كان كتاب الأمير لـ “مكيافيلي” أحد أبرز الكتب المحرم والمُجَرَّم تداولها بحكمٍ من الكنيسة الكاثوليكية ورغم أن الكتاب تكلم عن السياسة وتفاصيلها ، لكن أساس أطروحاته جاءت من خلال نقده لكافة النظريات السياسية المسيحية .
كان المصدر والإلهام لـ “ميكافيلي” في كتابه هي شخصية الدوق تشيزري بورجا رئيس أساقفة الكاثوليك الإيطاليين ؛ وتعود صلته بكتاب الأمير إلى أنه أخطر تجربة سياسية للكنيسة حيث أنه رغم بطشه كان أحد المساهمين في ترسيخ مفهوم العدالة مع الظلم ؛ كون أنه البابا العسكري في إيطاليا .
كان والده منتخب حديثاً للبابوية في إيطاليا ، فقام بتنصيبه كاردينالاً على أهم المناصب الكنيسة وهو ما زال صغيراً .
لم يكن الشغل الشاغل لـ ” تشيزري” هو العمل المطرانية، خاصةً أنه تم تعيينه كاردينالاً
بعد عام في 20 سبتمبر 1493، وحاكماً عاماً ومبعوث رسولي في أورفييتو سنة 1495 م
وبذلك ظهرت شخصيته حيث أنه لم يجتذب كثيراً لحياة رجال الدين بل كان ميالاً بطبعه للعمل العسكري ، وتجلى ذلك بعد مقتل شقيقه جوفاني دوق غانديا ، فطلب من البابا أن يعفيه من الحياة الكنسية وتحول في العام التالي إلى فرنسا حاملاً للملك الجديد لويس الثاني عشر الإلغاء البابوي للزواج السابق واللباس الكاردينال للوزير جورج دامبواز.
شارك تشيزري بورجا في السنوات التي تلت مقتل شقيقه جوفاني ، في حرب دموية بأراضي رومانيا الخاضعة آنذاك لسلطة البابوية، وتميز أسلوبه باستعمال الدبلوماسية تارة والعنف تارة أخرى لإقصاء العديد من النبلاء المحليين ولإقامة دولة موحدة وقوية.
كان هو أحد أفراد الحملة الأولى على رومانيا 21 نوفمبر 1499 فنجح في إخضاع منطقة إيمولا واستولى على قلعة فورلي وجرت فيها مذبحة وحشية حتى دانت له المنطقة بأسرها
وبالانتصارات المتتالية التي حققها ، صار تشيزري هو الحاكم الآمِر لكل أقاليم رومانيا ليبدأ في مد سلطانه على مدنٍ كثيرة مثل سيينا وبيزا ولوكا التوسكانية .
لكن العائق كان بموت والده البابا إسكندر السادس ، مما يعني توقف الدعم الروحي واللوجيستي له ، فأصيب بحمى الملاريا ثم انتخب أحد أكثر أعداءه شراسة وهو جوليانو ديلا روفيري .
و ألمح ميكافيلي في كتاب الأمير بقوله ” ما كان ينبغي على بورجا السماح بانتخاب عدو له مادامت لديه سلطة ، ولكن التاريخ لا يتعامل مع كلمة “لو”، ونزع البابا الجديد المتقشف وقوي الإرادة وغير المعتاد على الطرق الدبلوماسية عن دوق فالنتينو حكومة رومانيا أمراً باعتقاله في كاستل سانتانجلو ”
الكتاب الإنجليزي 1000 شخصية عظيمة الذي ترجمه مازن طليمات ، تطرق لنهاية تشيزري ، حيث حاول الفرار أكثر من مرة دون جدوى محاولاً اللجوء إلى نابولي لينظم من هناك حملة لإستعادة نفوذه لكنه مات وهو يقاتل من أجل صهر خوان الثالث دي ألبرت ملك نافار بحصار فيانا في ليلة الثاني عشر من مارس عام 1507.
ودفنت جثته في كنيسة فيانا يمين المذبح الرئيسي، ولكن الرفات لم تظل في هذا المكان لوقت طويل، لأن أسقف بامبلونا أراد نبشها ليـُعاد دفنها في أرض مدنسة، وانتهى أمر العظام بتفريقها.