كتب – وسيم عفيفي
كانت فرنسا في الفترة من 1180 م ، عبارة عن دولة صغيرة تواجه مصاعب شتى ، على عكس إنجلترا الحليفة حيث كانت أراضيها عبارة عن أملاك تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف الممتلكات التي يسيطر عليها ملك فرنسا سيطرة مباشرة.
كانت فرنسا عبارة عن مقاطعات تحمل مسميات إدارية مختلفة ، أما العاصمة فكانت عبارة عن مدينة ذات مبانٍ خشبية وشوارع مليئة بالأوحال ، وكان فيليب أغسطس يرى ما فيه فرنسا فتأفف من الروائح المجاورة لنهر السين ، فقرر أن يهندم شكلها برصف شوارع باريس بالحجارة الصلدة ؛ وكان هذا التغيير الجذري جزءاً من تغيرات مرت بها فرنسا .
كان فيليبوس الثاني أغسطس المولود سنة 1165 م ، والحاكم لفرنسا طوال 43 عاماً ابناً للملك لويس السابع ملك فرنسا بن لويس السادس بن فليب الأول بن هنري الأول بن روبير الثاني بن أوغو كابيه .
ولاعتلال صحة الملك لويس السابع قرر تتويج إبنه فيليبوس على عرش فرنسا عام 1179 وهو ما زال في الرابعة عشر من عمره، وزوجه من إيزابيل كونتيسة هينو
ولما مات الملك لويس السابع والد فيليبوس وشريكه في الحكم في 18 سبتمبر 1180، أصبح فيليب الثاني ملكاً رسمياً لفرنسا.
عمل فيليب على تقوية عرشه وبسط نفوذه ، حيث أصلح الحكم والإدارة، ووحّد فرنسا، وضم إليها مناطق متعددة، حيث استولى فيليب على نورمانديا وآنجو وتمكن من أخذ ممتلكات كثيرة لإنجلترا حتى انحصرت قوتها وخسرت ممتلكاتها طوال ساحل فرنسا .
وتمكن فيليب أغسطس من أن يكون أقوى أمير إقطاعي في البلاد، والرجل الثاني في أوروبا بعد إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، وتضاعفت أملاكه وموارده في الرجال الأموال وأخذ يتدخل في شؤون أوربا، فقد تدخل في تعيين امبراطور ألمانيا بعد وفاة امبراطورها هنري السادس سنة 1197م.
تحولت باريس في عصر فيليب أغسطس إلى أهم مدن أوروبا حيث كانت مقراً لأعظم جامعة شمالي الألب في العصور الوسطى، ومركزاً للإشعاع الثقافي وقد حصلت جامعة باريس في عهده على أول براءة ملكية ضمنت لها امتيازاتها وحقوقها، وقصدها الفلاسفة والعلماء ورجال الفكر من أرجاء أوربا كافة .
كما أصبحت باريس في أيامه أول عاصمة حديثة لدولة مركزية في أوروبا، بعد أن شيد لها سوراً قوياً ضم بين جنباته القصر الملكي والمدارس والكاتدرائية والأحياء التجارية والصناعية، واهتم برصف شوارعها وطرقها.
كما شدد فيليب أغسطس قبضته على الكنيسة في فرنسا دون أن يفقد صداقتها، وألزم رجالها بدفع ما عليهم من ضرائب والتزامات، كما عمل على الحد من تدخل البابا في شؤون الكنيسة الفرنسية، وحرر ملوك فرنسا بعده من الحاجة إلى التتويج من قبل البابا ليضمنوا العرش لأنفسهم.
رغم كل الزخم السياسي في حياة فيليب أغسطس ، لكن شهرته جاءت بعد مشاركته في الحملة الصليبية الثالثة على بلاد الشام، متحالفاً مع ملك انكلترا ريتشارد قلب الأسد وفريدريك بربروسا، ولم تطل إقامته في بلاد الشام في تلك الحملة .
وجسد الفنان عمر الحريري شخصية في فيلم الناصر صلاح الدين ، لكن الاختلاف كان أن فيليب أغسطس لم يكن مستكيناً لإنجلتراً ولم يكن بسيطاً لتتحكم فيه سيدة ، فهو غادر بلاد الشام بعد أن اعتذر لسوء حالته الصحية، وعاد إلى فرنسا سنة 1191م ، والسبب الأساسي لعودته وفاة والد زوجته كونت فلاندرز، ورغبته في الحصول على نصيبها من هذا الإقليم بعد وفاة والدها، إلى جانب رغبته في الاستفادة من غياب ريتشارد عن بلاده للسيطرة على مقاطعة النورماندي مخالفاً الأعراف الصليبية من أنه لايجوز الاعتداء على أراضي صليبي يحارب في الأراضي المقدسة، لأن ممتلكاته تحت وصاية البابا وحمايته .