الرئيسية » حكاوي زمان » وفد ثقيف و حكاية جلسة المحاباة مع النبي صلى الله عليه وسلم
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

وفد ثقيف و حكاية جلسة المحاباة مع النبي صلى الله عليه وسلم

كتب – وسيم عفيفي
في الحادي عشر من شهر رمضان سنة تسع للهجرة قدم وفد ثقيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعونه على الإسلام.
وفق موقع البيان فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصاً كل الحرص على هداية الناس أجمعين، يسعى بكل ما أوتي لإيصال دين الإسلام إلى قلوب العالمين، حتى عبر القرآن عن هذا الحرص بأن النبي يكاد يهلك نفسه في سبيل أن يؤمن الناس وينجوا من عذاب الله، فقال تعالى (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) الشعراء: 3. إن دلت هذه الآية على شيء فإنما تدل على أن نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً كانت نظرة شفقة وحب، لا نظرة عداء وكراهية، حتى موقفه من المعادين للإسلام والمجاهرين بالكفر والعداء كان الإشفاق والسعي لإدخال الهداية.
ليت دعاة اليوم يتخذون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لهم في هذه الخصلة. لو كان موقف النبي من أعدائه كموقف بعض من يدعي الدفاع عن الإسلام، لما وصل الإسلام حيث يبلغ الليل والنهار.
لما فتح الله على نبيه مكة المكرمة، علمت ثقيف أنه لا طاقة لهم بالوقوف في وجه دعوة الإسلام، فقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم ستة منهم بعد رجوعه من تبوك سنة تسع للهجرة.
كان الوفد مؤلفاً من ستة من كبار بني مالك والأحلاف، ثلاثة لكل منهما وعلى رأسهم جميعاً عبد ياليل بن عمرو.
جاء في كتاب السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي ص851: «استقبل الرسول، صلى الله عليه وسلم، الوفد راضياً وبنى لهم خياماً لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا، وكانت ضيافتهم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانوا يفدون عليه كل يوم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم، فكان عثمان كلما رجعوا وقالوا بالهاجرة (أي أخذوا القيلولة)، عمد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فسأله عن الدين واستقرأه القرآن، حتى فقه في الدين وعلم، وكان إذا وجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نائماً عمد إلى أبي بكر، وكان يكتم ذلك من أصحابه، فأعجب ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعجب منه وأحبه».
برزت في قدوم وفد ثقيف، شخصية الصحابي الجليل عثمان بن أبي العاص، الذي سعى لطلب العلم والأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصديق، حتى سكن حبُّه قلبَ النبي صلى الله عليه وسلم، الذي استعمله فيما بعد على الطائف.
لم تخب نظرة النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الرجل؛ فقد كان له الدور الأبرز في تثبيت قومه على الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي قال لهم مقالته الشهيرة: «يا معشر ثقيف كنتم آخر الناس إسلاماً فلا تكونوا أولهم ارتداداً».
فاوض وفد ثقيف الرسول عليه الصلاة والسلام على بعض أمور كانوا متعلقين بها في جاهليتهم، حتى يجيزها لهم في حال أسلموا، وهذا الموقف يبين لنا صلابة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا مواربة في حدود الله وأحكامه وليست المداهنة من أخلاق الأنبياء فضلاً عن خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام.

فقد جاء في كتب السير أن عبد ياليل قال: أرأيت الزنا؟ فإنا قوم عزاب بغرب، لا بد لنا منه، ولا يصبر أحدنا على العزبة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو مما حرم الله على المسلمين، يقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)» الإسراء: 32.
قال: أرأيت الربا؟ قال: «الربا حرام» قال: فإن أموالنا كلها ربا، قال: «لكم رؤوس أموالكم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ)» البقرة: 278.
قال أفرأيت الخمر؟ فإنها عصير أعنابنا، لا بد لنا منها.
قال: «فإن الله قد حرمها» ثم تلا رسول الله هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة: 90.
ثم إنهم سألوا رسول الله أن يضع عنه الصلاة، فقال لهم: «لا خير في دين لا صلاة فيه». (المرجع السابق: 852).
لم يفلح وفد ثقيف في أخذ أي رخصة تحلل لهم ما حرم الله، وهذا يدل على عظم هذا الدين وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن ربه سبحانه وتعالى، وليس له أن يشرع أي تشريع أو يضع أي حكم من تلقاء نفسه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*