كتب ـ وسيم عفيفي
عادت في الأفق مجدداً ، قصة يهود بني قريظة وما جرى فيهم
لتأخذ بعداً آخر وهو استخدام الرواية للهجوم على الإسلام من الملحدين
أو الهجوم على التراث من قِبَل المثقفين ، خاصةً مع تشدق غالبية المسلمين بالقصة المشهورة في بني قريظة ، على الرغم من أن سندها يعود إلى سيرة بن إسحاق والذي نقل القصة من يهود بني قريظة أنفسهم !
وفق علوم الشريعة الإسلامية فإن المصدر الرئيسي للتشريع هو القرآن الكريم ثم السنة النبوية التي من ضمنها السيرة المحمدية ، وبعد ذلك المصدرين يكون “إجماع العلماء” .
بتحكيم القرآن الكريم في سبب جعل “الرسول” محمد صلى الله عليه وسلم ، رسولاً يدعو للإسلام ، سنجد أن السبب يكمن في أنه رحمة للعالمين وذلك بنص الآية ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” .
ومع التأمل لكل كتب السيرة التي تناولت شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، سنجد أن الرسول شدد على أصحابه في كل معركة بأن لا يتتبعوا إمرأة ولا يُجْهِزوا على جريح ولا يقتلوا العجوز ولا يقتلعوا الشجر .
وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطرأ عليها طباع النفس البشرية في الانتقام حتى لو كان موجوعاً .
فلقد بكى عمه حمزة بن عبدالمطلب لما قتله وحشي ومثلت به هند بنت عتبة ، لكنه تقبلهما وقبل إسلامهما دون أن يؤذيهما .
بل إن الرسول عفا عن كل أهل مكة بعد اضطهادهم له وجعلهم طلقاء .
لكن كيف يمكن توفيق ذلك مع قصة الرسول و بني قريظة ؟
ـ قصة ما جرى في بني قريظة
تتلخص قصة بني قريظة كما في سيرة بن إسحاق والتي قامت عليها كل السير ، أنه بعد غزوة الأحزاب وثبوت خيانة يهود بني قريظة جرى الأمر بقتالهم فتمت محاصرتهم ولما طال عليهم الحصار عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركهم ليخرجوا إلى أذرعات بالشام تاركين وراءهم ما يملكون ، ورفض صلى الله عليه وسلم إلا أن يستسلموا دون قيد أو شرط ، وبالفعل استسلم يهود بني قريظة ، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوكل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ أحد رؤساء الأوس والذي كان حليفاً قديماً لبني قريظة ، وكان سعد بن معاذ أثناء الحصار مريضاً وكان يدعوا “اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة” .
فلما انتهى سعد إلى رسول الله والمسلمين، قال رسول الله “قوموا إلى سيدكم فأنزلوه”، فقال رسول الله “احكم فيهم”، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مُقاتِلتُهم وأن تُسبى ذراريُّهم وأن تُقسم أموالهم، فقال رسول الله “لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله”، فأمر رسول الله أن تكون النساء والذرية في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار وأمر بالأسارى أن يكونوا في دار أسامة بن زيد، ثم خرج رسول الله إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم أمر بقتل كل من أنبت، فبعث إليهم فجاءوا إليه أرسالا تضرب أعناقهم ويلقون في تلك الخنادق وكان فيهم عدو الله حُييّ بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم وهم 600 أو 700، وقيل: إنهم كانوا من 800 إلى 900.
ـ حقيقة الرواية بميزان “الشرع” و “النقل” و “العقل”
النظر لتلك الرواية بميزان “الشرع” و “القرآن” و “تاريخ الرسول” و “العقل” ، يجعلها غير مستقيمة أو صحيحة لا عقلاً ولا شرعاً .
فبمقاييس علم الجرح والتعديل فإن بن إسحاق روى القصة عن اليهود وأخذها منهم حيث رواية بن إسحاق ضعيفة السند بكل طرقها؛ لاحتوائها على مدلسين أو مجهولين أو انقطاعاً .
وروى ابن إسحاق القصة وكان سندها يهود من بني قريظة كعطية القرظي، والمسور بن رفاعة القرظي، وثعلبة بن أبي مالك القرظي .
وكان رأي العلماء واضح في بن إسحاق ، فقد وصفه الإمام مالك بأنه دجال من الدجاجلة ، حيث جاء في كتاب سير أعلام النبلاء ج 7 ص 38 ، قال الأثرم : قال مالك : دجال من الدجاجلة
كما جاء في كتاب الثقات لإبن حبان ج 7 ص 381 ” ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث إنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي محمد على اليهود ، وكان ابن إسحاق يتتبع هذا عنهم ليعلم من غير أن يحتج بهم ”
أي أن بن إسحاق نفسه نقل هذه الرواية عن يهود بني قريظة أنفسهم !
بينما أحمد بن حنبل قال في بن إسحاق “قدم ابن إسحاق بغداد ، فكان لا يبالي عمن يحكي ، عن الكلبي ، وعن غيره ، إنه ليس هو بحجة في السنن
وأصدق ما جرى هو ما رواه بن زنجويه في كتابه الأموال حيث قال ” ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” غَدَا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَضَى بِأَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ ، وَتُقْسَمَ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلا ، إِلا عَمْرَو بْنَ سَعْدٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوَفَاءِ ، وَيَنْهَى عَنِ الْغَدْرِ فَلِذَلِكَ نَجَا . وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ إِلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، فَأَعْتَقَهُ “
من جهته قال الباحث خالد باظة رواية بن إسحاق ضعيفة السند بكل طرقها؛ لاحتوائها على مدلسين أو مجهولين أو انقطاعاً .
وروى ابن إسحاق عدد القتلى بغير سند!! لأن سندها يهود من بني قريظة كعطية القرظي، والمسور بن رفاعة القرظي، وثعلبة بن أبي مالك القرظي .
فيما روى بن زنجويه بسند متصل رواته ثقات أن عدد القتلى كان 40 فقط ، وهو ما يتفق مع أن الحكم كان على المقاتلة فقط.
كذلك فرواية بن إسحاق مردودة عقلاً لإضطرابات فيها وهي
هل يتسع بيت عندئذ لـ 700 أو 600 أو حتى 400 شخصًا؟!
وأي منطق يجعل النبي يدفن مئات في سوق المدينة حيث يتسوق الناس جوار جثث متعفنة؟!
وما الحاجه لحفر خنادق رغم وجود خنادق مازالت محفورة حول المدينة؟!
ولماذا أصلاً يقتادوا مئات عبر طريق طويل ولم يقتلوهم في مكانهم؟!
وكيف يستطيع اثنان ذبح مئات البشر؟!
وبميزان القرآن الكريم فالآية الكريمة في سورة الأحزاب والتي جاءت عن عقاب الله للخائنين من اليهود لم تنص على سبي النساء ، أي أن الله لم يأمر باستحياء النساء ! ، فقد نصت الآية على الحرب وقتل الخونة وكسب الأرض والمال وقتل المحاربين منهم وأسر المهزومين منهم دون قتلهم .
حيث قال الله تعالى
” وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّا عَزِيزا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرا “