الرئيسية » حكاوي زمان » “صبرا وشاتيلا”  جرح يسكن التاريخ وآلام لن يداويها الزمان
صابرا وشتيلا
صابرا وشتيلا

“صبرا وشاتيلا”  جرح يسكن التاريخ وآلام لن يداويها الزمان

كتب : وسيم عفيفي
سيتوقف التاريخ كله أمام مذبحة صبرا وشاتيلا إحدى وأبشع وأشنع وأقبح وأوقح المجازر البشرية التي حدثت في الأراضي العربية كلها
وأحد الأيام التي تشهد على خسة العدو الصهيوني والتي تأسس عليها .
يوم عنيف ودموي في إحدى مناطق غرب لبنان وتحديداً مجزرة صبرا وشاتيلا
كانت القذائف تلون سماء المنطقة بالدماء ، دُفنت عائلات بأكملها تحت التراب
وسُمعِت أصوات استغاثات خافتة تنبعث من تحت الأنقاض
كانت رائحة الموت تزكم الأنوف وأرواح الشهداء وأشلاء المصابين تطارد المتورط عملاً وصمتاً
إنها مذبحة نُفذت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين بغرب لبنان
في 16 سبتمبر 1982 على يد الميليشيات المارونية التي كانت تابعة لحزب الكتائب اللبنانية
في زمن الاحتلال الإسرائيلي للبنان أيام الحرب الأهلية اللبنانية
وكانت الميليشيا تحت قيادة أيلي حبيقة الذي صار عضوا في البرلمان اللبناني لفترة طويلة ووزيراً عام 1990م.
عدد القتلى في المذبحة لا يعرف بوضوح وتتراوح التقديرات بين 700 و3500 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح
في ذلك الوقت كان المخيم مطوق بالكامل من قبل الجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة ارئيل شارون ورافاييل آيتان .

شارون

ارئيل شارون ورافاييل آيتان

بدأت القصة يوم الثلاثاء 14 سبتمبر عندما قُتل الرئيس اللبناني بشير الجميّل في عملية تفجيرية استهدفت مقر حزب الكتائب في بيروت الشرقية .
فزحفت قوات الاحتلال الصهيوني فجر يوم 15 سبتمبر وقررت فرض حراسة مستحكمة وحصار شديد على منطقة صبرا وشاتيلا
وذلك من أجل فرض الأمن والنظام في ذلك المخيم الفلسطيني
فقام عدد من سكان المنطقة بالتوجه إلى قوات المحتل الصهيوني في محاولة لإقناع سلطات الاحتلال بخلو المخيم من الأسلحة
وحتى إن كان السلاح موجودا فإن كميته محدودة
وكانت بغية الأهالي هي إبعاد الحصار عن بيوتهم والنجاح في العودة إلى حياتهم الطبيعية قدر المستطاع
إلا أنهم كانوا يخاطبون قلوباً صلدة وأذناً صمّاء فإسرائيل الآن تمهّد لشن حملة مهولة ستفصح الأيام القليلة المقبلة أو السويعات التالية .
على إثر ذلك قرر عدد من الشبان والشابات من سكان صبرا وشاتيلا للخروج حتى يواجهوا سلطات الاحتلال بما يملكونه من سلاح
برغم أن سلاحهم لن يكفي إلا لساعات في مواجهة وحدة واحدة من جيش الاحتلال
وكل الشواهد تثبت أن هناك طامة كبرى وسريعة ستعصف بالمنطقة
خاصة بعد أن اشتد الحصار من أجل تيسير كل السبل والطرق لقوات حزب الكتائب اليميني اللبناني لارتكاب مجزرتها .

مجزرة صابرة وشتيلا

مجزرة صابرة وشتيلا

إلى أن يأتي يوم المجزرة ويحل يوم الخميس، 16 سبتمبر 1982 بتجمع قوات الكتائب اليمينية  في المنطقة المحيطة للمخيم متأهبة للدخول
وتم التنسيق بين قوات الكتائب وبين قوات الاحتلال بأن يكون الحصار الإسرائيلي للمنطقة بهدف إفساح المجال لقوات الكتائب لدخول مخيم شاتيلا وحي صبرا.
وتبدأ المجزرة في يومها الأول بالقصف الصهيوني المدفعي للمنطقة طوال نهار الخميس
وبالتوازي مع ذلك يقوم القناصة الإسرائيليون بإطلاق النيران على بيوت المخيم والحي من مواقعهم المحيطة
الأمر الذي أخلى كافة الشوارع من المارة، وأبقى الناس في بيوتها معتقدين أن القصف الإسرائيلي هو الحدث الرئيسي  لذلك اليوم
فقد اعتادوا عليه طوال أشهر الصيف خلال حصار الأيام الثمانين لبيروت
ومع حلول المساء، انسحبت القلة من المقاومين التي بقيت تواجه القصف المدفعي بإطلاق الرصاص من بنادق الكلاشينكوف
واتفق المقاومون على العودة إلى القتال مع بزوغ الفجر وبحلول المساء هدأ القصف
وبعد القصف المدفعي كان دور البطولة للقنابل الضوئية التي أنارت سماء المخيم ومنطقته فدخل كمّاً كبيرا من المركبات العسكرية “الكتائبية” تحمل 1500 مسلح
دخل منهم إلى مخيم شاتيلا قرابة 600 عنصر من عناصر المليشيا اليمينية وقام المسلحون بدخول البيوت في المخيم
وبدأ السكان المحيطون بالمنطقة التي دخلها المسلحون يسمعون صوت إطلاق الرصاص
وأصوات العويل والصراخ والبكاء ثم كان ضرب الشيوخ والنساء والأطفال
وكان مستغرباً وجود فرق من مليشيات بداخل الملاجئ التي اختبأ بعض من أهل المخيم فيها
الأمر الذي يدل على وجود جواسيس بين أهالي المخيم، كانوا ينقلون الأخبار لمرتكبي الجريمة.
استغل المجرمون ساعات الليل، وقنابل الإنارة الإسرائيلية، فدخلوا منطقة حي الحرش وحي عرسال والحي الغربي، والمنطقة المحيطة بهذه الأحياء الثلاثة
واقتحموا كل بيوتها ووصول قوات أخرى إلى الملاجئ ، وإخراج الناس من منازلهم  ليلاقوا موتهم.
وقام مسلحي مليشيات الكتائب ببقر بطون الحوامل لأنهن سينجبن إرهابيين كما خصوا الفتيان
وقام العديد من المسلحين بالمشاركة في عمليات اغتصاب جماعية لفتيات من المخيم، قبل قتلهن
بعض سكان مخيم شاتيل وحي صبرا، ناموا تلك الليلة دون أن يعرفوا أن مجزرة ترتكب في ضواحي المخيم
لأن الأحياء التي دخلها القتلة كانت الأحياء المتواجدة في أطراف المخيم
وتوجه العديد من سكان مخيم شاتيلا وحي صبرا في تلك الليلة إلى المستشفيات المحيطة بالمخيم، للاحتماء من القصف الإسرائيلي
كما توجه البعض إلى الملاجئ، فكان مصير هؤلاء القتل الجماعي في اليوم التالي للمجزرة.

