وسيم عفيفي
كانت علاقة السياسة مع رجال الدين ولا زالت عديمة الرحمة وكان الحفاظ على العرش يتم بكل ما هو معدوم الرأفة ، خاصة لو كانت الدولة إمبراطورية وبالتحديد لو تغلفت بغلاف نظام الخلافة .
وعملاً بكلام النبي صلى الله عليه وسلم فإن الخلافة قد انتهت سنة 40 هجرية ، حيث قال ” الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا ” ؛ فالخلافة 30 سنة من بعد وفاة النبي وحتى سنة 40 هجرية ، و سنة 40 هجرية تم الصلح بين الخليفة معاوية والإمام الحسن
في الصلح المعروف بصلح عام الجماعة .
لكن اكتسبت أي دولة وإمبراطورية في ظل الحكم الإسلام نظام الخلافة .
ولإتساع الإمبراطورية كان لزاماً أن يتم الحفاظ على العرش حتى لو كان الثمن دم أقرب المقربين .
ورغم الصراعات التي اكتسبتها الدولة الأموية بين معسكري العلوين والهاشمين ، لكن كانت الخلافة العباسية هي أول مرحلة يصل فيها الحفاظ على الكرسي إلى حد قتل الأقربين .
صراع الأم و الإبن الذي أججه كلب القصر
لم تكد الدولة العباسية تستقر في عصر أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس ، حتى رحل وخلف من بعده ولده المهدي الذي أوصى من بعده أن تكون الخلافة في نجله موسى الهادي ثم شقيقه هارون الرشيد .
لكن بين تيجان العروش تلك كانت الخيزران زوجة المهدي وأم الهادي وهارون هي اللاعبة الأساسية المجهولة في الحكم العباسي ، مما جعل ولدها موسى يتضجر من تدخلها لدرجة أنه أقسم بقتل أي أحد في القصر يثبت عليه أنه عاون الخيزران في الحكم .
ويجمع الطبري في كتابه “تاريخ الأمم والملوك” وكذلك بن كثير في كتابه “البداية والنهاية” ، فضلا عن جلال السيوطي بكتابه “تاريخ الخلفاء” أن الهادي إزاء تسلط أمه الخيزران أراد قتلها فأرسل لها وليمة طعام وبمشورة من جاريتها أتت بكلبٍ ليتذوق ذلك الطعام فمات وتم اكتشاف الطعام أنه مسموم ، وعقب الهادي بقوله ” لو أكلتيه لاسترحت منكِ ، متى أفلح خليفة له أم” .
ظلت الصراعات بين الجانبين مستمرة حتى جاء الصدام الأقوى بين الخيزران و الهادي بعد أن قرر الهادي جعل ولاية العهد لولده جعفر وخلع هارون الرشيد من ولاية العهد
الأمر الذي جعل الخيزران تقرر قتل ولدها خنقاً كما ذكر الطبري بينما ذهب آخرون إلى أن ولدها مات نتيجة سم قد تم دسه في طعامه .
“العثمانيين” عهود الغدر بـ 121 سلطان و أمير
يُصْدم القارئ لكتب التاريخ العثماني من الرقم النهائي لعدد الأمراء العثمانيين الذين قُتلوا على أيدي آبائهم وأشقائهم وأبنائهم حيث وصل 121 شخصاً بين سلطان وولي للعهد وأقرباء له .
فتجد أن السلطان مراد الأوّل قام بقتل أخيه محمود بعد أن أحس بأنه سيناوئه على الحكم ، بينما قام بقتل ساوجي بن محمود عقب شائعة قالت أنه سيتحد مع البيزنطينيين ضده .
وهو نفس الشيء الذي حدث مع سليم الأول الذي تمكن من قتل شقيقيه كوركود و أحمد، تارة بتهمة التآمر وتارة بتهمة الخيانة لصالح الصفويين .
وكانت تهمة التواطؤ مع الصفويين هي التي جعلت سليمان القانوني يقتل ولده مصطفى ، وتمكن أيضاً من قتل حفيده خشية تصعيده سلطاناً بالوصايا .
أما سليم الثاني فقتل شقيقه بايزيد خنقاً وألحق أبناءه الصغار قتلى أيضاً .
أما الحادث الأكثر بشاعة في تاريخ العثمانيين كان على يد محمد الثالث حيث قتل 19 شخصاً بينهم 5 من أشقاءه والباقي كانوا أطفالاً .
وكرر مراد الرابع قتل أشقاءه بايزيد الثاني و سليمان وقاسم ، وكاد أن يقتل شقيقه الأمير إبراهيم لولا وساطة السلطانة كوسم خشية انقراض السلالة العثمانية .
ورغم أن كوسم هي التي تصدت لعملية قتل إبراهيم ، لكنها هي التي أمرت بقتله لاحقاً عقب توليه السلطانة وقراره بتقليص صلاحيتها في القصر .
الدور اللافت في كل تلك الأحداث المتتالية كما في كتاب تاريخ الدولة العثمانية هي دور منصب “شيخ الإسلام” ، فلم يكن أي خليفة يقوم بعملية قتل أو إعدام لشخص في الدولة دون إصدار فتوى من المفتي ، وظلت العلاقة بين السلطان و الشيخ قوية لكن لم تدوم تلك العلاقة فعصر مراد الرابع كان هو الفصل الختامي بين السلطان و المفتي حيث أصدر قراراً بإعدام المفتي التاسع والعشرين للدولة العثمانيين زاده حسين أفندي سنة 1634 م