الخلافات ولا تتدعي عليّ ما ليس فيّ ولذا فأنا أفضل إجراء حوار صحفي مع الكنيسة وليس معكم.
الشعراوي والإخوان في عهد مبارك .. حب الأطلال وترك الحاضر
خلال ربع قرن اكتسب الشيخ الشعراوي والإخوان شهرة في مصر خلال حكم مبارك لكن بقي الاثنين على طرفي النقيض باستثناء الأحاديث الإعلامية التي يعبر فيها إمام الدعاة عن حبه للغرض الأصلي من تأسيس الجماعة، لكنه لم يتدخل في أي أزمة معهم، فالشعراوي الذي اتصل على السادات وقال له «الأزهر لا يُخِّرج كلابًا حتى تقول على المحلاوي أهو في السجن زي الكلب»، لم يجري أي تواصل مع الإخوان خلال سجنهم في عهد مبارك ولم يتفق معهم أثناء المراجعات الفكرية لقيادات الجهاد في أواخر التسعينيات حتى مات.