وفي اليوم التالي فجر يوم الجمعة 17 سبتمبر بدأت آثار الجريمة تظهر بانتشار الجثث في الشوارع وفي البيوت
وكان المسلحين في غاية الفرح عندما وصلتهم تعزيزات على شكل قوات إضافية من مليشيا الكتائب، فدخلوا المخيم
وبدئوا القنابل الفسفورية على الملاجئ، مطورين بذلك أسلوب القتل، وبالتالي عدد الضحايا
فقُضى غالبية من بداخل هذه الملاجئ حرقا، ومن لم يمت وحاول الهرب، انتظره المسلحون في الخارج
وأطلقوا عليه الرصاص وتميزت عمليات القتل في استهداف عائلات بأكملها وكان قتل العائلات هو الهدف الأول لدى مجرمي الحرب من قوات مليشيات الكتائب
ثم دخلت إلى المخيم عدة جرافات لدفن الجثث في قبور جماعية ثم تواصلت خلال اليوم عمليات القتل الجماعي
إما عن طريق النحر بالسيوف أو عن طريق إطلاق الرصاص أو عن طريق دفن الضحية حيا في الرمال ليموت.
واستمرت في هذا اليوم أيضا عمليات النهب والسرقة والاغتصاب، كما اقتحم أفراد المليشيا للمستشفيات
فحاول طاقم منظمة الصليب الأحمر إخلاء هذه المستشفيات ونجحت في بعض الحالات
إلا أن حالات أخرى انتهت بقتل المرضى والأطباء والممرضين والممرضات، خاصة الفلسطينيين منهم

ويحل اليوم الثالث والأخير للمجزرة يوم 17 سبتمبر وقال مسئولين عسكريين إسرائيليين أنهم أصدروا الأوامرلقوات المليشيات بالانسحاب
بعد أن اكتشفوا ما يحدث داخل المخيم  ، إلا أن الانسحاب لم يتم، بل استمرت عمليات القتل الجماعي، وتم الانسحاب من داخل المخيم فقط
ثم تحول المسار من عمليات قتل إلى عمليات اختطاف التي قام بها أفراد المليشيات، لعدد كبيرا من سكان المنطقة
ووضعوهم في الشاحنات، وأخذوهم إلى مصيرهم المجهول، الذي ما زال مجهولا

في بوابة المعرفة توجد عدة تقارير تشير إلى عدد القتلى في المذبحة
فرسالة ممثلي الصليب الأحمر لوزير الدفاع اللبناني تقول أن تعداد الجثث بلغ 328 جثة
ولجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة إسحاق كاهن تلقت وثائق أخرى تشير إلى تعداد 460 جثة في موقع المذبحة
وفي تقريرها النهائي استنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية من مصادر لبنانية وإسرائيلية أن عدد القتلى بلغ ما بين 700 و800 نسمة
وأقوال أخرى تقول بأن القتلى عددهم 1300 نسمة وقيل 2000  وقيل 3000 قتيل في المذبحة على الأقل
حتى لجنة كاهن المُشكلة في 1 نوفمبر 1982 لم تتوصل إلى الرقم حيث أمرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة
وقرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهـَن، أن يرأس اللجنة بنفسه ، وفي 7 فبراير 1983 أعلنت اللجنة نتائج البحث
وقررت أن وزير الدفاع الإسرائيلي شارون يحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة  حيث تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسعى للحيلولة دونها
كذلك انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحم بيجن، ووزير الخارجية إسحاق شامير، ورئيس أركان الجيش رافاييل آيتان وقادة المخابرات
ورفض شارون قرار اللجنة ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع
وتنتهي فصول مجزرة من أقسى ما ارتكب الجيش الإسرائيلي فى حق الشعب الفلسطيني
وتبقى الصورة الدموية من القتل الجماعي والأشلاء المتناثرة تدق القلوب لتسترجع الآلام وليكون ضمير الحق تائه في الزحام

ضحايا المجزرة

ضحايا المجزرة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*