الرئيسية » حكاوي زمان » “تهجير النوبة” كيف كان و إلى أين انتهى ؟
تهجير النوبة زمان
تهجير النوبة زمان

“تهجير النوبة” كيف كان و إلى أين انتهى ؟

كتب – وسيم عفيفي

بدأ إغراق بلاد النوبة عندما بدأ العمل في خزان أسوان سنة 1902 لتخزين مياه الفيضان وكان يحجز من المياه حتى منسوب 106 متر ثم تقرر تعليته للمرة الأولى في 1912 لترتفع المياه إلى منسوب 113,9 متر ، وتمت التعلية الثانية عام 1931 لتخزين 5 مليار متر مكعب ومع تعليته الأولى ابتلعت المياه كل قرى الكنوز واختفت معها الحقول وأشجار النخيل .

انتقل المتمسكون بأرضهم إلى الجبال وهاجر البعض إلى جنوب الوادي وشماله طلبا للحياة ، وفضل الكثيرون اللجوء إلى بعض المواقع في أرض النوبة كتوشكى وعنيبة بأعداد غفيرة ، وانتشر آخرون في القرى الجنوبية حتى قرية أدندان .

وببناء السد العالي عام 1964 ارتفع منسوب النيل أمامه إلى 182 متر مكونا واحدة من أكبر البحيرات في العالم إذ يبلغ طول البحيرة أمام السد 500 كيلو متر ، ومتوسط عرض البحيرة 14 كيلو متر ويصل في بعض المواقع إلى 25 كيلو متر ، وعمقها 97 متر ومسطحها 5000 كيلو متر مربع .

هذا هو السد الذي استقرت النوبة شماله وجنوبه بمساكنها وأراضيها وموروثاتها وما حوت بين طياتها من حضارة لم يتوصل الآثريون إلى الكثير من أسرارها حتى الآن .

من مشاهد تهجير النوبة

من مشاهد تهجير النوبة

في أبريل 1961 بدأت اللجنة المؤقتة للسد العالي لتهجير أهالي النوبة أولى إجتماعاتها مع الإستعانة بالبحوث الميدانية والتي كانت نتائجها هي الركيزة الأولى لكل عمليات التهجير .
وقد صدر 12 قرارا جمهوريا ووزاريا لتنظيم عملية التهجير ، وقد استغرقت عملية التهجير 8 أشهر ، بدءا من قرية دابود في 18 أكتوبر 1963 وإنتهاءا بقرية أبو حنظل في 20 يوليو 1964 .
استغرقت رحلة الفوج الواحد ثلاثة أيام في المتوسط من مسقط الرأس إلى الموطن الجديد .
عدد البواخر التي استخدمت لنقل الأهالي والحيوانات ومتعلقاتهم 28 وحدة مصرية بالإضافة إلى 6 وحدات سودانية استؤجرت من السودان .
عدد الرحلات التي تمت من أرض النوبة إلى الشلال 158 رحلة نيلية ، وتم تشغيل 10 أتوبيسات لنقل الأهالي من الشلال للموطن الجديد في 1350 رحلة برية ، كما تم تشغيل 10 سيارات نقل للأثاث والحيوانات في 3645 رحلة .

عدد الذين تم تهجيرهم 55698 فردا ، وقد تقلصت مساحة الأرض في النوبة الجديدة إلى أقل من 13 % من المساحة في النوبة القديمة ( من 350 كيلو متر إلى 45 كيلو متر فقط ) .

قال أحد شهود العيان  أحد الموظفين  : ” عشنا أكثر من قصة وشاهدنا أكثر من دراما .. عندما اقتربت ساعة الرحيل من الأرض التي عليها عاشوا وقبلهم أجدادهم عبر آلاف السنين .. العيون دامعة في ذهول والوجوه شاحبة والأنفاس متقطعة والمنظر أمامنا يحكي قصة حب أطرافها النيل والأرض “
باتت قرية دابود أولى القرى التي تم تهجيرها ساهرة تتطلع إلى مطلع الشمس في 18 أكتوبر 1963 وأبنائها جماعات وأفراد على قمم الجبال المحيطة بالقرية تلفهم أردية الظلام يلقون النظرة الأخيرة على أرضهم والنوبيات بأزيائهن القاتمة يزرن في عتمة الليل مقابر الأهل ساهمات باكيات والحزن يكسو الوجوه .

صورة نادرة لأهل النوبة زمان

صورة نادرة لأهل النوبة زمان

ومع مطلع الفجر توافد الناس بخطوات كسولة وموظفوا إدراة التهجير يستعجلون المتأخر ويبحثون عن الغائب ، وخلا الشاطئ تماما من كل أثر للحياة البشرية ، وبدأ سير الباخرة وهي تطلق صفيرا كأنه صوت بكاء انعكس في الديار الخالية ، لقد كان مشهد أول فوج يبارح المنطقة مهيبا ومحزنا .

جزء هام من النوبة هجر عنها سكانها الذين عمروها لآلاف السنين وأقاموا بها حضارات عريقة عرفت بإسمهم وكانت أولى الحضارات الأفريقية ، لقد كان من الطبيعي أن تنمو تلك الحضارة وتزدهر لاستقرار أهلها على ضفاف النهر الخالد في علاقة أخذ وعطاء ، علاقات تكاملية مستقرة ولكنها متجددة في كل عام يفيض فيه النيل وينحسر ، فقد كان تفاعل النوبيين عطاءا وإثراءا للحياة .
إن الاستقرار الذي يأتي من علاقة السكان بالنيل في تلك المنطقة هو الذي أدى إلى نمو حضارات النوبة ، فالمجموعات المستقرة هي وحدها التي توفر الوقت لتطور حياتها إلى ما هو أبعد من أمور العيش

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*