كتب – وسيم عفيفي
وفق ما جاء في تاريخ الدولة العلية العثمانية عن سليم الأول فقد كانت الدولة المملوكية التي تحكم مصر والشام قد أصابها الوهن، وأصبحت غير قادرة تماما على مواجهة البرتغال في الخليج العربي، حتى بلغ من اغترار البرتغال بقوتها أن أعلنت عن نيتها في التهجم علي مكة والمدينة
ولم يغب عن ذهن السلطان أن انتقال الخلافة العباسية من القاهرة إلى آل عثمان يجعل منهم قوة معنوية كبيرة عند المسلمين، ويضفي علي الدولة المهابة في لاسيما وهي تقاتل جيوش أوروبا المسيحية.
ففي العام 1516م وبعد فتح بيقلي أورفة، والرقة، والموصل، والتغلب على العدو الصفوي وبعض الحروب في البلقان .
أصبحت القوات العثمانية على حدود المماليك الشمالية مباشرةً وبدأت المناوشات الحربيةُ بين العثمانيين والمماليك الذين كان متحالفين مع الصفويين وأوروبا ضد المسلمين العثمانيين.
وما كاد السلطان سليم الأول، يستريح قليلا من عناء العقبة الأولى حتى خرج من عاصمته، يقود جيوشه الجرارة ناحية الشام،
إتخذ السلطان سليم جميع الاستعدادت اللازمة لمحاربة المماليك بكل ما أوتي من قوّة بعد أن تغلّب على أمير سلالة ذي القدر، ولما عرف سلطان المماليك بتأهب سلطان آل عثمان لمحاربته، أرسل إليه رسولاً يعرض عليه أن يتوسط بينه وبين الفرس لإبرام الصلح، فلم يقبل سليم بهذا الأمر بل طرد السفير بعد أن أهانه ،فلم يجد السلطان “قنصوه الغوري” بدًا من الحرب، فسار إلى مدينة حلب على رأس جيش كبير لكي يكون على استعداد لكل هجوم قد يشنه العثمانيون على الشام.
ولم يكد السلطان سليم يعلم باحتشاد المماليك عند حلب حتى عقد ديوانه في القسطنطينية لمشاورته في الأمر، فقرّر الديوان إعلان الحرب على المماليك بعد أن يوفد إليهم سفراء يفاوضونهم في الدخول في طاعة السلطان سليم.
فقام قنصوه الغوري بإساءة معاملة السفراء العثمانيين وأهانهم ردًا على ما فعله سليم مع سفيره، فلم يكن بُدّ من نشوب الحرب بينه وبين السلطان سليم.
وبعد هذه الحادثة، سار السلطان سليم بجيشه إلى بلاد الشام قاصدًا مصر ومدينة القاهرة، مقر السلاطين المماليك.
واتصل السلطان الغوري بنائب دمشق من قبل المماليك، “جان بردي الغزالي”، وطلب منه أن يجمع الجيوش في لبنان وسوريا ويسير لملاقاته في حلب، فطلب الغزالي بدوره من أمراء لبنان، وعلى رأسهم “فخر الدين المعني الأوّل”، أمير الشوف، أن يجمعوا قواتهم ويحضروا إليه.
نزل فخر الدين الأول وباقي الأمراء عند رغبة الغزالي، ومشوا إليه على رأس قوّة من الجنود اللبنانيين.
تقابل الجيشان، العثماني والمملوكي، بالقرب من مدينة حلب في واد يُقال له “مرج دابق”، وهناك نشبت المعركة الحاسمة بين الفريقين التي قررت مصير سوريا كلها.
حدثت معركة (مرج دابق) في شمال حلب ، استطاع السلطان سليم الأول جذب ولاة الشام في صفه لقتال المماليك, ووعدهم بالإبقاء عليهم في إماراتهم إذا ما تم له النصر، ثم سار بجيشه لملاقاة المماليك الذين بدورهم أعدوا أنفسهم لملاقاة العثمانيين، والتقى الجمعان في موقعة مرج دابق عام 922هـ، واحتدم القتال العنيف بينهما, فتسلل ولاة الشام بجيوشهم وانضموا للعثمانيين, فضعف أمر المماليك وهزموا و في المعركة ولقي السلطان قنصوه الغوري مصرعه و كان النصر حليف العثمانيين ، فانسحبت فلول جيش المماليك إلى مصر.
وبالتالي تساقطت المدن الرئيسية بسهولة في أيدي العثمانيين تباعا، مثل: حلب، وحماه، وحمص، ودمشق، وفلسطين، وغزة،
و أصبحت الشام في قبضة سليم الأول, أي ما يعادل نصف دولة المماليك ضاعت منهم ، وغدت الأناضول بأكملها تحت إمرت سلطان العثمانيين.
وبعد هذه الموقعة ، وعيّن الغزالي واليًا عليها مكافأة له على انحيازه للعثمانيين،
وقابل من بها من العلماء، فأحسن وفادتهم.
وفرّق الإنعامات على المساجد وأمر بترميم المسجد الأموي بدمشق. ولمّا صلّى السلطان الجمعة به، أضاف له الخطيب عندما دعا له عبارة “حاكم الحرمين الشريفين”، لكن سليمًا فضّل استخدام لقب أكثر ورعًا هو “خادم الحرمين الشريفين”،
واستمر باقي السلاطين من بعده يُلقبون به.
كذلك استقبل السلطان وفدًا من أمراء لبنان جاء يهنئه بالنصر، وكان في عداد الوفد “فخر الدين المعني الأوّل” أمير الشوف، و”عسّاف التركماني” أمير كسروان وجبيل، و”جمال الدين الأرسلاني”. فألقى الأمير فخر الدين بين يديّ السلطان سليم خطبة دعا له فيها بالعز والتوفيق وأن يجعل الله عهده عهد إسعاد للأمة الإسلامية.
فأعجب السلطان ببلاغة فخر الدين إعجابًا شديدًا، لا سيما وأنه كان يفهم ويتحدث اللغة العربية بطلاقة،فقدّم فخر الدين على سائر الأمراء اللبنانيين ومنحه لقب “سلطان البر” وأقرّه على ولاية الشوف وما جاورها، واعترف له بحق سلالته من بعده في أن يحكموها، كما أقرّ باقي الأمراء على مناطقهم. أما الأمراء التنوخيون الذين بقوا موالين للمماليك أثناء معركة مرج دابق، فقد عزلهم السلطان سليم عن بلاد الغرب – أي المناطق الساحلية الواقعة بين بيروت وصيدا، وعيّن مكانهم الأمير جمال الدين الأرسلاني.
وبضم بلاد الشام، وصلت مساحة الدولة العثمانية إلى 5,200,000 كم2.