كتب : وسيم عفيفي
في يوم السبت 26 رمضان من عام 193 هـ كان اليوم المشهود في تاريخ مصر حيث خرجت القاهرة عن بكرة أبيها لاستقبال السيدة نفيسة بالتكبير والتهليل وخرجت الهوادج والخيول لاستقبال السيدة الفاضلة الشريفة الجميلة العفيفة الكريمة
السيدة التي كان لها نصيب من اسمها وإحدى بركات بيت النبوة في مصر
نفيسة العلم والعلماء ، ونفيسة الخلق والجمال ، الزوجة النفيسة والأم الحنون.
السيدة نفيسة ابنة الإمام الحسن الأنور بن زيد الأبلج
بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب
ولدت بمكة المكرمة في 11 ربيع الأول سنة 145 هـ ونشأت فيها حتى بلغت خمسة أعوام ثم ذهبت إلى المدينة المنورة حيث المسجد النبوي وتلقت هناك العلم في السُنة والسيرة والفقه على يد مشايخ المسجد النبوي وحازت على لقب نفيسة العلم .
تزوجت من إسحاق بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي والذي يُشتهر بإسحاق المؤتمن .
كان ذلك بعد أن تقدم لها كل شباب الآل الكريم وقريش ، جاء إسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر الصادق يخطبها من أبيها، فصمت ولم يرد جواباً، فقام إسحاق من عنده، وتوجه إلى الحجرة النبوية الشريفة، وخاطب جده النبي وشكى إليه همومه ورغبته في الزواج من السيدة نفيسة لدينها وعبادتها، ثم خرج. فرأى والدها في المنام تلك الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: “يا حسن! زوّج نفيسة من إسحاق المؤتمن”
وتم هذا في شهر رجب سنة 161 هـ .
ظلت هكذا إلى أن جاءت لمصر ، ولم تأتي كتب التاريخ بأسباب حول قدومها لمصر هل كان الموضوع سياسي أم نحو ذلك إلا أن الثابت هو رحيلها هي وزوجها إلى مصر في رمضان عام 193 هجرية في عهد هارون الرشيد، وفي العريش استقبلها أهل مصر بالتكبير والتهليل وخرجت الهوادج والخيول تحوطها وزوجها، حتى نزلا بدار كبير التجار وقتها “جمال الدين عبد الله الجصاص”.
إلى أن وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة يوم السبت 26 رمضان 193 هجرية ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى “أم هانئ” وكانت دارًا رحيبة، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: “إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمْع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى”. ففزع الناس لقولها، وأبوا عليها رحيلها، حتى تدخَّل الوالي “السَّرِيّ بن الحكم” وقال لها: “يابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه”. ووهبها دارًا واسعة، ثم حدَّد موعدًا -يومين أسبوعيًّا- يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة؛ لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.
والجدير بالذكر أن السيدة نفيسة أثرت في أحد أهم علماء الفقه وهما الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل
وفي شهر رمضان من عام 208هـ، وعندما كان سنها 64 سنة توفيت السيدة نفيسة رضي الله عنها، وهي كانت تقرأ القرآن وماتت وهي تقرأ قول الله تعالى ” لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون “ولما ماتت عزم زوجها إسحاق بن جعفر على حملها إلى المدينة ليدفنها هناك، فسأله المصريون بقاءها عندهم، فدُفنت في الموضع المعروف بها اليوم بين القاهرة ومصر، وكان يُعرف ذلك المكان بدرب السباع، فخُرِّب الدرب ولم يبق هناك سوى المشهد
ورحلت السيدة نفيسة جسداً إلا أنها بقية معنا روحاً وذكرى فهي شجرة طيبة في واحةٍ طيبةٍ، امرأة مسلمة، قوية الشخصية، راجحة العقل، ذات علم ومعرفة وأدب جم، ليست عاطلةً من عمل الدنيا؛ لأنها تدير مملكتها الخاصة بها، وليست غافلة عن عمل الآخرة .