الرئيسية » حكاوي زمان » احتفال مصر بالمولد النبوي في عهد محمد علي كما رآه المستشرق وليم لين
محمد علي - إدوارد لين
محمد علي - إدوارد لين

احتفال مصر بالمولد النبوي في عهد محمد علي كما رآه المستشرق وليم لين

كتب ـ وسيم عفيفي

كانت السلوكيات المصرية محفزًا كبيرًا لكثير من الرحالة لأن يدونوها بل والانتقال من مكان لأخر سعيًا في سبيل استجلاء المزيد منها ، ومن هؤلاء المستشرق إدوارد وليم لين المولود عام 1805م ، والذي بدأت علاقته بالشعب المصري في سبتمبر عام 1825م ، وذلك حينما زار مصر للمرة الأولى بدافع دراسة اللغة العربية وآدابها .

وخلال تلك الزيارة كانت عادات وتقاليد المصريين هي همه الشاغل فقام خلال سنتين ونصف من تلك العلاقة أن يدون الكثيرعن القاهرة وعاداتها وتقاليدها لتتجاوز تلك المدونات مايفوق الألف ورقة ثم قام بضمها إلى كتاب وصف مصر .
ووفق تقرير تاريخ دنيا الوطن فقد كان ما يحرك السير وليم هو ما عبر عنه في كتبه قائلاً ” لدي رغبة في تدوين ملاحظات أشهر عاداتهم ، ولأستزيد لنفسي من جهة ، ولأستطيع أن أزيد في معرفة مواطنيّ بالطبقات المتحضرة لأمة من أهم أمم العالم من جهة أخرى

أما المرة الثانية كانت عام 1833م ليستكمل ما بدأه فقام بوضع كتابه المعروف بـ ” المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم ” وكان مقصده منه كما قال هو “تمحيص الأشياء ، وتحقيق الحوادث ، فلم أضح بالحقيقة في سبيل تجميل القصة أما الصور التي نشرت قد رسمتها للشرح لا للزينة “

محمد علي

كانت صورة المولد النبوي الشريف واحدة من الصور التي التقطها السير وليم بقلمه ولاسيما في عام 1834م ولاسيما في عهد محمد علي باشا ؛ صورة جمعت بين التفصيل والدقة بشكل يثير الدهشة .

كان أول مادونه لين عن المولد النبوي هو الاستعداد للاحتفال الكبير في الليلة الثانية عشر من شهر ربيع الأول ، فيذكر أنه مع بداية غرة الشهر تعد العدة للاحتفال الذي يقام في القسم الجنوبي الغربي من بركة الأزبكية ، وهناك تنصب خيمة واحدة تعرف بالصوان وفي وسطها صاري مشدود بالحبال يقوم الدراويش بالذكر حوله في حلقة قوامها من خمسين إلى ستين درويش . وبالقرب منها ينصبون القائم وهو عبارة عن أربعة صواري تعلق بينها الحبال تتدلي منها القناديل علي هيئة زهور وكلمات وأسماء الله الحسنى … إلخ .

ولعل ذلك القائم يشبه إلى حد كبير ما يعرف اليوم بإسم الشادر وهو علي تلك الهيئة ولكن يزيد عليه بعض الأقمشة متعددة الألوان والمعلقة علي جوانب القائم .
ويذكر لين أن تلك الاستعدادات تستمر حتى الليلة الثانية عشر من الشهر وعندها تبدأ الأفراح والاحتفالات .

سراي محمد علي و بركة الأزبكية

ثم يستطرد وليم لين في وصف الاحتفال ولاسيما في الليلة الثانية عشر وهي ليلة المولد .
حيث يذكر أنه في ذلك اليوم تجتمع السكان من كل مكان في الأزبكية إلى المكان الرئيسي للاحتفال ؛ حيث يستمتعون ليلًا نهارًا بالاستماع إلى الشعراء والمشعوذين والهزليين ، وكذلك بالالعاب البهلوانية كاللعب والرقص علي الحبل الذي يقوم به بعض الغجر ، إلى جانب بعض الأراجيح والألعاب الأخرى .

إضافة لذلك تنتشر العديد من الدكاكين الزاخرة بالمأكولات وبالحلوي وكذلك المقاهي
ثم يصف لين مواكب الدراويش والتي كانت تعرف بإسم إشارة حيث كانت تمر كل ليلة من ليالي الاحتفال بعد منتصف الليل بساعة ، ويحمل فيها الدراويش المناور وهي عبارة عن عصي طويلة مشدود إلى أعلاها مصابيح ، ويذكر لين أنهم كانوا يحملون نهارًا بيارق وأعلام وبذلك يمكن القول أنه كانت هناك مواكب للدراويش تسير نهارًا .

محمد علي - إدوارد لين

محمد علي – إدوارد لين

ثم يذكر لين آخر مظهر من مظاهر الاحتفال حيث قال “وفي الليلة التالية ، التي تسمي ليلة المولد ، عدت إلى ميدان الاحتفال الرئيسي  وشاهدت هناك ذكرًا حول الصاري يقوم به ستون درويشًا تقريبًا  وكان القمر كافيًا لإضاءة المكان بدون مصابيح  وكان هؤلاء الدراويش من طوائف مختلفة ، ولكن الذكر الذي قاموا به كان من نوع شائع عند البيومية فقط .
وفي أحد وجوه هذا الذكر صاح القائمون به : ” يا الله ! ” ، وحنوا أولا رؤوسهم وشبكوا أيديهم أمام صدورهم في الوقت نفسه عند كل صيحة ، ثم رفعوا رؤوسهم وصفقوا بأيديهم أمام وجوههم .
وكان داخل الحلقة أشخاص جالسون علي الأرض ، واستمر الذكر نصف ساعة علي الوصف المذكور سابقا  وبعد ذلك ، كون الدراويش فرقًا من خمسة ، أو ستة ، أو أكثر معًا ، ولكن علي شكل حلقة كبيرة جدًا .
وكان أفراد تلك الفرق العديدة متماسكين ، كل واحد يضع ذراعه اليسري خلف ظهر جاره يسارًا ، ويده علي كتفه الأخير .
وكانوا جميعًا في مواجهة المشاهدين خارج الحلقة ، وصاحوا : ” الله ! ” بصوت شديد العمق أجش .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*