كتب : وسيم عفيفي
وفق البديل ، فقد كان لمصر نصيب كبير من التصوف وأهله، فتاريخها مليء بالمتصوفين، مثل عبدالوهاب الشعراني ،عمر بن الفارض، وذو النون المصري، ويحسب على التصوف أيضا الليث بن سعد، واليوم، نقف قليلا مع الإمام عبد الوهاب الشعراني.
ألّف الإمام الشعراني كتابه الشهير “لطائف المنن” وفيه عرف نفسه قائلا: “فإني بحمد الله تعالى عبد الوهّاب بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن زوفا، ابن الشيخ موسى المكنى في بلاد البهنسا بأبي العمران، جدي السادس ابن السلطان أحمد ابن السلطان سعيد ابن السلطان فاشين ابن السلطان محيا ابن السلطان زوفا ابن السلطان ريان ابن السلطان محمد بن موسى بن السيد محمـد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب..”.
جاء مولده في نفس القرية التي ولد فيها الإمام الليث بن سعد وهي قرقشندة، عام 898م، لكنه انتقل إلى ساقية أبي شعرة من قرى المنوفية، وإليها نسبته، فلقب بالشعراني، والشعراوي، نشأ يتيم الأبوين؛ إذ مات أبوه وهو طفل صغير، ومع ذلك لم تأخذه الحياة ولهوها، بل ظهرت عليه علامات النجابة والنبوغ، فحفظ القرآن الكريم وهو دون الثامنة، وواظب على الصلوات الخمس في أوقاتها، وقيل أنه كان يتلو القرآن كله في ركعة واحدة قبل بلوغ سن الرشد، ثم إنه حفظ الكثير من متون العلم، كأبي شجاع في فقه الشافعية، والآجرومية في النحو، وقد درسهما على يد أخيه عبد القادر الذي كفله بعد أبيه.
وانتقل إلى القاهرة سنة 911 هـ، وعمره إذا ذاك يقرب من الثانية عشر، فأقام في جامع أبي العباس الغمري، وحفظ عدة متون هناك منها: ألفية ابن مالك، جمع الجوامع، ألفية العراقي للحافظ العراقي،والشاطبية، ثم لبث في مسجد الغمري يُعَلـِّم ويتعلم سبعة عشر عاما، ثم منه إلى مدرسة أم خوند، وهناك ازداد تألقا وزاع صيته أكثر، ومن ثم بدأ في الاشتغال بالحديث والأخذ عن أهلم، ولما تمكن من هذا كله سلك طريق التصوف بمذهبه الشافعي الشاذلي، فأطلق عليه أهل التصوف لقب “القطب الرباني”.
أخذ الشعراني العلم عن أكثر من خمسين شيخا، وهذا ما ذكره في كتابه الطبقات الكبرى، غير الذي ذكره عن كثير من مشايخ الصوفية وغيرهم ما جعل الصوفية يعدوه مؤرخهم الأول، ومن شيوخه الصوفيين: علي المرصفي، محمد الشناوي، علي الخواص، وغير الصوفيين مثل: شهاب الدين الحنبلي، زكريا الأنصاري، شهاب الدين الرملي، جلال الدين السيوطي.
وقال عنه المستشرق “ماكدونالد”، إن الشعراني كان رجلا ذواقا نقادا مخلصا واسع العقل، وكان عقله من العقول النادرة الخلاقة في الفقه بعد القرون الثلاثة الأولى في الإسلام، ولقد كانوا يقولون إن الشعراني كان عالما فقيها وصوفيا مشهورا، وكان ينتمي إلى الطريقة الشاذلية التي أسسها الشيخ أبو الحسن الشاذلي.
وقال عنه أيضا المستشرق “كولدس”، إن الشعراني كان من الناحية العلمية والنظرية صوفيا من الطراز الأول، وكان في الوقت نفسه كاتبا بارزا أصيلا في ميدان الفقه وأصوله، وكان مصلحا لا يكاد الإسلام يعرف له نظيرا، وإن في كتبه ما يعد ابتكارا محضا، لم يسبق إليها ولم يعالج فكرتها أحد قبله.
رحل الشعراني عن عمر خمس وسبعين عاما، وكانت وفاته في القاهرة عام 937هـ ودفن بجانب زاويته بين السورين، تاركا خلفه ثلاث مائة مؤلف.