كتب : وسيم عفيفي
حسن البنا واحد من أكبر المُنظرين في تاريخ الإسلام السياسي وله العرش في التنظير التنظيمي للجماعات الإسلامية قبل بن لادن وأبي الأعلى المودودي وعمر عبد الرحمن وسيد قطب ، وكافة المتطرفين فعليا ، ويأتي ذلك السبب كون أن البنا هو المؤسس لواحدة من أكبر الجماعات والتنظيمات في مصر والعالم وهي جماعة الإخوان المسلمين
في 12 فبراير من عام1949 ، صدر استدعاء من الحكومة لحسن البنا لعقد جلسة مفاوضات حول قرار حل الجماعة واعتقال أعضاءها ، وعُقِد اللقاء في مقر جمعية الشبان المسلمين فذهب البنا في الموعد المحدد وقضى ساعته الأخيرة في التفاوض حول قرار حل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال أعضائها والذي صدر قبل شهرين من تلك الليلة.
وعند حلول الساعة الثامنة والثلث خرج البنا من مقر الجمعية بصحبة صهره عبد الكريم منصور متوجهين لإيقاف سيارة تاكسي كانت تنتظرهما ، وفي هذه الأثناء ظهر رجلان يعبران الطريق وأطلقا عليهما الرصاص، فر القاتلان داخل سيارة فورد ليموزين سوداء ، وأصيب حسن البنا بـ 6 رصاصات إلا أنها لم تكن قاتلة نُقل الاثنان إلى مقر جمعية الإسعاف والتي لا تبعد كثيرا عن موقع الجريمة وبحسب الوثائقيات التي طُرحت في هذا المجال، فقد كان البنا متماسكا يطمئن صهره ويشد من أزره وعندما جاء الطبيب كان البنا يرفع ثيابه الخارجية بنفسه للكشف عن مواضع الجروح لكن حالة عبد الكريم منصور كانت تتطلب نقله إلى المستشفى فأصر البنا على أن يرافقه إلى هناك للاطمئنان عليه غير مبال بجراحه التي تنزف
وكانت وصلت إلى مستشفى القصر العيني تعليمات تمنع أي شخص من القيام بأي محاولة لإيقاف النزيف وُضِعَ على فراش وترك ينزف لمدة ثلاث ساعات على مرأى من المحيطين به وبعد منتصف الليل بقليل توقفت أنفاسه وفارق الحياة
بدأ أول تحقيق في الجريمة بعد ساعات من وقوعها اختفى الشاب الذي التقط رقم السيارة، تقدم محمد الليثي وأدلى بشهادته وذكر الرقم اتضح أن السيارة مملوكة لمحامي يدعى فهيم بولس ومؤجرة لوزارة الداخلية ليستقلها عقيد يعمل في إدارة المباحث الجنائية اسمه محمود عبد المجيد، شهدت مجموعة من الضباط أنهم كانوا مع المذكور في بهو فندق إيدن وسط البلد من الغروب وحتى ساعة متأخرة من ليل يوم الحادث وأن السيارة كانت تقف تحت أنظارهم أمام الفندق، بعد خمسة أسابيع صدر قرار بحفظ التحقيقات لعدم معرفة الفاعل، كان الشارع المصري في هذا الوقت يهمس بالحقيقة ولكنه لا يستطيع أن يجاهر بها رأى الناس أن الجريمة تمت أخذا بالثأر نفذتها الشرطة المصرية لحساب الحكومة السعدية ردا على عملية اغتيال النقراشي باشا رئيس الحزب، لكن رجال الإخوان كانوا يرون للجريمة أبعاد أكبر من ذلك منها أن قرار الاغتيال كان لصالح قوى استعمارية كانت تخطط لمستقبل المنطقة وفق لمصالحها.
ولكن الواقع يقول أن العام الأخير من حياة البنا قد شهدا توترا حادا بينه وبين جميع القوى في الساحة السياسية إذ كان عاما حافلا بسلسلة من أحداث العنف والاغتيالات قام ببعض منها عناصر من التنظيم السري للإخوان تحت قيادة عبد الرحمن السندي وبات واضحا للحكومة المصرية أن المرشد العام للجماعة يقوم بعملية تصفية جسدية لخصومه السياسيين لكن البنا أعلن رفضه التام وحزنه الشديد لوقوع تلك الاغتيالات بما يعني أنه لم يكن الآمر بتنفيذها.
وبرغم كل هذا كانت نهاية الإخوان بمقتل حسن البنا نفسه عام 1949 قيل أن الإنجليز لهم يد مع الملك في قتله وقيل أن أعضاء التنظيم السري قتلوه
لكن الأشهر والأقوى أن الحكومة ضالعة في هذا الأمر استنادا لمفكرة النيابة العمومية عام 1952م لأن السيارة التي كان فيها القاتل تحمل رقم “9979” وكانت السيارة الرسمية للأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية
وثبت ذلك عندما أعادت سلطات ثورة 1952 التحقيق في ملابسات مصرع حسن البنا وتم القبض على المتهمين باغتياله وتقديمهم أمام محكمة جنيات القاهرة حيث صدرت ضدهم “أحكام ثقيلة” في أغسطس 1954م
وحُكم على المتهم الأول أحمد حسين جاد الأشغال الشاقة المؤبدة والمتهم السابع محمد محفوظ الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً والمتهم الثامن الأميرالاي محمود عبد المجيد الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً والبكباشي محمد الجزار سنة مع الشغل قضاها في الحبس الاحتياطي إضافة لتعويض مادي كبير تمثل في دفع عشرة آلاف جنيه مصري كتعويض لأسرة البنا
تجيء ذكرى عملية اغتيال البنا بعد أن تم إعلان جماعته جماعة إرهابية في 26 ديسمبر 2013 عندما قرر مجلس الوزراء اعتبار جماعة الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية” في الداخل والخارج، واتهمها بالوقوف وراء حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة أدى إلى سقوط 16 قتيلا معظمهم من الشرطة ونحو 140 جريحا من بينهم قيادات أمنية رفيعة.
رحل حسن البنا تارك وراءه جدل عظيم وتناقض صارخ بين أتباع وجدوا فيه إمام ومجدد قل نظيره وبين أعداء اتهموه بأنه كان المؤسس الأول لمدرسة العنف والإرهاب