كتب : وسيم عفيفي
فى 17 يونيو 1985 وبإنتاج مصري فرنسي مشترك
تم عرض فيلم الوداع يا بونابرت للمخرج الراحل يوسف شاهين وبطولة : محسن محي الدين واحمد عبد العزيز ومحسنة توفيق وصلاح ذو الفقار وكوكبة عديدة من الممثلين والممثلات
المتابع للفيلم يجد أنه لا يتطرق لتاريخ الحملة الفرنسية من النواحي العسكرية بل يتناول وبشكل مركز إلى الآثار الفكرية التي خلفتها الحملة الفرنسية بمصر في شكل أشبه ما يكون بصراع الحضارات
أسرة مناضلة فيها ثلاثة أخوة تتباين مواقفهم من قوات الاحتلال فينضم أكبرهم إلى المقاومة الشعبية ويتعاون الثاني مع الفرنسيين ويتعلم لغتهم ليحاورهم
أما الثالث فيحاول أن يستفيد من العلم المتوفر لديهم لكي ينقله إلى حركة المقاومة
وتتصاعد وتيرة أحداث الفيلم حيث تنشأ علاقة صداقة بين يحيى والضابط الفرنسي كافر يللى المهتم بالعلوم فيتعرف يحيى على الأساليب العلمية التي أتت بها الحملة وينقلها إلى حركة المقاومة، تفشل الحملة ويموت كافريللى بعد إصابته في إحدى المعارك، ويعود الفرنسيون إلى بلادهم
إن ركزنا في فيلم الوداع يا بونابرت سنجد أروع مشهد هو مشهد مصر هتفضل غالية عليا وان ركزنا في غرض الفيلم والرسالة الشاهينية التي يريدها يوسف شاهين سنجد أنه يجب أن تكون علاقة الحضارات قائمة على الحوار وليس الحرب مثل الحملة الفرنسية فبونابرت خسر الحرب ولكن الحضارة كسبت ثقافة من علماء الحملة
ومن ضمن مكاسب الحضارة الثقافية هي المجمع العلمي
المجمع العلمي تأسس بعد أن اصدر نابليون بنابرت قرارا بإنشائه في مثل هذا اليوم 22 أغسطس سنة 1798 والأسباب التي دفعت نابليون بنابرت يمكن ان نلخصها فى سببين
الأول جلي وواضح والثاني خفي غير صريح
فأما الذي يبدوا وبدا ساعتها للجميع هو العمل على تقدم العلوم في مصر وبحث ودراسة الأحداث التاريخية ومرافقها الصناعية وعواملها الطبيعية فضلا عن إبداء الرأي حول استشارات قادة الحملة الفرنسية
ولكن السبب الخفي والحقيقة الغائبة هو دراسة تفصيلية لمصر وبحث كيفية استغلالها لصالح المحتل الفرنسي،ونتج عن هذه الدراسة كتاب وصف مصر
تنقل المجمع العلمي تنقلا كبيرا كمكان وموضع
ففي عام 1798 كان بالقاهرة في احد بيوت البكوات المماليك
ثم حل عام 1856 ليكون المجمع بالإسكندرية
ثم عاد المجمع إلى حضن القاهرة مرة أخرى في عام 1880 وظل بها حتى اندلعت أحداث مجلس الوزراء في 17 ديسمبر2011 والتي أدت إلى حرق المجمع ووجود تلفيات كبيرة وضياع كتب قيمة وذات قيمة لن تعوض
كان للمجمع العلمي مكتبة كبيرة تضم أكثر من 200 كتاب هم درر النشأة الحضارية أطاليس متعددة ومخطوطات لكتب تاريخية عتيقة وخرائط في منتهى الأهمية وضم المجمع العلمي شعب الرياضيات ، والفيزياء ، والاقتصاد السياسي ، والأدب والفنون الجميلة ثم قبل ثورة 1919 بعام أجريت تعديلات على الشعب لتحوي الآداب و الفنون الجميلة وعلم الآثار ، والعلوم الفلسفية والسياسة ، والفيزياء والرياضيات ، والطب والزراعة والتاريخ الطبيعي
وينتظم في هذه الأقسام مائة وخمسون عضوا، منهم خمسون عضوا عاملا وخمسون مراسلا بعضهم من مصر وخمسون منتسبا في الخارج
ويحل السبت الأسود 17 ديسمبر 2011 حيث احتجاجات مجلس الوزراء حيث أن اشتباكات حدثت بداية من يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011 بين قوات الشرطة العسكرية المصرية من جهة وبين المعتصمين أمام مبني مجلس الوزراء المصري من جهة أخرى على خلفية محاولة فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة يوم 19 نوفمبر 2011، والتي أدت إلي وفاة أكثر من أربعين متظاهر وتسببت اندلاع مظاهرات عارمة في ميدان التحرير وميادين أخرى في مصر علي مدي أسبوع استمر اعتصام بعض المتظاهرين أولا في ميدان التحرير ثم انتقل إلي أمام مقر مجلس الوزراء المصري احتجاجا علي تعيين الدكتور كمال الجنزوري رئيسا لمجلس الوزراء
أخرج علماء الحملة الفرنسية وهم القوام المشكل لأعضاء المجمع العمل الموسوعي الضخم المعروف بكتاب وصف مصر الذي يعتبر أهم مرجع لكل من تناول أى موضوع يتصل بمصر، كتاب وصف مصر الذي جمع فيه علماء الحملة الفرنسية خلاصة أبحاثهم ودراساتهم عن مصر، تاريخاً وجغرافيا وكل شيء
ويبقى السؤال عقب حرق المجمع العلمي من يتحمل الخسارة …. من السبب …. ما هي النتيجة
إن احتراق المجمع العلمي خسارة بالنسبة لمصر والعالم ولا يمكن تعويضها حيث أن المخطوطات تمثل تاريخ وهوية شعب بأكمله وجزء مهم من ذاكرة شعوب العالم
المجمع العلمي يعد أهم من مكتبة الكونجرس الأمريكي واحتراق هذا المبنى العريق بهذا الشكل يعني أن جزءا كبيرا من تاريخ
ولكن … بعد حرق المجمع العلمي هل مقولة مصر هتفضل غالية عليا في فيلم الوداع يا بونابرت ستظل لسان حالنا الآن ؟؟
الإجابة يحددها معيار خوفنا على المصلحة الوطنية لا لهثنا وراء المصلحة الفئوية.