كتب – وسيم عفيفي
في 12 رمضان من عام 265هـ الموافق 7 مايو 879م ، تم الانتهاء من بناء مسجد بن طولون في القاهرة الذي يعتبر ثالث الجوامع التي أنشئت بمصر بعد جامع عمرو وجامع عسكر كما يعتبر أيضاً من أقدم جامع احتفظ بتخطيطه وكثير من تفاصيله المعمارية الأصلية وهو المسجد الوحيد بمصر الذي غلب عليه طراز سامراء حيث المئذنة الملوية المدرجة.
بدأ البناء في هذا المسجد سنة 263 هجرية إلى أن انتهى سنة 265 هجرية وقد أنفق أحمد بن طولون 120 ألف دينار في بنائه .
وبرغم أن مسجد أحمد بن طولون له كثير من الأوّليات إلا أنه يعتبر أول مسجد بُني بهندسة معمارية فذة على يد مهندس قبطي مصري يُدعى سعيد بن كاتب الفرغاني وهو من مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية ويرى آخرون أنه من كفر الشيخ مسؤوليته في بناء المسجد لم تأتي من فراغ ولها قصة غريبة وطريفة أيضاً ونهايته هو كانت مُحزنة .
كان الفرغاني قد تولى مقياس النيل في جزيرة الروضة بأمر من الخليفة المتوكل ومع تولى أحمد بن طولون حكم مصر بنى له قناطر بن طولون وبئر عند بركة حبش لتوصيل الماء إلى مدينة القطائع ولما ذهب ابن طولون لرؤية العمل ، غاصت رِجل حصانه في موضع كان لا يزال ليّناً فوقع أحمد بن طولون ولسوء ظنه اعتقد أن ذلك شيء فعله المسيحي من أجل غرض في نفسه يسيء له فأمر بشق ثيابه وجلده خمسمائة سوطًاً وألقاه في السجن .
بعد ذلك بفترة أراد بن طولون أن يحتذي بحذو عمرو بن العاص فقرر بناء مسجد يكون أعظم مساجد مصر بشرط أن يتم بناءه على 300 عمود ، إلا أن هذا كان أمراً يكاد يكون مستحيلاً فحينما فكر أحمد بن طولون في بناء جامع يكون أعظم ما بنى من مساجد في مصر و يقيمه على 300 عمود من الرخام قيل له ما تجدها، أو تنفذ إلى الكنائس فى الأرياف و الضياع وهي الأديرة فتحمل ذلك، فأنكر ذلك و تعذب بالفكر في قلبه وسمع أحمد بن طولون أنه لا يجوز بناء جامع بمواد مسروقة
لما أحس سعيد بن كاتب الفرغانى بقرار هدم الكنائس للحصول على 300 عمود كتب إلى أحمد بن طولون قائلاً “أنا أبنيه لك كما تحب و تختار بلا عمد إلا عمودي القبلة” فأحضره و قد طال شعره حتى نزل على وجهه، فقال له ” ويحك ما تقول في بناء الجامع فقال سعيد “أنا أصوره لك حتى يراه عياناً بلا عمد إلا عمودى القبلة”.
و صنع له ماكيت من الجلد فأعجب به جداً أحمد بن طولون، و أمر بمائة وعشرون ألف دينار لينفق منها على الجامع وجعل له كل الصلاحيات وتم بناء المسجد في عامين ففرح بن طولون به وأطلق سراح وأمر له بعشرة آلاف دينار والجدير بالذكر أن هذا المهندس كان عبقرياً ومخلصاً في عمله حيث لا زالت العقود المدببة في الجامع موجودة قبل أن يُعرَف استخدامها في إنجلترا بـ 200 سنة
كانت نهاية هذا المهندس مؤلمة حسبما أشارت بعض المصادر حيث عُرض عليه اعتناق الإسلام فأبى وتمسك بإيمانه المسيحي، فقُطِعت رأسه وجسده محفوظ في كنيسة القديس قلته الطبيب بأسيوط .